ماذا وراء تصاعد العمليات بالضفة الغربية المحتلة ؟


بعد سلسلة من العمليات الفدائية البطولية والتي كان آخرها عملية الأسير المحرر والشهيد البطل ابن سلفيت محمد سليمة 25عام في باب العامود بالقدس ها هي الضفة الغربية يوما بعد يوم تخرج مخزونها الشبابي المقاوم وتثبت للمحبين والكارهين أنها عصية على الانكسار وانها ماضية إلى المواجهة الشاملة مع الاحتلال الإسرائيلي عاجلا أم آجلًا رغم كل الصعوبات والعقبات والتعقيدات القائمة على الساحة الفلسطينية وعلى جيل الشباب الفلسطيني الذين خلقوا مع الاحتلال أن يضعوا بصمتهم الجهادية الخاصة في المرحلة المقبلة وفي المقابل ايضا على كل من يقف في وجه المقاومة مراجعة مواقفه وحساباته لأنه يقف في الخندق الخاسر والمجانب كليا لصدق الوطنية ونبل الانتماء

مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين والمسجد الأقصى تنوعت وسائل الفلسطينيين وحركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي داخل القدس والضفة الغربية المحتلة ما بين عمليات دعس وطعن وإطلاق نار مع الأخذ في الاعتبار أن قوات الاحتلال تقوم عادة بقتل فلسطينيين وتزعم أنهم قاموا بعملية دعس أو طعن لعناصرها او مستوطنيها

خلال الشهرين الماضيين سجلت مقاومة الفلسطينيين حضوراً واضحاً من خلال عشرات عمليات المقاومة التي كان من أبرزها عملية الشيخ الشهيد ( فادي أبو شخيدم ) والتي أدت إلى مقتل جندي مستوطن متطرف في القدس وجرحت أربعة أخرين مما أثار مخاوف أجهزة الأمن الإسرائيلية من تجدد موجة جديدة من المقاومة خاصة وأنه سبقها قيام طفل فلسطيني لم يبلغ من العمر 16عام ويدعى ( عمر أبو عصب ) بإصابة اثنين من شرطة الاحتلال في البلدة القديمة رداً على استفزازاتهم المستمرة وفي يوم الاحد 21 / 11 / 2021 قام فلسطيني آخر ممَن يتعرضون يومياً لممارسات الاحتلال الظالمة بطعن إسرائيلي بشكل متوسط في قلب إسرائيل بالإضافة لهذا تستمر المقاومة الشعبية السلمية بمواجهة الاحتلال دون توقف رغم كل محاولات الاحتواء والترهيب لمنع تصاعدها

عملية الدهس الليلة الاخيرة الجريئة والسريعة ( خلال بضع ثواني ) التي نفذها شهيد فلسطين الفتى ( محمد نضال يونس ) 16 عام من مدينة نابلس على حاجز جبارة الفاصل بين مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية ومناطق الداخل المحتل حين انطلق بسيارته نحو الحاجز العسكري بسرعة 100 كلم والتي أسفرت عن إصابة جندي إسرائيلي بجراح خطيرة وحرجة واستشهاد المنفذ متأثرًا بجروحه الحرجة التي أصيب بها فجر يوم الاثنين الماضي جراء إطلاق النار عليه من قبل قوات الاحتلال والمفارقة اللافتة انه كان من دون بنية تنظيمية أو توجيه ولكنه انطلق من ضميره الحي ووطنيته الجياشة ووعيه الفطري ليفعل ما فعل وهو يردد بداخله كفى سنموت بعزة وكرامة وأما الانتصار او الاندثار

عقب العملية أصدر وزير الحرب الإسرائيلي ( بيني غانتس ) تعليماته بزيادة حالة اليقظة والتأهب في جميع الحواجز المنشرة في الضفة الغربية خوفا من تصاعد العمليات كما تدرس الجهات الاسرائيلية المختصة إمكانية تشديد نشر القوات التابعة لـ ( فرقة الضفة الغربية ) في مناطق التماس خاصة وان كل عملية جديدة اصبحت تثير مخاوف أكبر لدى القيادة العسكرية الاسرائيلية من أنها ستزيد الدافعية لدى الفلسطينيين بتنفيذ المزيد من العمليات في الضفة الغربية وبما يثبت ضعف وفشل وعجز قوات الاحتلال الملموس فرض سيطرتها وإحباطها لموجة العمليات الفردية المتصاعدة

هذه العملية البطولية هي الهجوم الخامس خلال أسبوعين ونصف وتقع ضمن مسيرة العمل الثوري المقاوم للاحتلال وهي ايضا تجديد وترسيخ لمفهوم الثورة والانتفاضة كسبيل وحيد للخلاص والاستقلال وإن دماء الشهداء لن تذهب هدرًا وستنبت في كل يوم جيلا فلسطينيا ثائرا تسكنه العزة ويطمح الى الحرية وهو يسير بكل قوة وثقة وفداء على طريق النصر والتمكين وسيبقى الثوار والمجاهدون الفلسطينيون الذين تشكل المقاومة عنوانهم البارز يخرجون في كل زمان ومكان من حيث لا يحتسب المحتل في المدن والقرى والبلدات والارياف الفلسطينية

وسوف تستمر عمليات المقاومة حتى دحره ورحيله عن كامل التراب الفلسطيني وهو يجر أذيال الخيبة والهزيمة وان كل عربدته وجرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني وتدنيسه للمقدسات وتنكيله بالمواطنين وهدم بيوتهم وإبعاد عائلاتهم وتهديدهم بالقتل لن يردعهم وسيزيدهم إصرارًا وعزيمة على مواصلة الهجمات وتصعيد المقاومة والعمل الدؤوب لاسترجاع ارضهم المغتصبة وحقوقهم المسلوبة

وللأمانة العلمية وذاكرة التاريخ المشرفة وتقديرا لتضحيات وارواح ودماء الشهداء ينبغي ان نستذكر في هذا المقال بعض الشباب الشجعان الذين نفذوا عمليات موجعة ونوعية ضد قوات الاحتلال منهم ( عمر أبو ليلى وباسل الأعرج وأشرف نعالوه وأحمد نصر جرار ومحمد مطير وصالح البرغوثى ومهند الجلبى وحمدان العارضة وحمزة زماعرة وخالد تايه )

كما ان الاذعان لاتفاقية اوسلو المشؤومة وارهاصاتها المتخاذلة على طول 26 عام والتي بدى واضحا من خلالها عدم قدرتها على تحقيق أي امر ايجابي يتعلق بالقضية الفلسطينية بل على العكس زادت الهوة وعمقت الخلافات الداخلية وراح العنف يضرب بالنسيج الاجتماعي والتي كان آخرها مقتل شاب امام الجامعة الامريكية في جنين عدا عن الثارات العائلية في الخليل وغيرها مع غياب اي فسحة امل تتيح للفلسطينيين تحقيق أي انجاز سياسي جوهري للقضية

بقاء هذه الاجواء المتلبدة والمحمومة بالتوتر والمخاطر يتطلب من جميع الفصائل والقوى والتنظيمات الوطنية والاسلامية سرعة ترتيب البيت الفلسطيني والاتفاق على برنامج موحد مقاوم ولو بالحد الادنى وتصعيد أعمال المقاومة بكل أشكالها وتوحيد البوصلة تجاه تحدي الاحتلال ومستوطنيه وقطع الطرق عليهم وإشعال الارض لهيبا تحت أقدامهم كبداية شاملة لانتفاضة جديدة وضرورة وقف استمرار أجهزة أمن السلطة في عملية التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال

في ظل عدم قدرتها على توفير الحماية لمواطنيها ضد حملات الاعتقال اليومية التي تجري في الضفة الفلسطينية ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتعدي المستوطنين على المزارعين إلى جانب اقتحام الأقصى بشكل يومي وتكريس أجزاء منه بقوة الأمر الواقع مكاناً للصلاة التلمودية ناهيك عن مسلسل إعدام المواطنين الفلسطينيين المتواصل وتركهم ينزفون حتى الموت بدم بارد

بالتوازي مع ذلك لابد من محاربة كل محاولات كي الوعي الفلسطيني ومحاولات الاحتلال خلق جيل جديد غير مهتم بقضيته ووطنه يسكن في اعماقه الخوف والانهزام وهو قانع بالاحتلال وسياساته القهرية ليتفاجآ قادة العدو الصهيوني في كل مرة بظهور ثلة واعدة من الشباب والفتيان الوطنيون والأصلاء الذين باتوا على قناعة تامة بأن المقاومة وحدها هي السبيل إلى التحرر وزوال الاحتلال وطرد الاستيطان ورفع الحصار واعادة الاعمار

بكل الايمان والثقة سيبقى هؤلاء الشباب الابطال والاغيار بوعيهم وشجاعتهم وهممهم العالية يحافظون على البوصلة بدمائهم الزكية التي سوف تنبت عواصف وزوابع من شأنها أن تكنس الاحتلال والاستيطان اضافة الى أفعالهم المشرفة وآثارهم العظيمة مهما بلغت أعمارهم في الصغر وهم يتصدرون المشهد الفلسطيني العام بكل تفاصيله ليساهموا في رسم مستقبل الشعب الفلسطيني الذي لن تصنعه سوى كرامته الوطنية بدل استجداء الحلول من امريكا أو غيرها من عواصم الغرب والتأكيد على الحقوق الوطنية المشروعة وغير القابلة للتصرف واعادة النظر برهانات السلطة الفاشلة

والتوقف عن اعتبار الرباعية الدولية هي حبل الإنقاذ والنجاة والدعوة إلى حوار وطني جاد وذو مغزى بناء يترأسه الرئيس محمود عباس يضع جدول أعمال يغطي القضايا الوطنية الملحة من اجل إعادة بناء استراتيجية كفاحية تضع الخطط الكفيلة بتوحيد النضال وتحقيق الأهداف تتوحد حولها القوى الفلسطينية وتوفر لها قيادة السلطة الغطاء السياسي لتشكل بديلاً لخيارات أوسلو وتستجيب لطموحات الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال وصولا الى حقه المشروع في تقرير المصير والاستقلال والعودة

المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية وقبل الانفجار والانهيار وفوات الاوان مطالبين بالتوقف عن سياسة إدارة الصراع بالطريقة القائمة المنحازة للاحتلال واتخاذ ما يلزم من الخطوات العملية لحله وفقاً لمرجعيات السلام الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام ورؤية خيار حل الدولتين ( فلسطينية وإسرائيلية )

نقول بواقعية كاملة ان البطولة والشجاعة والفداء لا تحتاج الى ( عمر محدد متمم ) ولا عزاء لمن لا يجيد قراءة الواقع السياسي ولا شفقة على من بقي يعول على التحولات الاقليمية والعالمية وانتظار ان ينصفه الامريكان الذين اخلفوا كل وعودهم للقيادة السلطة الفلسطينية في مواجهة الارهاب الصهيوني وهم يمنحون دولة الاحتلال الوقت الكافي لاستكمال سياسة الضم وبناء مزيد من الوحدات الاستيطانية في الضفة بما فيها القدس الشرقية وهي دليل وإثبات متواصل لا اجتهاد فيه على أن الحكومة الإسرائيلية تستخفّ بإرادة السلام الدولية ولا تحترم المطالبات والمناشدات والمواقف الرافضة للاستيطان

يذكر ان الحكومة الإسرائيلية صدقت مؤخرا على 8 مخططات استيطانية في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية لبناء 1058وحدة سكنية وتشير بيانات حركة ( السلام الآن ) الحقوقية الإسرائيلية إلى وجود نحو 666 ألف مستوطن و145 مستوطنة كبيرة و140 بؤرة استيطانية عشوائية ( غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية بالضفة بما فيها القدس الشرقية في حين يعتبر القانون الدولي الضفة الغربية والقدس الشرقية أراضي محتلة وان جميع أنشطة بناء المستوطنات فيها غير قانونية

كل ذلك التراخي الاقليمي والدولي وعدم اتخاذ المواقف الحاسمة وغيرها الكثير شجع دولة الاحتلال على الذهاب أكثر فأكثر في سياسة التغول وارتكاب الجرائم البشعة بحق الفلسطينيين والسطو على وطنهم وصولاً حتى إلى السطو على رواتب الموظفين وعائلاتهم

ظاهرة العمليات المنفردة اصبحت تشكل كابوسا حقيقيا يتزايد بشكل مفزع في اسرائيل مهما مارست من تعتيم أعلامي حول المنفذين الا ان العمليات في تزايد ومن شباب ذوي اتجاهات مختلفة لا يربطهم ببعضهم علاقات وهذا هو الاخطر حيث لا يمكن للأجهزة الامنية الاسرائيلية مراقبة الجميع في وقت واحد ولا التنبؤ بآلية حدوثه وهو ما يجعلها في حالة استنفار دائم يكلف جهد ومال وعناصر لا يمكن لها استمرار احتمالها

اخيرا على قادة كيان الاحتلال الصهيوني الغاصب إن يفهموا ان سياسة القتل الفوري وخلافاً لما يعتقده وزير الحرب الإسرائيلي لن تجدي نفعاً بل من شأنها أن تسعر نيران المقاومة وتبقي دوامة الكراهية والعنف حيث ( الدم يستسقي الدم ) الى حين حلول اليوم الذي يقف فيه مجرمو الاحتلال خلف قضبان المساءلة القانونية والعدالة الدولية ويتحقق النصر النهائي بأذن الله تعالى



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات