عندمــــا يكســــــر الـنــاس حاجــــز الخـــوف


قـراءة فـي تـجربــة ومائــل النظاميــن المصــري والتـونســــي

الإجـراءات البوليســيـة لا تســتطيـع حمايـة الأنظمـة الســياســـيـة

مـا يجـري لطمـة لعقليـة (الكاوبـوي) التـي تقـود بعض أنظمـة الاســتبداد

الويل لمن لا يحسن قراءة حركة الشعوب

المعالجات قد لا تجدي نفعاً إن جاءت متأخرة

الانعزال عن الناس والتعالي عليهم والاعتماد على تقارير الأجهزة يقود إلى الثورة

 


لا يحتاج المرء إلى كبير عناء, ليكتشف أوجه التشابه بين ما جرى في تونس, وما يجري في مصر. سواء من حيث الأسباب, التي أدت إلى الثورة الشعبية الكاسحة في البلدين. أو من حيث سير الأمور فيهما. فكلاهما اعني مصر وتونس, حُكمتا بنظام بوليسي قمعي. لكن ورغم كل أساليب البطش والتضييق, التي مارسها هذان النظامان لم يستطع كل منهما في نهاية المطاف منع الناس من قول كلمتهم التي جاءت مدوية. ولم تستطع وسائل القمع أن توقف تداعياتها التي هزت النظامين من أساسهما. فتغير وجه البلدين عندما تمرد الناس فيهما على قيودهما, وكسروا حاجز الخوف. وسفهوا العقلية الأمنية المستهترة بالناس وآرائهم, والتي تظن أن القوة وحدها القادرة على حسم الأمور. وهو ظن كذبته الوقائع مراراً وتكراراً. وآخر ذلك ما جرى في تونس ومصر. والذي يشكل ضربة قوية لعقلية (الكاوبوي), التي تقود بعض أنظمة الاستبداد. لذلك نستطيع القول: إن الدرس الأول الذي يجب أن تتعلمه الأنظمة, هو أن سياسة التخويف والتجويع, والقمع والاعتماد على الأجهزة الأمنية, لا تحمي الأنظمة لكنها تعظم بحور الكراهية التي تحيط بهذه الأنظمة, فيعيش الحاكم في جزيرة معزولة عن الناس. يكون رفاقه فيها بالإضافة إلى المنافقين التوتر والقلق وترقب لحظة الحساب.


وعند العزلة نحب أن نتوقف لنقول: إن من أسباب ما وصلت إليه الأمور في مصر وتونس, أن نظام الحكم في كل منهما, عزل نفسه عن الناس, بل تعالى عليهم. وظلت علاقتهم بهم معتمدة على تقارير الأجهزة, التي غالبا ما تكون مخادعة. ولا تنظر إلى الأمور إلا من زاوية واحدة. ولعل طاغية تونس قد لخص هذه الحقيقة, عندما قال في آخر خطاباته للشعب التونسي (لقد غالطوني). وقد فات ابن علي وأمثاله من الطغاة, انه لا شيء ابغض على الشعوب من أن يتم التعالي عليها, وان تشعر أن حاكمها يدير شؤونها عن بعد. أو انه يتعامل مع وطنها على انه مزرعة أو شركة خاصة.


ومثلما أن النظامين اعني المصري والتونسي, حكما عبر النظام الأمني, الذي ثبت بالتجارب المتواصلة والمتعددة, انه لا يستطيع في نهاية المطاف حماية الأنظمة, التي تعتمد عليه, خاصة عندما يكسر الناس حاجز الخوف, ومثلما أنهما ترفعا عن الناس, وعزلا نفسيهما عنهم, فانهما كلاهما اعتبر مصر وتونس مزرعة, أطلقا فيها أيدي أبنائهما وأصهارهما وزوجاتهما وأزلامهما, فتحول هؤلاء جميعاً إلى سبب من أسباب نقمة الشعوب على حكامها. غير أنهم في لحظة الجد والحساب كانوا أول من تخلى عن رأس النظام. وها هي التقارير تشير إلى أن زوجة ابن علي, وبعد أن أطلقت يد أهلها وأصهارها في البلاد, كانت تخطط للانقلاب على ولي نعمتها, اعني زوجها. لكن حركة الشعب التونسي كانت أسرع من حركتها. وهذه الممارسة من زوجة ابن علي وأهلها تذكرنا بحقيقتين قالتهما العرب الأولى: إن الإمارة والتجارة لا تجتمعان. والثانية: إن النساء غالباً ما يكن سبباً من أسباب زوال السلطان. ومن تونس ومصر يأتي الخبر اليقين ليؤكد ما سبق وان قالته العرب.


وإذا كان النظامان المصري والتونسي قد تشابها في تحالفاتهما الداخلية مع رأس المال والأنسباء والأصهار, معتمدين على الأجهزة الأمنية. فقد تشابها أيضا في التحالفات الخارجية. فكلاهما تحالف مع الغرب إلى درجة التماهي. فكان الغرب أول من تخلى عنهما عندما قال المصريون والتونسيون كلمتهم. وكلاهما اعني النظام المصري والتونسي مكنا للموساد في بلديهما, فلم يفعل لهما شيئاً. وان كانت إسرائيل هي أكثر الجهات ندبا على ابن علي ومبارك لا حبا بهما, ولكن قلقا على انتهاء الفرصة التي وفرها كل منهما للموساد في بلده. فالموساد مثله مثل الـ CIA لا تعنيه إلا استثمار الفرصة حتى النهاية وبعده فليكن الطوفان.


وبالدرجة التي كان فيها النظام السياسي في كل من مصر وتونس يندفع للتماهي بالغرب, والتحالف مع إسرائيل, كان يسعى إلى خلع بلده من جذرها العربي الإسلامي. فكان حصار مصر لقطاع غزة أفتك من حصار إسرائيل به. وكانت المعلومات التي قدمتها الأجهزة التونسية من أهم أدوات الموساد لاغتيال قادة المقاومة الفلسطينية. كان بنفس هذا الاندفاع بل وأكثر اندفاعاً في محاربة كل مظاهر الثقافة الإسلامية, وصولاً إلى منع الأذان والحجاب وصيام رمضان, بعد أن عجت سجونهما بالدعاة إلى الله. حتى إذا جد الجد وجاءت ساعة الحساب كان نداء "الله اكبر" هو الشعار الذي زلزلت به الجماهير عرش الطاغيتين. معلنة هويتها العربية الإسلامية.


ومن أوجه التشابه بين نظام مبارك في مصر ونظام بن علي في تونس انهما اعتمدا نفس النهج السياسي, القائم على الديمقراطية الزائفة, والانتخابات المزورة, والمجالس النيابية الزائفة, والحزب الحاكم, الذي لا يمارس إلا حماية اللصوص والمرتشين, ويوزع المغانم, ويتطاول على الأحزاب الأخرى, التي تطاردها أجهزة السلطة. لكنهما كلاهما اعني الحزب الحاكم في كل من مصر وتونس, لم يستطيعا أن يقدما حاضنة شعبية للنظام السياسي الذي صنع قيادات هذين الحزبين, فتحولت إلى عبء عليه. لا يقل عن عبء الزوجات والأولاد والأصهار.


ومثلما اعتمد النظامان في مصر وتونس نفس النهج السياسي, فقد اعتمدا عين النهج الاقتصادي. فكلاهما تبنى وصفات البنك والصندوق الدوليين. وكلاهما اعتمد الخصخصة التي تبيع أصول البلاد. وكلاهما سلم مقاديره لمن سماهم "مستثمرين" وكلاهما مارس خداع الأرقام عن نسبة النمو وعن تحسن الأوضاع. وكلاهما سعى إلى رفع الرعاية الاجتماعية عن المواطنين. وكلاهما أطلق يد المستثمرين والأولاد والأصهار لسرقة مقدرات البلاد. فكانت النتيجة فقراً لم تعد جموع الناس تحتمله, فكان هذا الانفجار الذي لا تزال تداعياته تتوالى.


بالإضافة إلى التشابه في النهج السياسي والاقتصادي بين نظام مبارك ونظام ابن علي, فقد تشابها أيضا في النهج الإداري, واهم صفاته البيروقراطية الثقيلة والمحسوبية والرشوة والتعالي على المواطن. بل وأهانته. وهي الإهانة التي دفعت البو عزيزي إلى حرق نفسه فاشتعلت النار في كل نظام ابن علي المتعالي على الناس. الراعي للبيروقراطية المهينة لكرامة الناس.


وإذا كان النظامان المصري والتونسي قد تشابها بالمسار فقد تشابها في المائل. فكلاهما أسقطته ثورة شعبية عارمة. وكلاهما حاول في اللحظات الأخيرة إنقاذ نفسه بخطوات ترقيعية. ظنا منهما أن المسكنات قادرة على كسر إرادة التغيير عند الناس. وقد فاتهم ان الألم الذي يحتاج في بدايته إلى "مسكن" لا تعالجه الأيام إذا تم السكوت عليه إلا بالبتر. فويل لمن لا يحسن قراءة حركة الشعوب, التي تبدأ بطيئة لكنها تصبح مع الأيام كاسحة كالماء تماما, يبدأ بحبيبات تتحول شيئاً فشيئاً إلى سيول كاسحة لا شيء يقف في وجهها حتى السدود.


أما النقطة المخجلة في نهاية كلا النظامين فهي لجوؤهما في نهاية كل منهما, إلى البلطجة, للانتقام من شعبيهما هكذا فعل قائد حرس بن علي. ولهذه الأسباب انسحبت الشرطة المصرية من الشوارع, ليتحول بعضها إلى عصابات سراق تمارس النهب السلب والاغتصاب, مما يؤكد ان الطغاة لا يمتلكون إلا عقلية الأذى الذي يصرون على ممارسته حتى وهم في الرمق الأخير.


ما نريد أن نقوله في نهاية هذه القراءة السريعة لتجربتي النظامين المصري والتونسي, ان الذين يعتقدون أن لطم خد الناس بالكف يوقفهم عن المطالبة بحقوقهم, أن يراجعوا حساباتهم, فقد أثبتت التجارب انه حتى الدبابات تقف عاجزة أمام جموع البشر. تماماً مثلما أثبتت هذه التجارب, ان التأخير في المعالجات يجعلها في لحظة من اللحظات غير ذات جدوى. خاصة عندما يكسر الناس حاجز الخوف.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات