روسيا وأوكرانيا: الاغتيالات وجهة الحرب الجديدة


جراسا -

لطالما كانت روسيا الخصم والمنافس الاستراتيجي الأول بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وذلك منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. كانت النتيجة تفكك الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي، وصولاً الى فترة تسلّم الرئيس فلاديمير بوتين لسدّة الحكم، والذي أعلن صراحةً في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، مناهضته لمشروع عالم القطب الواحد والهيمنة الأميركية. لكن موسكو لا تزال قوة مؤثرة في العالم وهي تشكل تحدياً هائلاً للولايات المتحدة، وسط مشهد جيوسياسي متغير. لذلك من الطبيعي أن تواصل حماية مصالحها بطرق تنافسية، وأحياناً تصادمية واستفزازية، بما في ذلك الحرب للسيطرة على أوكرانيا ودول أخرى.

وفي هذا السياق، استطاعت الاستخبارات الأميركية، من طريق الأقمار الاصطناعية أو من خلال الاستخبارات والجواسيس أو أنظمة التنصت والاختراق عبر الترسانة القوية والمتكاملة التي تنشرها واشنطن، أن تحصّن النظام القائم في كييف بالدعم، وهي تخصص موارد كبيرة لجمع المعلومات بهدف حماية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، منذ الأيام الأولى من اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية.

تمكن الأميركيون من خلال سيطرتهم وقدراتهم التكنولوجية والاستخبارية من تنبيه الرئيس الأوكراني بأن قوات كوماندوس روسية تسللت إلى منطقة كييف ومهمتها اغتياله، وبفضل هذه المعلومات، تمكن الأوكرانيون من تحديد مواقع هذه القوات وتحييدها.

ومنذ ذلك الحين، تعمل وكالة الاستخبارات المركزية والجهاز التنفيذي الأوكراني جنباً إلى جنب لتحديد أفضل طريقة لحماية زيلينسكي ومتابعة تحركه وللتأكد من أنه ليس في المبنى نفسه دائماً وفق تسلسل قيادته بالكامل.

أما اليوم، وبعد مقتل داريا دوغينا يوم السبت 20 آب (أغسطس) الجاري في انفجار السيارة التي كانت تقودها على طريق بالقرب من قرية بولشي فيزيومي، على بعد أربعين كيلومتراً من موسكو، بدأت مرحلة جديدة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا عبر الدخول في نفق الاغتيالات السياسية، وخصوصاً أنه منذ حوالى الشهرين كان تم فعلاً تصفية معارضين أوكرانيين دعموا روسيا بعد دخول قواتها مناطق خيرسون وميليتوبول وزابوريجيا، كما تم اغتيال عدد من المحافظين، وتم تسميم محافظ خيرسون الموجود اليوم في العناية المشددة حيث أرسلت روسيا كتاب احتجاج إلى الأمم المتحدة في هذا الشأن.

دوغينا هي صحافية روسية وخبيرة سياسية ولدت عام 1992، وهي ابنة ألكسندر دوغين، صاحب وجهة نظر يمينية متطرفة حول دور روسيا في العالم، وهو منظّر وكاتب قومي يروّج لعقيدة توسعية ومؤيد شرس للهجوم الروسي على أوكرانيا. هذا ليس سوى واحد من الرجال الأقرب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو معروف بكونه طوّر رؤية قومية متطرفة لمكانة روسيا في العالم. كما دافع عن سياسة موسكو المتطرفة على الساحة الدولية. منذ تسعينات القرن الماضي، أسس دوغين أحزاباً سياسية يمينية متطرفة عدة، ولم يتمكن أي منهم من الفوز انتخابياً. كما أطلق على دوغين لقب "راسبوتين" في عهد بوتين. في إشارة إلى غريغوري راسبوتين، الذي كان يُعتبر المقرر في عهد القيصر نيكولا الثاني.

اللافت أنه للمرة الأولى تعلق الحكومة الروسية رسمياً على عملية الاغتيال، التي لم يتم العثور على مرتكبيها بعد. وأفادت وكالة الأنباء الروسية "تاس" أن مرتكبة جريمة قتل داريا دوغينا هي مواطنة أوكرانية تدعى ناتاليا فوفك تبلغ من العمر 43 عاماً قامت بتنفيذ العملية واختفت بعد الجريمة في إستونيا. واتهم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي الاستخبارات الأوكرانية بالتخطيط والتنفيذ لهذا الاغتيال، وذكر في التفاصيل أن المتهمة وصلت إلى روسيا برفقة ابنتها سوفيا شابان في 23 تموز (يوليو) الماضي على متن سيارة تحمل رقماً من جمهورية دونيتسك الشعبية الانفصالية، ثم غادرت على الفور إلى إستونيا على متن سيارة تحمل رقماً أوكرانياً. وعلى الفور دعا الكسندر دوغين القوات الروسية، في أول بيان رسمي له بعد عملية الاغتيال، إلى الانتصار في الحرب للانتقام لمقتل ابنته.

من جهته، نفى الحرس الوطني الأوكراني اتهامات موسكو بتورط أوكرانيا في مقتل دوغينا، واستنكر على وجه الخصوص اتهامات الأجهزة الأمنية الروسية التي نقلتها وسائل الإعلام الروسية بشأن تورط الأوكرانية ناتاليا فوفك في تفجير سيارة إبنة المفكر الروسي.

حتى الساعة لا معلومات دقيقة حول الجهة التي تبنّت الهجوم على داريا دوغينا وخصوصاً أن أوكرانيا نفت أي صلة لها بالاغتيال. وفي الواقع، كانت العملية موجهة ضد دوغين شخصياً نتيجة دعمه للعملية الروسية في أوكرانيا عبر وسائل الإعلام الأجنبية وليس الروسية، وهناك الكثير من الحركات والأحزاب المزروعة في روسيا مثل حركة تحرير أوكرانيا وأحزاب إسلامية لتحرير التتار في جزيرة القرم وهي جهات موالية لأوكرانيا يوجد لها خلايا نائمة في روسيا.

من الملاحظ أن الحدود الروسية - الأوكرانية بقيت مفتوحة حتى اليوم، وكانت كذلك خلال الحرب منذ 2014 وبالتالي فمن الطبيعي أن تحدث حرب "الاغتيالات" بين الجانبين. ولكن السؤال الذي يطرح اليوم، من هي الجهات المستفيدة من الاغتيالات ومن سيستغل كل هذه التوترات ليصطاد في الماء العكر؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات