رَمَضَانُنَا بِدُونِ كِمَامَةٍ


فِي يَوْمٍ مَا وَ بِدُونِ سَابِقِ إِنْذَارٍ ، كَأَنَّ الْعَالِمَ بِأَسْرِهِ أَخَذَهُ هَذَا الْفَيْرُوسُ الْفَتَّاكُ " كَوُرُونَا " وَ وَضْعَهُ فِي قَاعِ الزُّجَاجَةِ وَأَحْكَمَ عَلَيْهِ الْإِغْلَاقُ.. بَعْدَ ظُهُورِ فَيْرُوسِ كُورُونَّا إِلَى بِلَادِ الْعَالَمِ وَ الَّذِي مَا زَالَ يَأْخُذُ مَعَهُ مَلَايِينَ مِنْ أَرْوَاحِ الْأَبْرِيَاءِ ، وَمَا زَالَتْ الْبِلَادُ تَبْحَثُ عَنْ عِلَاجٍ فَعَّالٍ وَ قَوِيٍّ لَهُ يَقْضِي عَلَى هَذَا الْفَيْرُوسِ الْفَتَاكِ الَّذِي اجْتَاحَ الْبِلَادَ دُونَ اسْتِئْذَانٍ ، وَ الَّذِي فَرَضَ إِجْرَاءَاتٍ وَ قَوَانِينَ صَارِمَةً جَعَلَتْ الْبِلَادَ تَعِيشُ فِي رُعْبٍ، وَفَى عَالَمٍ جَدِيدٍ غَيْرِ الْعَالَمِ الَّذِي كُنَّا نَعْرِفُهُ وَ نَعِيشُ بِهِ طَوَالَ حَيَاتِنَا.

جَاءَ هَذَا الْفَيْرُوسُ وَ قَامَ بِإِلْغَاءِ الْكَثِيرِ مِنْ الطُّقُوسِ وَ الْعَادَاتِ وَ الْمَرَاسِمِ الَّتِى نَقُومُ بِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَ الَّتِي تُعْتَبَرُ مِنْ أَسَاسِيَّاتِ حَيَاتِنَا، وَأَبْرَزُهَا التَّجَمُّعَاتُ الْعَائِلِيَّةُ وَ بَيْنَ الْأَصْدِقَاءِ، وَ يُعْتَبَرُ شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ اللَّمَّةِ وَالْعَائِلَةِ فَيُجْمَعُ جَمِيعُ الْمُتَحَابِّينَ وَ الْأَصْدِقَاءِ وَ الْعَائِلَاتِ مَعَ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ .

إِنَّ "رَمَضَانَ لِمُدَّةِ عَامَيْنِ يُهِلُّ عَلَيْنَا وَقَدْ حَاصَرْنَا الْوَبَاءَ، وَ جَعَلْنَا نَلْتَزِمُ مَنَازِلَنَا، قَدْ أَتَى رَمَضَانُ هَذَيْنِ الْعَامَيْنِ حَزِينًا، حَيْثُ مَنَازِلُنَا خَالِيَةً مِنْ"اللَّمَّةِ" وَالتَّجَمُّعَاتِ، وَ مَوَائِدِ سُحُورِنَا لَا تَعْرِفُ الزِّحَامَ، لِنَبْكِيَ عَلَى أَيَّامٍ مَرَّتْ، كُنَّا نَنْتَظِرُ فِيهَا رَمَضَانَ حَتَّى يُجْمَعَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدَ.
وَ نُحْيِي كُلَّ أَجْوَاء وَ طُقُوسُ رَمَضَانَ فِي الْبَيْتِ. وَفِي مُقَدِّمَةِ هَذِهِ الطُّقُوسِ، فَاكِهَةُ رَمَضَانَ الرُّوحِيَّةُ: صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ. وَنُقِيمُ إِفْطَارَاتٍ جَمَاعِيَّةً عَنْ بُعْدٍ، كُلٌّ فِي بَيْتِهِ، لَكِنْ بِفَضْلِ التِّكْنُولُوجْيَا كُنّا مَعًا. أَمَّا فِي الْفَضَاءِ الْعَامِّ، فَبَدَلًا مِنْ اقْتِسَامِ فَرْحَةٍ وَ دِفْءِ أَجْوَاءِ رَمَضَانَ، تُبَاعِدْنَا مُرَاعَاةً لِمَسَافَةِ الْأَمَانِ.

وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْنَا بِمَا يُسَمَّى بِيَوْمِ الْحَظْرِ الشَّامِلِ، إِذْ تَقِفُ الْمَبَانِي حَزِينَةً يَسْكُنُهَا الْفَرَاغُ، فِيمَا يَلْتَزِمُ النَّاسُ بِالْوُقُوفِ فِي طَوَابِيرَ مُتَبَاعِدَةٍ لِابْتِيَاعِ حَاجِيَّاتِهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَظْرِ الْجُزْئِيِّ، قَبْلَ الْعَوْدَةِ لِبُيُوتِهِمْ قَبْلَ أَزْمَةِ السَّيَرِ الْيَوْمِيَّةِ الَّتِي صَارَتْ مُعْتَادَةً فِي شَوَارِعِ الْعَاصِمَةِ عِنْدَ اقْتِرَابِ مَوْعِدِ حَظْرِ التَّجَوُّلِ.

وَ لِلْمَرّةِ الْأُولَى فِي التَّارِيخِ الْحَدِيثِ ، تَخْلُو سَاحَةُ الْحَرَمِ الْمَكّيِّ فِي السُّعُودِيَّةِ بِالْكَامِلِ مِنْ الْمُصَلّينَ، تُعَلّقُ الْعُمْرَةِ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمّى، وَتَطْلُبُ السُّعُودِيَّةُ مِنْ الرَّاغِبِينَ بِالْحَجِّ تَأْجِيلَ حُجُوزَاتِهِمْ لِمَوْسِمِ الْحَجِّ الْمُقْبِلِ فِي الْوَقْتِ الرَّاهِنِ.

وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ أَتَذَكَّرُ وَ أَتَحَسَّرُ عَلَى رَمَضَانَ وَ طُقُوسُهُ الْجَمِيلَةِ حَتَّى شَعَرْتُ أَنَّنِي اخْتَنَقَ وَ بَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ وَ الْحَمْدَ اللَّهَ أَنَّهُ " كَانَ حُلْمٌ بَلْ كَانَ كَابُوسٌ وَ تَخَلَّصْنَا مِنْهُ ".

سَارَعْتُ إِلَى التِّلْفَازِ وَ قُمْتُ بِاشْعَالِهِ ،
فَوَجَدْتُ فَيْصَلَ الشَّبُّولِ، وَزِيرَ الدَّوْلَةِ لِشُؤُونِ الْإِعْلَامِ الْمُتَحَدِّثِ بِاسْمِ الْحُكُومَةِ الْأُرْدُنِّيَّةِ، يَتَحَدَّثُ عَنْ التَّحْضِيرِ لِمَوْسِمٍ رَمَضَانِيٍّ حَافِلٍ بِالْأَنْشِطَةِ وَ الطُّقُوسِ الِاحْتِفَالِيَّةِ وَ الْعِبَادَاتِ بِأَخَفِّ الْقُيُودِ، وَ قَالَ: "سَنَسْمَحُ بِإِقَامَةِ الْخِيَمِ الرَّمَضَانِيَّةِ وَمَوَائِدِ الرَّحْمَنِ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى مُنْذُ عَامَيْنِ، وَ نُعِيدُ النَّظَرَ بِالتَّبَاعُدِ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، كَمَا نَدْرُسُ أَيْضًا إِلْغَاءَ ارْتِدَاءِ الْكَمَّامَاتِ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَفْتُوحَةِ، وَ سَنُقِيمُ أَنْشِطَةً رِيَاضِيَّةً وَ تَرْفِيهِيَّةً فِي الْأَمَاكِنِ السِّيَاحِيَّةِ وَ احْتِفَالَاتٍ وَ إِقَامَةِ شَعَائِرَ وَ عِبَادَاتِ الشَّهْرِ الْفَضِيلِ بِقُيُودٍ مَحْدُودَةٍ".

وَ كَشِفَ عَنْ إِطْلَاقِ حَمْلَةِ رَمَضَانِيَّاتٍ، لِإِقَامَةِ فَعَالِيَّاتٍ رِيَاضِيَّةٍ وَ ثَقَافِيَّةٍ وَ سِيَاحِيَّةٍ وَ اجْتِمَاعِيَّةٍ خِلَالَ الشَّهْرِ بِجَمِيعِ الْمُحَافَظَاتِ.

وَ أَضَافَ أَنَّ الْحَمْلَةَ تَهْدِفُ لِإِعَادَةِ إِحْيَاءِ الطُّقُوسِ الرَّمَضَانِيَّةِ الْمُعْتَادَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَ بَثِّ الرُّوحِ الْإِيجَابِيَّةِ، وَ أَجْوَاءِ السَّمَرِ وَالتَّسْلِيَةِ، بَعْدَ غِيَابِهَا لِعَامَيْنِ بِسَبَبِ الْإِجْرَاءَاتِ التَّقْيِيدِيَّةِ الَّتِي فَرَضَتْهَا جَائِحَةُ كُورُونَا.

وَ أَعْلَنَتْ السُّعُودِيَّةُ عَوْدَةَ الِاعْتِكَافِ لِلْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فِي رَمَضَانَ، عَقِبَ تَخْفِيفِ إِجْرَاءَاتِ مُوَاجَهَةِ كُورُونَّا بَعْدَ مَنْعِ عَامَيْنِ فِي 9 مَارِسَ 2020 وَ 6 إِبْرِيلَ 2021. وَ لِلسَّبَبِ ذَاتِهِ، عَادَتْ مَشَارِيعُ إِفْطَارِ الصَّائِمِينَ فِي الْمَمْلَكَةِ.
وَ بَيْنَمَا أَنَا اسْتَمَعَ بِكُلِّ فَرَحٍ لِهَذِهِ الْإِجْرَاءَاتِ وَأَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ ، إِذْ أَسْمَعُ أَصْوَاتَ النَّاسِ فِي الشَّوَارِعِ يُنَادُونَ عَلَى بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِمْ مِنْ نَافِذَتِي ، كَانُوا يَقُومُونَ بِتَعْلِيقِ الزِّينَةِ وَهُمْ إِلَى جَانِبِ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ وَ أَصْوَاتُهِمْ تَمْلَأُهَا الْفَرَحُ وَ السُّرُورُ بِقُدُومِ شَهْرِ الْخَيْرِ كَمَا اعْتَدْنَا عَلَيْهَا مُنْذُ قَدِيمِ الزَّمَنِ .

ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ جَارِي و قَالَ لِي " كُلُّ سِنِّهِ وَأَنْتَ سَالِمٌ ، مَا بَدَكَ تَرُوحُ مَعَنَا عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ ؟! أَأَزَالُوا التَّبَاعُدَ".

أَوْمَأْتُ بِرَأْسِي عَلَى عَلَامَةِ الْقَبُولِ وَذَهَبْتُ عَلَى الْفَوْرِ " أَتَوَضَّأُ وَأُجَهِّزُ نَفْسِي لِلصَّلَاةِ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي :- نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْفَعَ الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ عَنْ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَ الْعَالَمُ أَجْمَعُ، كَمَا نَحْمَدُهُ تَعَالَى عَلَى بُلُوغِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِأَجْوَائِهِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَنَحْنُ فِي مَسَاجِدِنَا بِصُفُوفٍ مُتَرَاصَّةٍ وَعَوْدَةِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَ الْقِيَامِ كَمَا كَانَتْ، وَ عَوْدَةُ الدُّرُوسِ وَ الْمُحَاضَرَاتِ وَ الْأَسَابِيعِ الثَّقَافِيَّةِ وَ الْمَجَالِسِ الْفِقْهِيَّةِ وَ حَلَقَاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ، وَ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ وَ وَلَائِمِ الْإِفْطَارِ".

وَ كَأَنَّ مَسَاءَ الْيَوْمِ مُخْتَلَفٌ عَنْهُ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ، وَ كَأَنَّ نَفَحَاتِ الشَّهْرِ الْفَضِيلِ تَقْتَرِبُ أَكْثَرَ وَ تَتَسَلَّلُ إِلَى أَرْوَاحِنَا لِتَهَبَهَا طُمَأْنِينَةً وَ سَكِينَةً وَحُبًا يُنِيرُهَا، وَ كَأَنَّنَا الْيَوْمَ فِي رِحَابِ اللَّهِ مُجْتَمِعِينَ عَلَى طَاعَتِهِ عَازِمِينَ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ رَاضِينَ بِمَا قَسَمَهُ لَنَا مُبْتَغِينَ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً، وَ كَأَنَّنَا لَا نُطِيقُ الِانْتِظَارَ أَكْثَرَ، فَيَا أَيّهَا الشَّهْرُ الْكَرِيمُ أَقْبَلُ، يَا أَيّهَا الضَّيْفُ الْعَزِيزُ أَقْبَلْ، أَقْبِلْ عَلَيْنَا وَ أَرَحْنَا بِرَحِمَاتِكَ وَ نَسَمَاتِكَ الزَّكِيَّةَ الْعَطِرَةِ.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات