الحكومة والمشاريع الصغيرة والعاطلين عن العمل بين الواقع والطموح.


الدكتور عارف الجبور *
يواجه الوطن تحديات كثيرة ومنها تحدي الفقر والبطالة وخاصة لدى شريحة كبيرة من الشباب ،وخاصة الشباب الجامعي في ظل تزايد عدد الخريجين سنويا ، ويقدر العدد بأكثر من 70 الف خريج جامعي ، وأيضا تخريج أعداد كبيرة من الثانوية العامة الباحثين عن العمل في سوق العمل الأردني المحدود بسبب نقص المهارات التي يمتلكها الشباب للحصول على الوظائف حيث يتطلب الدخول لسوق العمل مهارات كثيرة متنوعة ،منهاإجادة اللغة الانجليزية ، ومهارات حاسوبية ، وتواصل اجتماعي والعمل بروح الفريق ،ومهارات اخرى معقدة للدخول لسوق العمل الأردني ، وهي بحاجة إلى ان يمتلكها الشاب من خلال التأهيل والتدريب المستمر في مراكز مهنية متخصصة للحصول على النمو المهني والتطوير الذاتي .
ولاشك تعجز الكثير من الدول النامية والمتقدمة حاليا في توفير فرص العمل بسبب كثرة المتخرجين من الجامعات والكليات الجامعية والحاصلين على شهادة الدراسة الثانويةالعامة ، وهومايشكل تحدي اجتماعي واقتصادي لهذه الدول ،من اجل توفير فرص العمل ، ومكافحة الفقر والبطالة ،مما أدى هذه الدول إلى اللجوءإلى أفكار كثيرة للحد من ظاهرة الفقر والبطالةالتي تواجه الشباب ، وتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي لهم ، حيث لجأت هذه الدول إلى المشاريع الصغيرة وحث العاطلين عن العمل للتوجه لهذه المشاريع لإجاد فرص عمل لهم ،ولا شك هذه واحدة من الافكار التي سعت الكثير من الدول لها لمواجهة التحديات التي تواجه الشباب ، وخلق بيئة عمل آمنة لهم ،والتخفيف من حدة العنف والقلق والتوتر الاجتماعي والتظاهر والحركات الاحتجاجية ضد الحكومات وبالتالي تهديد السلم المجتمعي .
وتحتاج أي دولة، سواء كانت نامية أو متقدمة، إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتشارك في نمو اقتصادها عن طريق القطاع الخدمي والمساعدة في القطاع الصناعي أيضاً. وتظهر أهمية المشروعات أو الشركات الصغيرة والمتوسطة في أنها العصب الرئيسي لاقتصاد أية دولة سواء متقدمة أو نامية وذلك لتميزها بالآتي:تتميز بقدرتها العالية على توفير فرص العمل، تحتاج إلى رأس مال منخفض نسبيا لبدء النشاط فيها، تتميز بقدرتها على توظيف العمالة نصف الماهرة وغير الماهرة، تعطي فرصة للتدريب أثناء العمل لرفع القدرات والمهارات، تنخفض نسبة المخاطرة فيها بالمقارنة بالشركات الكبرى،تساهم في تحسين الإنتاجية وتوليد وزيادة الدخل. ولتوضيح هذه الأهمية نذكر وفقاً للإحصائيات في إحدى الدول العربية، أن90% من القطاع الخاص عبارة عن شركات صغيرة ومتوسطة (2,5 مليون شركة) تساهم بنسبة 25% على الأقل من الناتج الإجمالى المحلى وتوفر ما بين 75 إلى 85% من فرص العمل.والمشاريع الصغيرة تمثل فرصة رائعة للخروج من مصيدة الوظيفة، وتحقيق أرباح بأضعاف ما يمكن تحقيقه من خلال الوظيفة، وهي أيضاً فرصة رائعة للكثيرين لاتباع شغفهم والعمل في المجالات التي يحبونها، وبخصوص المشاريع الصغيرة، هو أنها بذرة يمكنها أن تنمو لتصبح مشروع عملاق، ليس كبيراً وحسب بل عابراً للقارات أيضاً (أليست السلسلة العملاقة لمطاعم كنتاكي الموجودة في كل مكان في العالم قد بدأت كمشروع صغير؟). وتصنف المشاريع والمنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى ثلاثة قطاعات، وهي الصناعة والتجارة والخدمات، وينقسم كل قطاع إلى ثلاث فئات، وهي متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة، وتتباين جميعها في عدد الموظفين والعوائد السنوية.

ومفهوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يختلف تعريف ومفهوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من دولة لأخرى وفقا لاختلاف إمكانياتها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية مثل طبيعة مكونات وعوامل الإنتاج، ونوعية الصناعات الحرفية التقليدية القائمة قبل الصناعة الحديثة، والكثافة السكانية، ومدى توفر القوى العاملة ودرجة تأهيلها، والمستوى العام للأجور والدخل، وغيرها من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تحدد ملامح وطبيعة الصناعات القائمة فيها، كما ويختلف التعريف وفقا للهدف منه، وهل هو للأغراض الإحصائية أم للأغراض التمويلية أو لأية أغراض أخرى.
ودرجت العديد من الدول المتقدمة والنامية على تبني تعريف منظمة العمل الدولية والتي تعرف المشاريع الصغيرة بأنها المشاريع التي يعمل بها أقل من 10 عمّال، والمشاريع المتوسطة التي يعمل بها ما بين 10 إلى 99 عاملا، وما يزيد عن 99 تعد مشاريع كبيرة.
ومميزات المشاريع الصغيرة والمتوسطة:تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تمثل جزءا كبيرا من قطاع الإنتاج في مختلف الدول سواء المتقدمة أو النامية، وتولي دولا عديدة اهتماما خاصا بها، فعلى سبيل المثال تعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة مفتاح التنمية في جمهورية الهند، وقد أولتها دعما متميزا حتى أطلق عليها بالابن المدلّل للحكومة، وتقدم المشاريع الصغيرة والمتوسطة العديد من المميزات التي يمكن تلخيصها بالآتي: سهولة تأسيسها نظرا لعدم حاجتها إلى رأس مال كبير أو تكنولوجيا متطورة، إضافة إلى قدرتها على الإنتاج والعمل في مجالات التنمية الصناعية والاقتصادية المختلفة،وتوفير فرص عمل وبكلفة استثمارية منخفضة وذلك لطبيعة الفن الإنتاجي المستخدم حيث أسلوب الإنتاج كثيف العمل خفيف رأس المال، فضلا عن تواضع مؤهلات العمالة المطلوبة مما يعزز دورها في امتصاص البطالة التي في الأغلب تتصف بتدني مستواها التعليمي والمهني وخاصة في البلدان النامية،ونشر القيم الصناعية الايجابية في المجتمع من خلال تنمية وتطوير المهارات لبعض الحرف والمهارات.واستغلال مدخرات المواطنين والاستفادة منها في الميادين الاستثمارية المختلفة، بدلا من تبذير هذه المدخرات في الاستهلاك. وتعظيم الاستفادة واستغلال المواد الأولية المتاحة محليا لإنتاج سلع تامة الصنع تساهم في تلبية احتياجات وأذواق المستهلكين، إضافة إلى قدرة هذه المشاريع على العمل في مجال إنتاج الصناعات الحرفية والسلع الغذائية والاستهلاكية الصغيرة والمتوسطة التي يتم الحصول عليها من الخارج، الأمر الذي يساعد في سد جانب من احتياجات السوق المحلي من هذه السلع مما يساهم في تخفيض العجز في ميزان المدفوعات، وتغطية الطلب المحلي على المنتجات التي يصعب إقامة صناعات كبيرة لإنتاجها لضيق نطاق السوق المحلية نتيجة لانخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي أو لمحدودية حجم التراكم الرأسمالي وخاصة في الدول النامية.
إن مواجهة التحديات التي تواجه العاطلين عن العمل من الشباب الأردني والتي تنتشر في المحافظات البعيدة ،والقرى التي تفتقر إلى التنمية الحقيقية والمستدامة والمشاريع الصغيرة والتي تمكن هولاء الشباب في المساهمة في التنمية المجتمعية والوطنية وبالتالي الحد من العنف المجتمعي ، ومظاهر القلق والإحباط ، والتوجه نحو التنظيمات الفكرية المتطرفة التي تعتبر هولاء الشباب صيدا سهلا لتمرير أجندات وأفكار وقيم غربية عن الوطن وهويته الوطنية ، وهنا نؤكد على الضرورة لفتح حوار مع الشباب ،حوار عقلاني موضوعي نتحدث معهم حول التحديات الاقتصادية التي تواجه الوطن ، وأيضا ضرورة تقديم حزمة من المشاريع الصغيرة وبتمويل من وزارة التخطيط أو البنوك أو لجنة المبادرات الملكية في الديوان الملكي الهاشمي ، أو دعم الجمعيات الخيرية ،أو البنوك الأردنية ، أو صندوق الزكاة لهولاء الشباب ، وهنا نشير إلى أن حراك هولاء هو حراك مطلبي ( الحصول على الوظيفة ) وليس حراك سياسي ، وبالتالي إن فتح حوار مع هولاء العاطلين عن العمل من قبل الحكومة أصبح ضرورة وطنية واجتماعية واقتصادية وأمنية.
•أكاديمية الأمير حسين للحماية المدنية/ لواء الموقر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات