الاستقطاب السياسي


بين دولة العشيرة وعشيرة الدولة
ودولة النظام ونظام الدولة !!!

اجمع علماء السياسة على إن الدولة هي نواة البنيان الاجتماعي بدءاً من نظريات الفكر اليوناني وفلسفته إلى الفكر الإسلامي وأخيرا الفكر السياسي الحديث ، وانه لا يتم البناء الأخلاقي إلا في ظل دولة لذا استمدت نفوذها وسيادتها على جميع التجمعات ومنها العشيرة .

من المفترض أن تكون الدولة أم الجميع و مسؤولة عن توزيع الصلاحيات والأدوار بدلاً من الاستقطاب الذي تلجأ إليه في حالة التأزم الذي تمر به عندما تتصادم مع الجماعات السياسية والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة وأطياف الشعب المختلفة فتلجأ إلى استقطاب القبائل والعشائر والطوائف وتكون الدولة بذلك هي المسؤولة عن تفكيك المجتمع وتأزمه .

وفي مجال استقطاب الأنظمة للعشائر وتحيدها نجد أن أنظمة كثيرة تفخر بانتسابها للعشيرة وسميت دولا معينه باسمها ،إما بانحدار شريفي أو مصاهرة ونسب و الرغبة بالبحث المستمر عن الأصل معطين اهتمام كبير على الرهانات الاجتماعية والسياسية لتضفي مصداقية تاريخية يديرها ببراعة المتحكمين في صنع القرار السياسي والآلاف من رؤساء العشائر وأصحاب الطرق الدينية والمشايخ من شيعة وسنة يشكل عنصر دعم ونبل وإسناد لموقعهم الاجتماعي ، وتعدى ذلك الأمر إلى فكرة الشرعية التي ساهمت عند الشيعة إلى صراعات مذهبية وسياسية ينفيها الإسلام بخطابه الإنساني الذي تجاوز التأطيرات القبلية والعشائرية والقومية المحلية ،لذا يلجأ النظام إلى الاستقطاب الناعم لاحتواء الرموز القبلية وشيوخ العشائر ورؤساء الطوائف مقابل العطايا والمزايا والمنح والمناصب مقابل الارتهان الكلي للنظام وهنا ينطبق مدلول ((الجزرة)) وعلى الجانب الآخر يسعى النظام للإقصاء والتهميش للمعارضة ولمن يشك في ولائه فيلجأ للبطش والقمع المفرط والمبرمج وينطبق مدلول ((العصا )) وتكتمل حلقات الاستقطاب ((بالعصا والجزرة )) حيث يمارس النظام سياسة الاستقطاب الناعم يرافقه إقصاء وتهميش واستئصال للمعارضين في كل اتجاه وتتربص بالخصوم السياسيين ، وكذلك يعمد النظام إلى خلق قطب ثالث يبدو انه معارضا بينما هو في الحقيقة حليف يضفي مزيداً من الشرعية والمصداقية ليوهم الرأي العام عن حقيقة ولائها وأنها تمسك (( العصا من المنتصف)) فيما تكافئ بمزيد من المزايا والمنح من النظام .
وتعد طبقة الموظفين الكبار الذين يديرون الدولة ويوجهونها هي التي تعمل على بقاء واستمرار نظام الحكم بما يخدم مصالحهم فيها وتسمى هذه الطبقة بالطبقة البيروقراطية أو ما يسمى" عشيرة الدولة" ليقتصر دورها على حماية مصالح الطبقة الحاكمة ، ويتمسك البيروقراطي بنمط وسلوك من التدابير وهو التقيد الحرفي بالقانون واللوائح والتعليمات الإدارية الجامدة والتي ينتج عنها ما يسمى" بالروتين القاتل" فلا مجال للإبداع والاجتهاد وروح المبادرة وتبرز ظاهرة (التنبلة الإدارية ) وينطبق هذا على جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها.
وعلى التنافس في الدور بين العشيرة والدولة هناك سياقين "موالاة" "وتمرد" يحاول النظام صناعة عشيرة الدولة من خلال تعزيز دور "دولة العشيرة" لتعمل على انطواء العشائر تحت عباءته وذلك باللعب على وتر العامل الإثني والديني والإقليمي والطائفي في فرز استقطاب في سياق موالاة خاصة أكثر ما تكون وطنية وقومية في محصلته. في حين تلعب على الوتر الآخر وهو التضييق على النفوذ العشائري خارج سياقها بتحجيم دورها في المجتمع بالتسلح بقوة القانون والغاية منه الإمساك بزمام التحكم في المجتمع بشكل عام .
وتنعم العشائر المستقطبة بقوة المال والنفوذ والسلطة لتكون بذلك من ضمن عشيرة الدولة مكونة بذلك سلسلة من ابرز حلقات الاستقطاب الجماهيري .
وقد ترد شعار الدولة "الدولة هي عشيرة كل المواطنين " وأنها عشيرة الكل وتؤدي هذه الشعارات والاستقطاب إلى اختزال منظومة الدولة بكل مؤسساتها إلى دولة بحجم العشيرة "دولة العشيرة" وهذا هروب للأمام لإخفاء شرعية النظام بإعطائه بعداً تاريخيا وارثاً مقدسا تمثله القبيلة والعشيرة .
ومن المعلوم أن الانتماء للوطن يستند إلى قواعد ثابتة أهمها التوزيع العادل للثروة ، والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين وتقاسم الوظائف والمناصب العامة بين أفراد الشعب على مبدأ تكافؤ الفرص والكفاءة .

دولة العشيرة
تعمل على تفتيت للمجتمع وتفكيك للدولة وذلك ناتج عن صراع طبقي سببه الطبقة الالغاركية المتنفذة صاحبة الغنى والنفوذ ذات منزلة عليا استحوذت على السلطة عن طريق الوراثة وتتصف بالثراء الفاحش وتتحكم بمقاليد الأمور السياسية والاقتصادية لقرون وتطغى على طبقات المجتمع الأخرى ،ويلعب جنرالات الجيش دورا كبيرا وبارزا في حماية هذه الطبقة لأنها تكون امتدادا للنظام الذي يحظى بالولاء المطلق مقابل المزايا والرعاية الكاملة للمؤسسة العسكرية بشكل عام .
هنالك تحالف طبقي حاكم يستمد قوته من أموال الجباية و المساعدات الخارجية والتصرف بالأصول والممتلكات الوطنية و السيطرة على الموارد الاقتصادية والتجارية وبسيطرتهم على مفاصل الدولة نتج عنه انحدار الثقافة الوطنية وتفتت المجتمع إلى إقليمية وطائفية وجهوية متخلفة ومقهورة ، فنمت صراعات بين العشائر والأفخاذ والأقاليم وتأجج الميراث العدائي بينهم لجماعات المظلومة تستغل الميراث العدائي الشديد بين الجماعات والطبقات الاجتماعية فتنظر بالثأر لأنها مهمشة ومغيبة ومستلبة الحقوق والآراء، فدفع المؤشر إلى اتجاه فئوي عشائري طائفي إقليمي فتأصلت ظاهرة طلب الحماية الفرد ومكونات المجتمع المختلفة .
هناك تمييز سياسي واقتصادي واجتماعي

فالدولة التي بيعت أصولها (القطاع العام) وشركات ومؤسسات بأبخس الأثمان شيدت بجهد وعرق الشعب تارة بحجة تقليص الدين العام وبحجة أخرى جلب الاستثمار فبيعت الأراضي والعقارات والتي هي ملك للشعب ، وتؤكد على فشلها بحيث أخفقت في بناء المؤسسات الموازية والرديفة بعد تفكيك تلك الأصول مما فاقم عجز الميزانية ورفع معدلات الدين العام لخسارة مواردها نتيجة هذه السياسيات.

ونتيجة لذلك تحجم الدولة عن القيام بدورها الاقتصادي والاجتماعي ويهبط مستوى دورها السياسي

وأخفقت الدولة في دعم الاقتصاد الوطني واعتمدت على الاقتصاد الهش بأنماطه البدائية في قطاعات الصناعة والزراعة و تم تطويرها على شكل ثروات استهلاكية ، وبررت إخفاقاتها بدفع المزيد من الموارد الوطنية لصالح الشركات العملاقة والرأسمالية بإدارة سماسرة و متنفذين بحجة الخصخصة وتحفيز الاستثمار ،

وعليه فإن الاستقطاب على مبدأ من لم يكن معي فهو ضدي وان هناك فرق في الولاء عبر عنه شاعرنا ماجد المجالي أنار الله بصره كما أنار بصيرته ، يبين أن هناك فرق بين الولاء الأحمق والولاء الأعمق ،
وان هناك ولاء أحمق مطلوب أن تصفق لكل شي وان تقول نعم لكل شي ، أما من يؤشر على الأخطاء فهو خطر غير مرغوب به .
الولاء الأحمق عبر عنه الشاعر في قصيدة اللوزمية التيسية المعمعية والتي مزج فيها النقد اللاذع بالسخرية السوداء:

نحن مَعْ دوماً ، ودومًا نحن مَعْ ..... كُلّمـا أقبـل تيسٌ صــــــاح مَعْ
قلت : مَعْ من ؟ قــــال : مَـعْ ..... كل مـا نقـصـــــــد خير المجتمَعْ
نحن مـعْ رمزٌ بـهِ وحـــدتنـا ..... فرّقَ الشــــعب لدينــــــا أو جمَـعْ
أشعـــــلوا أوطاننـا سيجـارةً ..... اشغلوا المخــــتار في جمع القُمَعْ
فاحفظوها ردّدوهـا دائــــماً ..... نحن مَعْ مَعْ نحن مَعْ مَعْ نحن مَعْ

وفي ظل دولة العشيرة تتشكل حالة الدولة على النحو التالي :

- الدولة الفاشلة: هي التي تفشل في القيام بوظائفها الأساسية وتعاني من اضطرابات داخلية بسبب بروز دولة الجباية على حساب الدولة الراعية ورغم هيمنة النظام السياسي تراجعت السيطرة السياسية والاقتصادية فعم الاستبداد وازدادت الطبقة المسحوقة والمهمشة باختفاء الطبقة الوسطى مع تصاعد نفوذ وسطوة رجال الأعمال وهيمنتهم على مفاصل الدولة واقتصادها كذلك هي لا تستطيع أن تقوم بوظائف الدولة الأساسية (-الحكم – الأمن – التعليم – الرفاهية الاجتماعية – ضعف البرلمان –غياب التنمية – مستوى الفقر وخفقها في إدارة أزمات المجتمع المحلي).

-الدولة الفاشلة هي التي لا تستطيع توفير الخدمات لشعبها ، وفقدان لشرعية الدولة بغياب القانون لفشل فصل السلطات الثلاثة والضغوط الديمغرافية وحقوق الإنسان .

-الدولة الرخوة : حسب تعريفه لها قال عالم الاقتصاد جونارد ميردال بأنها :
تلك الدول التي تصدر القوانين ولا تطبقها ؟!! لأنه ينتهك القانون ويعم الفساد فتقعد الدولة مكانها ، فيتم توزيع الموارد على شكل عطايا وهبات وربط ذلك بالولاء السياسي للنظام

-الدولة الضعيفة هي التي تكون غير قادرة على تنفيذ السياسات العامة وتفتقد لقرار مستقل وسليم في مواجهة النخب الاجتماعية المهنية ، وأنها تفتقد إدارة راشدة تمتلك مهارات التفاوض في النهج ألتشاركي عند اتخاذ القرار .



تعليقات القراء

الحاجه خضره ام العبد
ابدعت واحسنت ايها الكاتب الكبير ونتمنى ان نراك وزيرا في حكومة معروف البخيت لانك تستحق ذلك لننتظر ذلك
05-02-2011 11:29 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات