إخواني المحاربين القدامى

من المعروف إن أي مجموعة من الناس ترتبط بمصلحة معينة ، تحتاج إلى إطار تنظيمي معين ، يمثلهم ويوحد جهودهم ويرعى حقوقهم . ولكي ينجح هذا التنظيم يجب أن يحظى بداية برضا منتسبيه ، حيث يختارون هيئته الإدارية بإسلوب ديمقراطي ، يعبر عن رغبتهم في تخويله ولاية شؤونهم العامة .

وعندما أحاول تطبيق هذه البديهية على حالة المحاربين القدامى ، تبرز في مخيلتي صورة جسم ضخم ولكنه يفتقر إلى رأس يحكم تصرفاته . وهذا الأمر يقودني إلى طرح سؤال محوري هو : من يمثل شريحة المحاربين القدامى ويقود هذا الجسم الضخم الذي يتجاوز تعداد أفراده 150 ألف شخص ، يشكلون مع عائلاتهم أكثر من نصف مليون إنسان من أبناء الوطن الأعزاء ؟ .

وفي محاولتي للإجابة على السؤال السابق تتوالد في ذهني أسئلة جديدة هي : هل وزير الدفاع ــ والذي يحرص رئيس الحكومة عادة على احتلال موقعه ــ حتى ولو كان لا يعرف من الأمور العسكرية سوى استعراض حرس الشرف ، تقود خطواته سجادة حمراء في مناسبات معينة . . يمثلهم ؟ أم هو رئيس هيئة الأركان المشغول دائما بأمور القوات المسلحة ، ولا يوجد لديه متسع من الوقت للتعامل مع قضايا هؤلاء . . يمثلهم ؟ أم هي ( المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى ) التي تربض على ربوة عالية في الطرف الجنوبي لمدينة عمان . . هي ممثلهم الحقيقي ؟ تلك المؤسسة التي تجاوز عمرها المديد أربعين عاما ولم تقدم لهم شيئا نافعا ، ولم تقف إلى جانبهم في أي قضية تهمهم ؟ أعتقد أن الإجابة على جميع الأسئلة السابقة هي بالنفي . . !

وسؤال جديد آخر يتبع سابقيه : ما هي المرجعية التي يمكن أن يلجأ إليها أولئك المحاربون القدامى في أي أمر يخصهم سواء كان ذلك بشكل فردى أو جماعي ؟ أكاد أجزم في إجابتي بأنه لا يوجد أية مرجعية رسمية يمكنهم اللجوء إليها عند الضرورة ، لتساعدهم في حل قضاياهم مع الجهات المختصة .

قبل بضعة أيام التقى جلالة الملك عبد الله الثاني في القيادة العامة ، وبترتيب من رئيس هيئة الأركان المشتركة ، ستين متقاعدا برتبة عقيد وعميد ولواء ولم يكن بينهم أي مشارك من الرتب الصغرى ضابطا كان أو فردا ، وهم الشريحة الأكثر احتياجا والأكثر رغبة بإسماع صوتهم إلى جلالة قائدهم الأعلى .

وعندما دققت في أسماء الزملاء المدعوين للاجتماع ــ مع احترامي لهم جميعا ــ وجدت أن أحدهم كان وزيرا لمرتين في حكومات سابقة ، وعضوا في أحد مجالس الأعيان السابقة ، ويتقاضى بالإضافة إلى ذلك رواتب شهرية من شركات متعددة . كما أن زميلا آخر سبق له أن كان نائبا في أحد مجالس النواب السابقة . وزميلا ثالثا كان محافظا في وزارة الداخلية .

وأما بقية أعضاء المجموعة فمن طبعهم كما عرفناهم التزام الحياد ، وليس لهم أي علاقة بقضايا المتقاعدين . وهم يفضلون الصمت وعدم المشاركة في نشاطات زملائهم ، منتظرين ما ينتجه الآخرون . ولكي أكون منصفا فإنني استثني بعض المشاركين في هذه المجموعة ، والذين كان لهم موقف إيجابي مناسب .

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل من يحملون تلك الصفات ، يشعرون بما يعانيه ذوي الرتب الصغيرة ، وتتوفر لديهم الدافعية في مصارحة صاحب الشأن ، بالاحتقان الذي يتفاعل في صدور المعوزين ، وخاصة من تقع رواتبهم التقاعدية تحت خط الفقر ؟ ألم يتعلموh من الدرس التونسي في إدراك أهمية مصارحة المسؤول ومكاشفته بالحقائق ؟ ألم يشاهدوا على شاشة التلفاز ذلك التونسي الكهل وهو يقف وسط الحرائق والدخان ويردد بصوت مرتفع : " هرمنا . . هرمنا . . من أجل هذه اللحظة التاريخية ؟؟

إن التغطية على مكامن الخلل وعدم مصارحة جلالة الملك بواقع الحال ، وإظهار حالة صغار المتقاعدين بصورة وردية خلافا لطبيعة الأمور ، ليست في مصلحة النظام ولا في مصلحة أبناء الوطن الذين ينتظرون الفرج ، لا سيما وأننا نلمس عواصف التغيير تهب من حولنا ، والتي قد تداهمنا فجأة دون إنذار . . إذا لم نستعد لها منذ الآن . . !

لقد كان اختيار تلك المجموعة انتقائيا يمثل أشخاصا بعينهم فقط ، ولو كان التمثيل لكافة شرائح المتقاعدين ، لاجتمع المدعوون بزملائهم من مختلف الرتب قبل لقائهم بجلالة الملك ، واستمعوا لطلباتهم ثم وحدوها في ورقة عمل مشتركة ، تساعد متخذ القرار على دراستها وتنفيذ محتوياتها بأولويات محددة ، تضمن عدم ضياعها وسط الزحام ، وتلاشيها مع مرور الزمن .

لا شك بأن مطالب المتقاعدين مبررة ومشروعة ، يتصدرها مطلب رئيسي هام يتمثل في : " تأمين حياة كريمة لهم ولأسرهم " في بلد أجزلوا العطاء له خلال خدماتهم السابقة . ومن أهم تلك المطالب ما يلي :
1. تحقيق العدالة والمساواة بين المتقاعدين القدامى والجدد ، من خلال إعادة هيكلة الرواتب التقاعدية لتشمل كافة الرتب من جندي وحتى فريق ، وتصحيح الاختلالات التي نتجت عن العبث بالقوانين والأنظمة التي تم تكريسها لمصلحة العاملين فقط لتنفعهم عند التقاعد ، دون شمول المتقاعدين السابقين بها .
2. الموافقة على تأسيس " نقابة للمحاربين القدامى " بحيث تشكل مرجعا رسميا لهم ، ترعى شؤونهم بعيدا عن مؤسسة المتقاعدين الحالية ، لكون الأخيرة دائرة رسمية ترتبط برئاسة الوزراء ، وتحكمها قوانين بيروقراطية تحد من حريتها في العمل .
3. التوظيف الصحيح لأصحاب المؤهلات العلمية والكفاءات المهنية في المواقع العليا بالدولة ، مع تكافؤ الفرص للجميع دون تحيز أو تمييز.
4. إقرار قانون " من أين لك هذا ؟ " الذي يقبع في أدراج مجلس النواب منذ سنوات طويلة ، على أن يتم تطبيقه بنزاهة وحزم وبأثر رجعي على كل من تحوم حوله شبهة فساد ، واسترداد أموال الشعب المنهوبة . ومن المؤكد أن هذا القانون سيشكل إحدى الروافع الأساسية في عملية الإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين ، الذين دمروا اقتصاد البلد وأساؤا إلى سمعته .
5. إقرار قانون انتخاب نيابي عصري يبتعد عن قانون الصوت الواحد ، لكي يفرز نواب وطن أكفاء ، يمارسون سلطاتهم التشريعية والرقابية بكل ثقة وأمانة ، ويحافظون على مصالح الوطن وكرامته .
6. العودة إلى دستور المملكة الأساسي لعام 1952 وتعديله بما يناسب الوقت الحاضر، إذا كان ذلك ضروريا .

أعزائي المحاربين القدامى

إن الحاجة ماسّة لإيجاد ( نقابة للمحاربين القدامى ) تتمتع بشخصية مستقلة تجمع شملكم وتشكل مرجعية رسمية لكم ، تقررون أنتم هيئتها الإدارية التي تقودها نحو الهدف المقصود . وهذا يشكل الأسلوب الأمثل لحفظ كرامتكم وتحقيق أمانيكم المنشودة ، وتمكينكم في النهاية من المساهمة في بناء الوطن النموذج الذي تصبون إليه ، تحت ظل القيادة الهاشمية المظفرة .