"المليشيات النيابية في العبدلي"


رحل السمير والثلاثون وزيرا, سقط أو أسقط بضم الألف رغم الثقة الكاسحة الغير مسبوقة من ممثلي الشعب الأردني. أربعون يوما فقط استطاع سمير الثاني التوكؤ على هذه الثقة ونص الماسخة ويوغل بالوطن سلبا ونهبا وبلعا دون حسيب أو رقيب.
وعندما يخرج مجلس النواب عن أصل مهمته التي وجد من أجلها, ألا وهي تمثيل الشعب وحمايته من التغول الحكومي, وعندما يصبح ممثلا للحكومة, فإن هناك خللا ما قد حصل في النظرية والتطبيق الديموقراطي في وطننا العزيز. وعندما تسقط هذه الحكومة شر سقطة بضغط الشارع ورفضه الصريح لها, فلا أدري لماذا لم يرحل هذا المجلس مع حكومته.
ومن يريد التغيير والإصلاح ويعني ما يقول في هذا التوجه, فإنه يغير كل ما يحتاج للتغيير ويصلح كل ما لإصلاحه ضرورة, خاصة عندما يكون التغيير والإصلاح ليسا ترفا تجميليا تحققه بعض المساحيق أو التدخلات الجراحية البسيطة لمختص بالسيليكون أو البوتوكس السياسي, بل ضرورة صحية ملحة ومسألة مصيرية لا خيار لصاحبها دون الجراحة الكبرى واستئصال الانفلات السرطاني لخلايا جسدية ما عادت صديقة أو نافعة لاستمرار الحياة العادية, حتى مع خطر الموت أو عدم التشافي.
ما علينا, في كل دول وأنظمة الكون السياسية, يمثل النواب ناخبيهم بمراقبة الأداء الحكومي وسن التشريعات الضرورية لهذا الأداء من أجل الوطن والشعب, أساسيات الدول وأهم أعمدة الأنظمة القائمة في جغرافيا محددة.
أما في الأردن, فحصاننا خاسر وعرجه بائن وصريح, المعادلة مختلفة ومقلوبة كما لم نشاهدها من قبل, وأطرافها بدلوا المواقع كما يرغبون وليس كما ينبغي. الحكومة والنواب والبزنس والمقاولات في طرف والشعب والجوع والقهر في طرف آخر. التغول والتعسف والتمكن التنفيذي في طرف والمفعول به المسكين الذي يتلقى فقط في الطرف الآخر. حاميها وحراميها في قارب واحد وصاحب العلاقة المنهوب المحلوب في عين البركان ووجه الإعصار, ليس له إلا الله والصراخ واستجداء المكرمات التي ليست في غالبها إلا ورقة التوت التي وإن هي سترت العورة بالكاد, لا تدفئ من برد أو تمنع من حر أو تسد الرمق. إنها لا تعدو كونها كومة الحصى التي في مرجل العجوز تصبر بها جياعها زغب الحواصل.
" مخاتير العبدلي, وزعوا الخمسينات بحاتمية غريبة في معمعة الإنتخابات ومسرحية "شفافة ونزيهة" المعروفة للجميع, ومن دهنه سقيله طبعا, وصنعوا أزمة سكر وجميد لا يشبهها إلا أزمات السوق وقت الحروب والكوارث. وتذللوا حتى تمكنوا, ثم انقلبوا.
نعم, انقلب نوابنا أو معظمهم علينا أو على غالبيتنا, وبدلوا جلودهم, وأضحوا في يوم وليلة وبعد انفضاض السامر مباشرة راقصين على مزمار الحكومة, ومسبحين باسم السلطان. والله إنهم يذكرونني بشعراء البلاط أيام القيان والغلمان وحفلات المجون والعهر المنحط. لا بل شطوا في عدائهم للشعب وبالغوا بالاستخفاف به وبمصالحه دون أن يرف لهم رمش.
وأخذتهم العزة بالإثم بعد أن استفاقت بهم المواهب والفطرة والميل للبلطجة وروح الزعرنة, وتنادت من دواخلهم المقولة الذميمة المأثورة "إعرف مع مين بتحكي"
نوابنا يقولون للشعب, إعرف مع مين بتحكي. وبين كل مطلع شمس ومغربها يخرج علينا من بطن "عزيزية العبدلي" من يهين الشعب ويطيل اللسان عليه ويهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور, لا بل ويمنحون للحكومة الثقة بشرط أن تقمع الشعب وتكسر رقبته, أو طرده إلى خارج الحدود, وهي أضعف الإيمان.
هنيئا أيها الشعب الأردني الصابر, وطوبى لك هذا العز وهذه "النغنغنة" وعظم الله أجركم.
واسمع أيها الشعب وعي, لا تتظاهر, لا تسير المسيرات, لا تعتصم, لا تحتج, لا تتظلم, لا تصرخ, لا تتنفس, لا تأكل, لا تشرب, لا تتبلعط, لا تشتكي ولا حتى لله, لا تقل أنا موجود, لا تفكر, لا ترى, لا تسمع, لا تبعبع, لا تكن إنسانا, لا تتبطر على النعم وجم المكارم, لا تئن ولا تقل أخ, ولا ولا ولا.... وسبح بحمده إنه كان توابا.
هذا مقدس لا تقربوه, وهذا خط أحمر لا تتجاوزونه, وهذا محصن فلا تقذفونه, وهذه كبيرة وعلى جنوبكم ملك الحساب والعقاب فلا تثقلون لوحكم المحفوظ, وهذا واصل وهذا مدعوم وهذه أوامر "فوقية" فلا تحاولوا, وحتى بعد أن نفى صاحب العلاقة وجودها وعلاقته بها.
أيها الشعب الأردني البطل, يا أهل أيوب وعشيرته, أنظر إلى الصومال ومراتع الأسكيمو ومجاهل الهند وأدغال إفريقيا, ألست بأحسن حال من حالهم؟ أنظر إلى بحبوحتك وضنكهم, قارن بين ترفك وبطرك وماركات الموبايلات على جنوبكم وبين الجثث السيارة التي تسبح بحمد شيخ القبيلة وتحج لمهبط الوحي في مخادع المائة زوجة لصاحب النعمة, تتمسح بهن وتقدم لهن الولائم والقرابين, ولا توفر حتى بالتضحية بالعذراوات اليافعات والرضع, إذا كانت دمائهم تحفز النهر على الفيضان وطمر الدلتا.
صيدكم بالأمس كان وفيرا, وغنيمتكم للتو كانت دسمة مربربة, وسوف تكفيكم شهرا كاملا على الأقل, وشيخ العطارين وشيخ الطريقة وشيخ الرقية والسحر وتحضير الأرواح وشيخ الطب البديل والأعشاب وشيخ الكي وشيخ الحجامة ومص الدم الفاسد والشيخة جروة وبزعة وأم زعل وشيخ المشايخ كلهم, جميعهم بخير ويخدمونكم, فماذا تريدون؟
أنظر أيها الشعب البطران إلى مراتع البورش كاين والجمس وأساطيل الرنجات الحديثة وسيارات نوابكم المخلصين. أنظر إلى الرخاء والسعة في عمانهم. أنظر إلى الروضات الجامعية في الغربية وما حولها, وفي جمهورية محمد صقر الإقتصادية على شواطئ مالاديف العقبة, أنظر إلى جنات عدن في امبراطورية دبي كابيتال على شواطئ الميت الذي استحضروا روحه من جديد, أنظر إلى برج العرب في سلحوب والرميمين وساند هيرست في عجلون. ماذا تريد أيها الشعب وهذه بعض آلائهم عليك, ماذا تريد وهذا غيض من فيض بركاتهم بحقك ولك.
تريد إعفاء للمعالجة فهناك مكرمة, تريد مقعدا جامعيا فهناك مكرمة, تريد الأكل والشرب وكسوة الشتاء والصيف فهناك مكرمة, تريد معطفا وشنظة كتب فهناك مكرمة, تريد ديموقراطية وعدلا ومساواة فهناك عرسا وطنيا لهما ونزاهة وشفافية في كل المفاصل. تريد إصلاح النظام فأين النظام؟ تريد التظاهر والعبث بهدوء أردنهم فهناك الدوار الرابع والعبدلي والمرتزقة وسوف يرمونك على الجسر, وإن عجز أحدهم انبرى الثاني للمهمة ينجزها باقتدار.
هل نعيش قريبا "إسراطينا" قسريا غرب النهر قبل أن ينقرض شعبا أردنيا شرقه؟؟؟ وعجبي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات