لماذا تخشى إسرائيل استهداف ميناء حيفا ؟


مدينة حيفا تقع على بعد اربعين كلم جنوب الحدود اللبنانية ويبلغ عدد سكانها 275 ألف نسمة وهي أكبر مدينة صناعية في اسرائيل إضافة الى انها مقر الصناعات البتروكيميائية ويعتبر مينائها من اهم موانئ فلسطين المحتلة منذ القدم وهو اليوم أكبر موانئ كيان الاحتلال الثلاث الرئيسية بعد مينائي اسدود وإيلات حيث تبلغ مساحته 700.000 متر مربع ويعتبر مرسى طبيعي ذو مياه عميقة يخدم سفن الركاب والتجارية والحربية ويقع الميناء في الجزء الشمالي من وسط مدينة حيفا المحتلة على البحر المتوسط ويمتد إلى نحو 3 كيلومترات على طول الشاطئ وسط المدينة وهو الميناء الوحيد في دولة الاحتلال الذي يشتغل على مدار الساعة وطيلة أيام الاسبوع ويصل عدد العاملين فيه إلى 5000 عامل

رغم الهدوء النسبي الذي تشهده الجبهة الشمالية لإسرائيل منذ عدوان تموز عام 2006 ما زال حزب الله اللبناني في جاهزيته وتربصه الحذر يؤرق مضاجع القادة وصناع القرار على المستويين الامني والسياسي في تل ابيب خاصة بعد توالي الدراسات الاستراتيجية والمعلومات الاستخبارية حول تعاظم ترسانة و قوة الحزب الأمر الذي دفع وزير الأمن السابِق أفيغدور ليبرمان إلى القول علنا إن حزب الله بات شبه جيشٍ وأن العديد من دول حلف شمال الأطلسي لا تملك الأسلحة من الناحية النوعية والكمية التي يملكها الحزب الذي تعتبره تل أبيب العدو رقم واحد

حزب الله يمثل الخطر والتهديد الاستراتيجي الثاني بعد ايران على اسرائيل ولهذا ومنذ عام 2019 شكلت بناء على توجيهات افيف كوفاخي رئيس اركان الجيش الاسرائيلي وحدة سرية تسمى ( رفاديم ) تحت الرقم 888 جندت فيها عدد من الضباط والجنود المتفوقين واصحاب الخبرات العملية في القتال والتوغل البري ومن الذين خدموا في وحدات نخبوية أخرى متخصصة

وقد تم اسنادهم بالقدرات الاستخبارية العالية ودعم سلاح الجو المتواصل اضافة الى الطائرات المسيرة من أنواعٍ مختلفةٍ وقدرات الاتصال السرية ومنظومات متطورة للسيطرة والتحكم وغيرها وهذه الوحدة ستتولّى في أي حرب قادمة تنفيذ مهمات معقدة من أجل تحديد وكشف مقاتلي النخبة في حزب الله في داخل وعمق الأراضي اللبنانية واستهدافهم في محاولة يائسة لكسر ظهر حزب الله في أي حرب مقبلة

لكن في الواقع ان الامور خرجت تماما عن سيطرة الاحتلال وقد أخفق تماما بكل جيشه ومعداته المتطورة وأجهزته المخابراتية والامنية في المواجهة وشن الحرب متى يشاء الى مرحلة سعيه الى وقف اطلاق النار مرغما والاحتفاظ بما اسماه قدرة الردع ومن ثم بدأ يخسر رويدا رويدا هذه القدرة بعدما أرسى حزب الله معادلة وقواعد جديدة للرد بالمثل لتذهب بذلك سياسة الاغتيالات الاسرائيلية أدراج الرياح واليوم أصبح الاحتلال محاصرا في خانة ان اي حرب شاملة مقبلة ستكون بداية انهياره وما تهديداته ووحداته السرية التي يعلن عنها الا اشبه بزفرات قطة حاصرها ملك الموت في الزاوية الحتمية

ما تخشاه إسرائيل ويثير ذعرها في أي حرب ثالثة مع حزب الله هو إمكانيته إطلاق مئات الطائرات المسيرة والألف من الصواريخ اليومية الموجهة والدقيقة على الجبهة الداخلية ضمن ضربة واسعةً لا تستهدف الواجهة الأمامية بشكلٍ خاص بل تصل إلى عمق إسرائيل بهدف خلق التأثير السلبي على الوعي العام الاسرائيلي على الرغم من محاولات تل أبيب الحثيثة لإخفائها عن الجمهور في جميع مدن شمال إسرائيل حتى مدينة الخضيرة أبعد منطقة يمكن ان تصلها صواريخ المقاومة

يوجد في الجانب الشرقي لميناء حيفا ( قاعدة بولونيوم ) للأسلحة البحرية وتحتوي على صواريخ برؤوس نووية وهي القاعدة التي تعتبر مقر للغواصات الحربية وخاصة الدولفين المعدة لحمل صواريخ ذات رؤوس نووي ويضم مخطط القاعدة بناء مقر ضخم يتم من خلاله ادخال الأسلحة والمعدات العسكرية الجديدة بما في ذلك الأسلحة النووية والكيميائية الخطيرة
ويحتوي ميناء حيفا أيضا على حوض لصناعة السفن الحربية التابعة لسلاح البحرية في الجيش الإسرائيلي حيث يتم التعديل على هذه السفن ويتم تجهيزها بالأنظمة القتالية والتقنية واللوجستية بما يتكيف مع مهام سلاح البحرية الإسرائيلي المطلوبة

العديد من المدراء التنفيذيين السابقين والمختصين والباحثين الإسرائيليين حذرو مرارا من مغبة توسعة معامل تكرير البترول بمنطقة خليج حيفا واعتبروها تشكل تهديد كارثي فيما لو استهدفتها صواريخ حزب الله خاصة بعد قيام الحكومة بنقل خزانات الوقود إلى المساحات المفتوحة المتاخمة للمصافي مما سيزيد بشكل كبير من مساحة المواد الخطرة وسيتحول المكان إلى منطقة لا يمكن الدفاع عنها بشكل كامل خاصة وان وقوع الضرر أمر لا مفر منه رغم وجود المنظومات الدفاعية وستكون هنالك كارثية لم يسبق لها مثيل

في مجال الاستشهاد بهذا الشأن قال الخبراء الاسرائيليون انه في تشرين الأول 1967 حينما قصف الجيش الإسرائيلي مصافي النفط في مدينة السويس أدى ذلك إلى فرار عشرات الآلاف من السكان وإغلاق سوق الطاقة المصري تماماً وفي ذات السياق فإن اي استهداف من قبل حزب الله لمدينة حيفا من المحتمل حدوث نفس السيناريو وربما بشكل مختلف في اسرائيل ولنتذكر ان 400 صاروخ فقط كانت قد دمرت البنية التحتية لمجمعات مصانع ومستودعات البتروكيماويات بأكملها في مدينة السويس فماذا نقول عن الألاف منها ذات الفاعلية والدقيقة

قبل فترة وجيزة اجتمع كل من نائب رئيس قسم البحث والتطوير السابق في شركة رفائيل ونائب مدير قسم الصواريخ ورئيس مشروع باراك ومسؤول نظام الدفاع الصاروخي في نقطة تطل على مصافي ومعامل تكرير البترول في خليج حيفا وأجمعوا بحزم على أن إسرائيل ستواجه في الحرب المقبلة تحديات وتهديدات جديدة غير معهودة ولم تعرفها في السابق وكل صاروخ يطلقه حزب الله سيتسبب في حدوث اضرر بالغة جدا وضربة واحدة ستشعل المنطقة بأكملها والمخاطر لن تكون من الأرض فقط بل من الجو والفضاء حتى لو تم نصب العديد من المنظومات الدفاعية وبطاريات القبة الحديدية حول معامل التكرير وحاويات نترات الأمونيا ومخازن المواد الخطيرة والسامة فإنها لن توفر الحماية التامة لها وسيتم استهدافها بالصواريخ والطائرات المسيرة

اثناء حرب تموز الفائتة لم يكن حزب الله يملك إمكانية تحديد الأماكن جغرافيا بالضبط واليوم منظومة تحديد الأماكن باتت بحوزتهم وهم يعرفون بالضبط أين تقع معامل ومصافي التكرير وكيف سيتم استهدافها وضربها بقسوة ودقة

ارواح مئات الألاف من الإسرائيليين في حيفا والمستعمرات المحيطة بها ستقع تحت تهديد ملموس وفوري بسبب نحو 12 ألف طن من غاز الأمونيا السام والمميت والمعرض للانتشار والانفجار في أي لحظة بسبب اي قصف صاروخي او مسيرات لحزب الله وقد يصل عدد القتلى الى نحو 17 ألف قتيل بالإضافة إلى 77 ألف إصابة أخرى عدى عن تكلفة الخسائر الصحية لمثل هذه الكارثة الكيميائية التي قد تصل إلى 30 مليار شيكل يضاف إلى ذلك الأضرار الواقعة على الممتلكات الخاصة والبنية التحتية والتي تقدر بعشرات المليارات ايضا

يبلغ ارتفاع خزان الأمونيا الإسمنتي المستدير نحو ثلاثين متر ومساحة سطحه حوالي دونم واحد بينما يقل سمك السطح عن ثلاثة سنتمترات ويمتلئ الخزان الذي أقيم قبل 25 سنة ويمتلئ بـ 12000 طنٍ من الغاز وبذلك يعد قنبلة كيميائية موقوتة وهو ليس الوحيدة في خليج حيفا بل توجد منشآت أخرى تحوي كميات كبيرة من المواد السامة لا زالت غير حصينة وبدون تدريع كاف
وبحسب المواصفات العالمية يفترض أن يعمل مثل هذا الخزان لمدة عشرين عام فقط ثم يصار إلى تدميره واتلافة

أثناء حرب 2006، انهالت آلاف الصواريخ على شمال فلسطين ومنها عشرات الصواريخ في منطقة حيفا والمستعمرات المحيطة بها وسقط بعضها في المحيط القريب جدا من البرميل القابل للانفجار والمصانع الحساسة الكائنة في حيفا ومينائها الذي يتركز فيه عدد كبير من المصانع التي تستخدم المواد الكيميائية الخطرة بمحاذاة السكان القاطنين في جوارها

المقاومة اليوم تملك الإحداثيات الدقيقة للعديد من الأهداف الكيميائية والكهربائية الإسرائيلية والاستراتيجية التي بإمكان صواريخ المقاومة استهدافها ومن بين أهداف أخرى يتضمن بنك أهداف المقاومة صهريج الأمونيا وحاويات غاز الإثيلين والهيدروجين في حيفا فضلا عن محطة توليد الكهرباء في الخضيرة إضافة الى عدد من الموانئ البحرية والأهداف الاقتصادية القريبة من الشواطئ وبحوزة حزب الله أسلحة عاملة يغطي مداها جميع المدن البلدات الموانئ والمطارات ومحطات التحلية وتوليد الطاقة والمستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية والتجمعات السكنية وغيرها

يذكر ان المقاومة الفلسطينية قصفت هي ايضا مدينة حيفا المحتلة التي تبعد عن غزة أكثر من 140 كيلومتر خلال العدوان علي غزة عام 2014 وخلال معركة سيف القدس الاخيرة عام 2021 لكن خشية اسرائيل اليوم تزداد أكثر نظرا للتطور الكبير في الترسانة الصاروخية للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وإمكانيتها من استهداف مناطق هامة وحساسة في عمق كيان الاحتلال وفي مقدمتها ميناء حيفا الاستراتيجي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات