وزلزلت الأرض زلزالها


قبل أن تأتي النار على جسد الشهيد التونسي العربي محمد بوعزيزي، وقبل ان تتحول ثيابه الرثة الى كومة من الرماد المقدس، كان البركان الخامد منذ قرون يبدأ في اطلاق حممه ويغشى بها كل عواصم ومدن وبلدات النظام العربي الذي تعرى من كل ثوب، فإذ الدنيا غير الدنيا وإذ الشوارع الساكنة تهدر بملايينها الغاضبة والمقهورة والجائعة والمباعه بأرخص المال وأرخص التآمر وارخص التبعية، وإذ بالطواويس تسقط ريشها حتى لا يتم التعرف عليها، وإذ بالارض التي اتسعت لستة مليارات انسان تضيق حتى لا يجد طاغية تونس غرفة صغيرة فيها يفر اليها مذعورا ومجردا من كل قواه واجهزة أمنه ودوائر مخابراته، وما هي الا ساعات وايام واذ بالوطن العربي يخرج انبل ما فيه واجمل ما فيه وأقدس ما فيه واعني ملايينه التي فقدت صبرها على الطغاه وصمتها على خياناتهم ونهبهم واذلالهم لشعوبهم وتفريطهم بتراب الوطن الذي لم يحملوا له كرامة او تقديسا او حرصا او قدرة على الدفاع عنه.
زلزلت الارض زلزالها واخرجت همومها واثقالها وتحول الجسد التونسي المحترق الى انهار غضب، فإذ بالابواب التي اغلقت في وجوه الناس تفتح بكل مصاريعها، واذ بالنوافذ التي منعت الناس من النظر الى ما في داخلها ينكسر زجاجها وخشبها واذ بالطغاة يرتدون اثواب الائمة والرهبان ويبتسمون في ذل يصعب اخفاؤه في وجوهنا نحن الذين جوعنا واهملنا واحتقرنا ولم نعد قادرين على الحصول على شربة الماء وحبة الدواء ولقمة الخبز ومقعد المدرسة والوظيفة في الوطن الذي امتلكته الديكتاتوريات والضباع والديناصورات وابناء الحرام والفساد واللصوص.
بات الجميع يبتسم للناس، وصار المسؤول يغرف من خزائنه التي اغلقت على اموالنا وحقوقنا وكرامتنا، هذا يوزع المساعدات وهذا يوزع التخفيضات وهذا يخفض الاسعار وهذا يفرق زجاجات الماء وحبات الشيكولاته وقطع البسكويت بينما نحن نراقب هذا المشهد الذليل الذي يراهن على ان رشوتنا ستخمد غضبنا وان الضحك على لحانا سيقنعنا بحسن نواياهم، لم نعد نستأذن مسؤولا لنخرج في مظاهرات ترسم الفرح المفقود على وجه الوطن، ولم تعد قوى الامن والدرك وكل اصناف القمع تجرؤ للخروج الينا والخروج علينا بهراواتها وكلبشاتها ومسدساتها وزنزاتها، وجاءت ثورة تونس الخضراء لنؤكد للنظام العربي ان كل رهاناته على خوفنا واذلالنا ستنتهي الى الفشل، وان كل ما اعده النظام العربي لضربنا وسجننا وتكميم افواهنا وتحويلنا الى ارانب مذعورة لن تجده متوفرا لها عندما يغضب الناس ويثور الناس ويرتفع الهتاف للوطن على الهتاف لكل ما سواه ومن سواه، فقد نزل المواطنون التونسيون في شوارعهم في الايام الاولى ونزل خلفهم جيشهم الذي اعد لحماية الوطن واهله ثم تبع هؤلاء وهؤلاء قوات الامن يحرسون الناس ويتلقون مصافحة ايديهم وقبلات الرجال والنساء والاطفال، بينما يواصلون في خندق واحد وعلى جبهة واحدة مطالبتهم بشطب قاتيلهم ومضطهديهم ولصوصهم حتى لا يبقى احد فوق تراب الارض وبين صفوف الشعب.
كلنا تابعنا الفصل الاخير وقبل الاخير من مسرحية الناس والطغاة، حوارات ممنوعة صارت الدعوة لها على كل لسان، فضائيات ممنوعة فتحت ذراعيها للرأي الآخر، ترفع اسعار المحروقات ثم يتم تخفيضها بعد ايام وليس بعد اسابيع، يتم الاعلان على انه لا ضرائب جديدة يتم البدء في البحث عن وظائف لآلاف وعشرات الآلاف من العاطلين عن العمل، تزاد المرتبات بعد ان كان مجرد المطالبة بهذه الزيادة تعبيراً عن خيانة للوطن وتعبيراً عن جهل بالاوضاع المالية والاقتصادية واتصور اذا استمرت انتفاضة الامة واحتراق اجساد فقرائها في تونس ومصر والمغرب وموريتانيا واليمن والجزيرة العربية والسودان وسواها من اقطارنا التي ابتليت بانظمة موغلة في الفساد ان يتم شراء جزيرة مهجورة يرسل اليها الطغاة الذين تلفظهم شعوبهم فيجلسون فوق رملها يتآمر بعضهم على البعض الآخر لان العود على مطلعه ولان من شب على فساد وانحراف يشيب عليه حتى لو كان في جزيرة معزولة من العالم وعن العدالة وعن المساواة وعن حقوق الانسان.
في الأردن لم يخرج الأردنيون للمطالبة بالخبز والدواء والوظيفة، بل كانت هتافاتهم ضد الحكومة التي تستطيع ان تحرمنا من هذا لكنها لا تستطيع ان تحرمنا من الكرامة والكبرياء وعزة النفس، وظهرت ثقة 111 نائباً في هذه الحكومة ثقة عارية امام عدم الثقة التي اعلنتها مئات الالاف من المواطنين، واستهدفت هتافات الاردنيين الحكومة ونوابها ولا اقول الحكومة ونوابنا، وصار حالها مثل حالنا فنحن شعب بلا حكومة وبلا نواب، والحكومة ونوابها بلا شعب فقد حدث الطلاق وتم الخلع واكد كل ما حدث، واكد الاردنيون انهم لا يقفون امام فرن الحكومة ليتسولوا خبزاً ولكنهم يقفون بين يدي الله وفوق تراب الوطن برؤوس مرفوعة حتى لو حرموا من الخبز وحرموا من الماء وحرموا من الوظيفة وحرموا من الدواء، فليس بالخبز وحده يحيا الانسان لكنه لا يحيا بكل خبز ألارض اذا فقد كرامته وفقد كبرياءه وفقد طاعة الحكومة له لا طاعته المذلة لحكومته.
موقع الخندق الالكتروني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات