نظام تنظيم الأنشطة الطلابية الحزبية


أ. د. ليث كمال نصراوين*

جرى الإعلان عن مسودة نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية في مؤسسات التعليم العالي، الذي يتعين على الحكومة أن تقوم بإصداره كنظام تنفيذي يستند لأحكام المادة (20/أ) من قانون الأحزاب السياسية لعام 2022، التي تعطي الحق لطلبة مؤسسات التعليم العالي الحزبيين بممارسة الأنشطة الحزبية داخل حرم هذه المؤسسات دون أي تضييق أو مساس بحقوقهم.
وقد تباينت الآراء السياسية والشعبية حول ماهية الأحكام المقترحة، والتي هي إجرائية وتنظيمية بطبيعتها تهدف إلى رسم العلاقة بين الطلبة الحزبيين وإدارات المؤسسات التعليمية، وذلك بهدف تنظيم ممارسة هؤلاء الطلبة للأنشطة الحزبية بما يتوافق مع أحكام القانون.
وقد انصبت معظم الانتقادات على الحكم القانوني الذي يُعلّق ممارسة العمل الحزبي على موافقة المؤسسات التعليمية من خلال عمادات شؤون الطلبة أو من يقوم مقامها، حيث تطالب القوى السياسية والطلابية بتطبيق ما هو مقرر في قانون الاجتماعات العامة رقم (7) لسنة 2004 وتعديلاته، الذي يشترط في المادة (4) منه مجرد إشعار الحاكم الإداري بعقد الاجتماع العام أو تنظيم المسيرة قبل الموعد المعين لإجراء أي منهما بثمان وأربعين ساعة على الأقل. على أن يتضمن الإشعار أسماء منظمي الاجتماع العام أو المسيرة، وعناوينهم وتواقيعهم والغاية من الاجتماع أو المسيرة، ومكان وزمان أي منهما.
في المقابل، تتمسك الجهات الحكومية المعنية بأن أسلوب الترخيص والإذن المسبق لغايات ممارسة العمل الحزبي في الجامعات له ما يبرره. فالأنشطة الحزبية يجب ألا تعامل معاملة مختلفة عن باقي الفعاليات الرياضية والاجتماعية والثقافية التي يجري تنظيمها في المؤسسات التعليمية، وأن الجامعات هي مساحات تعليمية بالدرجة الأساسية، ومرافق عامة يجب أن تخضع للتنظيم والموافقة المسبقة على استعمالها، وذلك حفاظا على حقوق باقي الطلبة من الاستفادة من الخدمات الجامعية التي تقدمها.
إن كلا الموقفين لهما ما يبرره؛ فالبيئة الجامعية لها خصوصيتها التي يجب مراعاتها وعدم القياس عليها ما يجري في الأماكن العامة والساحات من تنظيم للاجتماعات والاعتصامات. في المقابل، يتعين على الإدارات الجامعية ألا تتعسف في استعمال حقها في منح الموافقة على عقد النشاط الحزبي، وأن تدرك بأن المرحلة القادمة يجب أن تكون مختلفة عن سابقتها من حيث أن الأنشطة الحزبية هي حق للطلبة الحزبيين، وأن المادة (4/د) من قانون الأحزاب السياسية تعطي الحق للطلبة الذين يقع عليهم تعرضا بسبب انتمائهم الحزبي أن يلجأوا إلى المحاكم المختصة لرفع التعرض، والمطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي.
ومن الأحكام التنظيمية الأخرى في مسودة النظام أنها قد فرضت قيودا واضحة على الطلبة يجب مراعاتها عند التفكير في عقد أي نشاط حزبي، تتمثل بعدم إقامته في غير الأماكن والأوقات المصرح بها، وعدم تنظيمه خلال فترات الامتحانات ومواسم تخريج الطلبة، وعدم استخدام اسم وشعار المؤسسة التعليمية عند ممارسة النشاط الحزبي، وعدم جمع التبرعات أو تلقي الدعم المالي للحزب من خلال هذه الأنشطة.
إن هذه التقييدات يفترض بأنها لا تخل بجوهر الحق في ممارسة العمل الحزبي، كونها تهدف إلى وضع ضوابط توفيقية بين حق الطلبة الحزبيين في ممارسة العمل الحزبي، والتزام المؤسسات التعليمية بتقديم خدماتها للطلبة المنتسبين لها. فالجامعات هي مرافق عامة تقوم إدارتها على مبادئ أساسية في القانون الإداري تتمثل بدوام سير العمل فيها بانتظام واطراد.
في المقابل، لا تملك الجامعات الحق في مساءلة أي طالب أو التأثير عليه سلبا بسبب ممارسة أي من الأنشطة الحزبية، طالما أن هذه الفعالية قد جرى تنظيمها وفق أحكام النظام وبعد الحصول على الموافقات المسبقة، وأنه قد تمت المحافظة على سلامة المنشآت التعليمية ومرافقها وحسن سير العملية التدريسية فيها.
ويبقى الحكم القانوني مدار النقاش في مسودة النظام، ذلك الحظر الذي جرى فرضه على أعضاء هيئة التدريس من المشاركة في الأنشطة الطلابية الحزبية التي يجري تنظيمها داخل مؤسساتهم التعليمية. فهذا القيد من شأنه أن يحرم الطلبة من أن يشاركونهم أساتذهم الجامعيين فعالياتهم السياسية، وبالأخص أولئك المختصين منهم في مجالات القانون والسياسة وعلم الاجتماع، والذين سيكون لحضورهم دور مهم في توعية الطلبة وتثقيفهم.
فإن كان بالإمكان قبول فكرة حرمان أعضاء هيئة التدريس من ممارسة أي نشاط حزبي داخل الجامعات، إلا أنه لا يمكن تبرير الحظر عليهم من مشاركة الطلبة فعالياتهم الحزبية، وتقديم المساعدة والإرشاد الأكاديمي لهم.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات