موقف حركة طالبان من زراعة وانتاج الافيون


على الرغم من اتباع حركة طالبان نهج إسلامي متشددً وتطبيق صارم للقواعد الدينية الا انها أقامت منذ أمدٍ بعيد علاقة تعايشية مع الإتجار في الأفيون الذي يمكن معالجته كيميائيا لإنتاج مواد مخدِّرَة مثل الهيروين وفي تسعينات القرن الماضي سمحت الحركة بالإتجار في الأفيون حتى بعد أن حظرت الحشيش والسجائر بوصفهما من المواد التي يحرم على المسلمين تعاطيها

في المرة الاولى التي سيطرت فيها حركة طالبان على أفغانستان ازدهرت زراعة الخشخاش في البلاد وفي عام 1999 وبعد ثلاث سنوات من تأسيس الحركة لإمارة أفغانستان الإسلامية آنذاك أشارت تقديرات إلى أن إجمالي إنتاج الأفيون الخام في البلاد بلغ نحو 4600 طن متري أي أكثر من ضعف كمية الأفيون التي أُنتِجَت في العام الذي سبقه

والسؤالً المطروح هنا ماذا كان التبرير الديني الذي قدمته الحركة لإنتاج مزيد من الهيروين والجواب والتبرير الحقيقي هو ان الحركة احتاجت إلى للدعم المالي من المهربين والمزارعين فضلًا عن التمويل الذي يمكن أن تحصل عليه من خلال فَرض ضرائب على إنتاج الأفيون
وبعد مرور نحو ربع قرن من الزمن لم تزل أفغانستان أكبر مُنتِج للأفيون في العالم ولكن منذ أن تولَّت حركة طالبان مقاليد السلطة

مؤخرا في صرّح ذبيح الله مجاهد المتحدث الرسمي باسم الحركة لوسائل الإعلام الدولية في عدة مؤتمرات صحفية كان اخرها بعد مرور يومين من سيطرة الحركة على العاصمة ( أن طالبان لن تسمح بإنتاج الأفيون أو غيره من المواد المُخدرة داخل دولتها الجديدة وان أفغانستان لن تكون من بين البلدان التي تجري فيها زراعة الأفيون وستدفع زراعة الأفيون إلى الصفر مجدداً )

وقد جد الكثير من المحللين والمختصين في بيانات طالبان بشأن زراعة الأفيون على انها ( مبادرات دبلوماسية ) تهدف الحركة من خلاله إلى إظهار أنها ستشكل حكومة مسؤولة تلتزم بالمعايير القانونية المحلية والدولية

بكل تأكيد أن ( عدم زراعة الأفيون في البلاد ) لن يكون سهلًا سيما وان أفغانستان استأثرت بـ85% من إنتاج الأفيون في جميع أنحاء العالم في العام الماضي وتتجاوز هذه النسبة نِسَب المنتجين المنافسين مثل ( ميانمار والمكسيك ) وفقًا للبيانات الصادرة عن الأمم المتحدة كما اتُهِمَت بالاضطلاع بدور كبير في الإمدادات العالمية بالقنب الهندي والميثام فيتامين

في عام 2000 حظرت حركة طالبان إنتاج الأفيون بعد أن مارست الدول الغربية ضغطًا عليها ومع ذلك وبعد غزو أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة عام 2001 ازدهر إنتاج الأفيون مرةً أخرى في المناطق التي سيطرت عليها طالبان وعلى الرغم من الجهود المبذولة للقضاء على إنتاج الأفيون التي تدعمها الولايات المتحدة وتقدر تكلفتها بـ 9 مليارات دولار فقد بلغ الإنتاج ذروته بحوالي 9 آلاف طن في عام 2012

تواجه طالبان في الوقت الحالي مشهدً جديدً ومختلف عما سبق وهو أن الحركة لم تعد تلك الحكومة المعزولة والمنغلقة التي امتد حكمها بين عامي 1996 و2001 ولم تعد مجرد ذلك التمرد الريفي الذي يشن قتالًا ضد الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة ولكن أضحت الحركة الآن القائد الفعلي لدولة يخيم عليها فقر مدقِع وبحاجة الى التعافي من عقود طويلة من الحرب مع وجود مستويات كبيرة ومقلقة من الإدمان على مواد الأفيون في أوساط مواطنيها

خشخاش الأفيون المعروف باسم ( الخشخاش المنوم ) يعتبر من النباتات التي تستطيع أن تتكيف مع الظروف الصعبة ويمكن أن ينمو في المناخات الدافئة والجافة ولا يتطلب سوى قدرًا قليلًا من المياه ويمكن تكرير المواد الصمغية المستخلصَة منه إلى مادة المورفين التي يمكن معالجتها بعد ذلك إلى الهيروين ويسهل نقل المادتين على حدٍ سواء ما يجعل الأفيون محصولًا جذّابا في بلد يعاني من ضعفٍ في البنية التحتية والاقتصادية والمعيشية

تاريخ زراعة الأفيون وغيره من المخدِّرات في أفغانستان والإتجار فيها قديم جدا وقد استأثرت أفغانستان بـ85% من إنتاج الأفيون في العالم العام الماضي وقد أن أصبح الأفيون المخدر المفضل لدى الأفغان ما يطرح تساؤلات بشأن إمكانية وقدرة طالبان على اتخاذ إجراءات صارمة تمكنَها من القضاء على زراعة الأفيون والإتجار به

هناك أدلة واقعية تثبت إنتاج الأفيون في أفغانستان منذ القرن الثامن عشر على الأقل ولكن صناعة الأفيون لم تبدأ في الازدهار إلا بعد عام 1979 عندما غزا الاتحاد السوفيتي كابول ما أدى إلى إشعال فتيل صراع دام لمدة طويلة لم تكسَر شوكته حتى الوقت الحاضر وقبل أن تستولى حركة طالبان على السلطة فعليًّا في عام 1996 قدرت الأمم المتحدة أن نحو 59% من إنتاج الأفيون العالمي يأتي من أفغانستان ولكن سرعان ما ارتفعت وتيرة الإنتاج تحت رعاية حركة طالبان ما أثار انتقادات دولية واسعة لم تجد أي اهتمام

في تموز عام 2000 حظر الملا محمد عمر مؤسس حركة طالبان زراعة الأفيون والإتجار فيه وحصل مقابل ذلك على منحة بلغت قيمتها 43 مليون دولار من هيئة تمويل أمريكية لمكافحة المخدرات وقد أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة في العام التالي إلى أن هذه السياسة أظهرت بوادر نجاح ولكن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على أفغانستان بعد مرور عام قلب ذلك الوضع رأسًا على عقب

ومع فقدان الحكومة السيطرة على مزيد من المناطق الريفية في أفغانستان ارتفع معدل زراعة خشخاش الأفيون وبحلول عام 2004 بلغت زراعة الأفيون ذروتها أثناء حقبة طالبان الأولى في الحكم ومن ثم ضاعَفتْها بعد ذلك بقليل وقد تعثرت بعد ذلك كل الجهود المدعومة من قبل الولايات المتحدة لإنهاء صناعة الأفيون وأن حركة طالبان لم تكن الجهة الوحيدة التي سمحت بهذه التجارة والمشكلة الأكبر كانت في استشراء الفساد في أفغانستان وتعدد رموزه ومواقعه الرسمية

ربما يكون من الصعب تحديد مدى إسهام تجارة الأفيون في تمويل حركة طالبان حيث لا تخلو معظم التقديرات من المبالغة وأن الحركة جمعت أموالًا طائلة من خلال فرض ضرائب على القطاعات القانونية مثل البضائع العابرة والوقود أكثر من الأموال التي جمعتها من الإتجار في المخدرات وأن التصريحات الأخيرة التي أدلت بها حركة طالبان أظهرت بأنها سوف تتوجه للقضاء على المخدرات باعتبارها ورقة مساومة مقابل الحصول على مساعدات دولية

خاصة بعد أن منعت وزارة الخزانة الأمريكية حركة طالبان من الحصول على بعض أموال الحكومة الأفغانية السابقة ولكون الحركة أسست كثيرًا من شرعيتها السياسية على التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية يعتقد الكثيرون هذه المرة سوف تكون أكثر اتساقًا مع نفسها

ولكن من المحتمل أن يمنح اتخاذ إجراءات صارمة ضد الإتجار في الأفيون حركة طالبان نفوذًا مع جيرانها مثل إيران وروسيا وهما المحطتان التاليتان على طريق المخدِّرات أو أوروبا وكندا حيث ينتهي به المطاف في أوردة المدمنين في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء أخرى من آسيا ( السوق الأميركية تتزود بالمخدرات بشكل رئيس من المكسيك )

لقد أثر إدمان المواد الأفيونية تأثيرًا سلبيًا في المجتمع الأفغاني وقد خلصت إحدى الدراسات التي أُجريَت عام 2015 إلى أن هناك ما بين 2.9 إلى 3.6 مليون متعاطي مُخدّرات في أفغانستان وكما عانت الحكومة الأفغانية السابقة من هذه المشكلات

ربما تعاني حركة طالبان الآن منها أيضا وربما تكون هناك مواجهات مع المزارعين الأفغان في جميع أنحاء البلاد الذين يعانون من الفقر والبطالة و يواجهون مشكلات اقتصادية عديدة بسبب الجفاف وتبعات تفشي فيروس كورونا
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات