الفقر .. بين يدي الحكومة؟!


كفانا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بلاغة وتوصيفاً لعظم الفقر وخطورته, وأثره, وقدسية محاربته, في قوله المعروف (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) فالدم حين يراق والروح حين تزهق يعني ذلك أن أمرا جللا هز عرش السماء واربك منظومة الأرض سيما أن القائل مفتاح العلم وبلاغته, الذي فدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه..
والفقر حالة تأخذ أمدا من الزمن وترتبط بظروف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية سيما مستوى الدخل وحركة الأسعار ومعدلات البطالة والقدرة على العمل, وعموما فان معدلات الفقر ترتفع في الدول النامية أو بالا حرى التي تزحف نحو النمو الحقيقي أكثر من الدول المتقدمة, كما ترتفع في الريف والبادية عنها في العاصمة والمدن الكبرى مع بعض الاستثناءات..
والعيب فيه ان بني البشر قد يتأقلمون مع الفقر ويصبح جزءاً منهم لا يلحظون عمق تأثيره فيهم ولا ظلم الآخرين لهم إلا عندما يسافر احدهم الى مجتمع المترفين المتخمين »الزناقيل« في بعض احياء العاصمة ليرى بطر هؤلاء في عيشهم وتخم بطونهم التي تعج بها حاويات قمامتهم قبل بيوتهم وسيارتهم وأدوات حياتهم كلها.
عندها يتحرك وجدان هؤلاء الفقراء ليقارنوا الفقر والبؤس بالغنى والفسق ليدركوا بعدها عمق الظلم والجور الذي كان غائباً عنهم والذي لو طبق عدل الله وتشريعه على البشر لما كان هذا حالهم من العدم وحال هؤلاء من البطر.. مما سيخلق في داخلهم الألم والمعاناة والحيرة التي تتحول مع الأيام سخطاً وتراكماً يترجم أشياء ومواقف لا حصر لها, لعل أعظمها الإرهاب..
ولان الفقر وأهله عزل لا يملكون أدوات السياسة وثقلها, ومواقع النفوذ فيها, فان التفكير فيهم غائب إلا على الورق الذي يحدثنا عن خط الفقر وجيوب الفقراء التي تمتد على مساحة الريف والبادية والأزقة والحارات في المدن, ليؤنسنا هما وغما بهذا الضنك باعتباره عاما والحديث في العموميات مسموح ولا بأس ما دام حبرا على ورق والموت مع الجماعة رحمة..
أما حال هذه الأوراق من بحوث ودراسات التي أشبعت الفقر كلاماً وفاز الفساد بالإبل, فان مصيرها خزائن المستودعات و »ديسكان« الكمبيوتر بعد ان دمغت عليها عبارة »اطلعت تحفظ« خدمة للباحثين الغلابى والدارسين الحزانى الذين يمضون الماء ماءاً ليخرجوا منه ماء ويتركون اللبن وما حوى للأغنياء أصحاب المشاريع وربما للفاسدين والمفسدين الذين يعرفون كيف يخرجون زبد ته من جيوب الفقراء او على ظهورهم.. ثم ينظّر علينا مشاريع خطابية للخلاص من الفقر تترجم برامج خاوية على عروشها تماما كالذي يقف جانب بائع الشاورما ليشتم الرائحة, ارضاء للنفس لعله بذلك يحقق الإشباع المعنوي الذي يرنو إليه, أما حاجته الغذائية فيكفيه رغيف الخبز وبعض الغموس »ان وجد« وربما الشاي الذي فقد جزءاً من حلاوته او يخلو من السكر تماما, ليحمد الله بعد ذلك ويشكره ويدعوه ان يبعد عنه الفاقة والجوع باعتباره شراً لا ينفع معه الصبر, اما الفقر فهو حالة دائمة استسلم لها ويدعو الله ان لا تزيد..
اما الحكومات في الدول الزاحفة نحو النمو فهي تلجأ الى السهل المريح الذي لا يزعج فكرها ولا يثير »الزناقيل« ومراكز القوى والثقل الاقتصادي الذي لم تكفهم الضرائب المتسامحة والرخوة والتهرب منها فعمدوا الى الفقراء الغلابى »الذين لاحول لهم ولا طول« في مواجهة ألازمات كالمحروقات مثلاً ليمارس عليهم العدالة ويشملهم رفع الأسعار كما البرجوازيين والمترفين والفساق والمفسدين الذين جمعوا الفساد وافسدوا آخرين.. وكأن العدالة عوراء بعين واحدة تضع الفقر والغنى في كفة واحدة..!!
وبعد ذلك تتهجد الحكومات في سرها وحلكة ليلها ان لا يصل الفقر حد الفاقة والجوع كون الجوع كفرا يخيف ولا يمكن توقع نتائجه, والصبر فيه معدوم, وكيف له ان لا يصل مع هذه السياسات..؟! وهي تتضرع الى الله ان يمر الأمر على خير وتعقد الاجتماعات واللقاءان هنا وهناك, بان يجعل الفقر برداً وسلاماً, ويديم الفقراء حامدين شاكرين صابرين ساكتين قابعين الى أن تنتهي ولايتها من الحكم.. بعدها وليكن ما يكون..?!
والسؤال الذي يطرح نفسه لكل من ألقى السمع وهو شهيد, من الخاسر بعد ذلك?!



تعليقات القراء

مرار طريق
كلامات لها وقعها كحد السيف وحيت ينطق السيف يصمت الجبناء
24-01-2011 10:46 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات