كشف حساب شهري


لقد شهدنا إكتمال هلال شهر مضان قبل بضعة أيام، وما بعد الإكتمال إلا التناقص، فلقد بدأ الهلال بالضمور وهو مؤذن بالإختفاء في القريب العاجل معلناً قرب إنتهاء الشهر الفضيل، وفي الأسبوع القدم سيتولد من جديد في السماء ليعلن للجميع بداية شهر شوال وعيد الفطر السعيد.
مع نهاية الشهر الفضيل؛ تعالوا بنا لنراجع أعمالنا خلال هذا الشهر، وهل من إختلافات قد حصلت في حياتنا، أو تعديلات تم إدخالها على روتيننا:
ستلاحظ أنه خلال هذا الشهر قد صمت لمدة ثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً، وهو إنجاز كبير لا يدركه الكثير خلال العام كاملاً، قد يصوم البعض يوم عرفة أو عاشوراء، أو الأيام البيض من كل شهر، والقلة من الناس يداومون على صيام الإثنين والخميس طيلة العام.
خلال هذا الشهر حافظت على الصلاة كعادتك إن كنت من المصلين، بل وحرصت عليها إن لم تكن منهم، والكثير منا حرص على تأديتها جماعة في المساجد، ولخمس صلوات في اليوم طوال الشهر ستكون قد أديت حوالي 150 صلاة من الفروض. وفي المقابل إذا كنت حريصاً على آداء النوافل أيضاً، وقمنا بحسابها فستكون قد أديت 330 ركعة من النوافل الراتبة، وفي المتوسط 120 ركعة من صلاة الضحى، و240 ركعة من التراويح وقيام الليل، و90 ركعة من الشفع والوتر.
اما إذا تحدثنا عن ذكر الله، فستجد أن الذكر كان له نصيب كبير من كلامك، وأنك قد إستبدلت اللهو والغيبة والنميمة وما لا يتفع من القول بذكر الله.
والقرآن الكريم أيضاً كان له نصيب من يومك وليلتك، وكنت حريصاً على ختمه لمرة واحدة على الأقل، والبعض حرص على إتمام ذلك أكثر من مرة، وإستبدلت الأغاني في بيتك أو سيارتك بآيات من الذكر الحكيم، بينما كنت تهجره في باقي أيام العام إلا من رحم الله.
أما الصدقات، فلقد حاولت ما إستطعت الى أن يكون لها نصيب من مصروفاتك خلال الشهر، بل إن البعض قد تعود على إخراج الزكاة خلال هذا الشهر الفضيل، إبتغاء الأجر المضاعف من الله عز وجل.
البعض قد يذهب لأبعد من ذلك، فمن الناس من يذهب الى الديار المقدسة لآداء العمرة، وأداء الصلوات في الحرمين المكي والمدني بقصد مضاعفة الأجر والثواب.
هل تذكر عدد المرات التي كظمت بها غيظك في البيت او العمل، أو حتى في الأسواق أو وأنت تقود سيارتك خلال هذا الشهر، وإستبدلت كلمات الشتم والإهانة بجملة "اللهم إني صائم"؟، وهل تذكر عدد المرات التي تجاوزت فيها عن تقصير لزوجتك، أو إختلاف في طعم الطعام بسبب الصيام؟
ربما ستلاحظ أن هنالك الكثير من الفروقات التي حلت ببرنامجك خلال هذا الشهر، بل إن له بركة خاصة تحل على أموالنا وطعامنا وأخلاقنا وعباداتنا كذلك.
الآن إسمحوا لي بطرح مجموعة من الأسئلة: لماذا لا نجعل من كل العام رمضان، لماذا لا نحافظ على الصلاة كما حافظنا عليها خلال رمضان؟ ولماذا لا نحافظ على زيارة المساجد في جميع الأيام، وعدم إقتصارها على يوم الجمعة فقط؟
لماذا لا نمارس الصيام من فترة الى أخرى، كصيام الأيام البيض من كل شهر، أو يوم واحد في الأسبوع على الأقل، أو نستغل مواسم الخير والبركة كعشرة ذي الحجة مثلاً؟
لماذا لا نضبط أخلاقنا خلال العام لتكون "أخلاق رمضانية"؟ وألا نعتبر الصيام سبباً في العصبية وضيق الخلق كما يعتبر البعض؟ لماذا لا نراعي ظروف الآخرين خلال العام كما نراعيها خلال هذا الشهر الكريم.
لماذا لا نحافظ على الصدقة طوال العام كما نحافظ عليها خلال رمضان؟ حتى لو كان مبلغاً بسيطاً من المال، فقليل دائم خير من كثير منقطع.

خلاصة القول:
رمضان هو شهر واحد خلال العام فقط، ولكن يمكن إعتباره محطة هامة لمراجعة عبادتنا وأخلاقنا، بل من الممكن أن نعتبره مدرسة نتعلم منها ضبط الأخلاق والأعصاب خلال بقية العام، وهو كذلك فرصة لترويض النفس على الإلتزام بعادات مفيدة لديننا ودنيانا كالصلاة والصيام والذكر والصدقة، ويجب أن نتذكر دائما فائدة رمضان التي لخصها الرسول الكريم بقوله: "الصيام جُنّة".
إن أكبر ما نستفيده من هذا الشهر هو أن نتعلم أن نقوم بعمل كشف حساب شهري لأعمالنا خلال بقية الشهور، ونحرص على أعمالنا تماماً كما نحرص على حساباتنا في البنوك.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات