التقييد على مصالح النواب المالية


كشفت تقارير صحفية قبل أيام عن تورط مجموعة من النواب البريطانيين في القيام بأعمال استشارية والترويج لمجموعات ضغط وشركات أجنبية، وأنهم قد تقاضوا لقاء هذه الخدمات مبالغ مالية كبيرة. وقد وصل الأمر إلى استخدام النواب المعنيين مكاتبهم الخاصة في البرلمان البريطاني لعقد هذه الاجتماعات واللقاءات، وذلك بشكل يخالف قواعد السلوك المطبقة والتي تحظر على النواب استخدام مرافق المجلس في عمل غير برلماني.
وقد أثارت هذه الأحداث موجة من الغضب السياسي والشعبي، حيث تعالت الأصوات مطالبة بإجراء تحقيق برلماني حول مدى فعالية قواعد النزاهة والشفافية المطبقة التي تحكم سلوك النواب البريطانيين لغايات الحد من تعارض المصالح المالية الخاصة بهم مع واجباتهم البرلمانية. كما اقترح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تعديل مدونة السلوك النيابي لصالح الحظر على النواب البريطانيين العمل كمستشارين سياسيين أو في مجال الترويج. كما بدأ الحديث يتعاظم حول إمكانية حرمان النائب في بريطانيا من ممارسة أي مهام أو أعمال تجارية أثناء فترة تواجده في البرلمان، وبأنه يتعين تغيير القواعد الدستورية لصالح اشتراط تفرغ النائب لعمله البرلماني.

إن مشكلة استغلال المنصب العام لخدمة المصالح الذاتية الشخصية تعد من أبرز التحديات التي تواجه مكافحة الفساد واستغلال المنصب العام. وفي الأردن، دائما ما تثور التساؤلات حول مدى فعالية القواعد القانونية الناظمة لسلوك النواب والحد من تعارض منافعهم الخاصة مع المصلحة العامة. ولهذه الغاية، حرصت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية على مراجعة النصوص الدستورية ذات الصلة بالأعمال التجارية التي يقوم بها النائب والعين أثناء فترة عضويته في السلطة التشريعية لصالح التشدد بها.

فلغايات السيطرة على حالات تعارض المصالح، جرى تقديم مقترح لتعديل الدستور يقضي بتشديد القيود التي تفرض على النواب والأعيان فيما يخص العقود التي يحق لهم إبرامها مع الحكومة والمؤسسات الرسمية العامة. فالنص الدستوري الحالي في المادة (75/2) يفرض قيودا نسبية غير كافية في هذا السياق، إذ أنه يحظر على كل عضو من أعضاء مجلسي اﻷعيان والنواب أثناء مدة عضويته أن يتعاقد مع الحكومة أو المؤسسات الرسمية العامة أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة أو أي مؤسسة رسمية عامة سواء كان هذا التعاقد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. إلا أنه يستثني من هذا الحظر إبرام عقود استئجار اﻷراضي واﻷملاك، ومن كان مساهما في شركة أعضاؤها أكثر من عشرة أشخاص.

ولضمان عدم استغلال المنصب النيابي، اقترحت اللجنة الملكية توسيع نطاق الحظر السابق وجعله مطلقا، بحيث جرى التوصية بمنع كل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أثناء مدة عضويته من أن يتعاقد مع الحكومة والمؤسسات الرسمية العامة أو المؤسسات العامة أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة سواء كان هذا التعاقد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن لا يؤجرها أو يبيعها شيئاً من أمواله أو يقايضها عليه، وأن لا يبرم معها أي عقد مهما كان.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل اقترحت اللجنة الملكية منع النائب أو العين من تلقي أي منفعة نقدية أو عينية بسبب عضويته في مجلس الأمة أو بمناسبتها، حيث جرى اقتراح أن تؤول ملكية أي هدية يتلقاها النائب أو العين متعلقة بعمله النيابي إلى الخزانة العامة للدولة.
إن التشدد في مصالح النواب المالية سيسهم في استرداد الثقة الشعبية بالمؤسسة البرلمانية، وما يصدر عنها من قوانين وآليات رقابية على مجلس الوزراء.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات