الهويه الوطنيه والمشروع الوطني في الاردن


الحلقه (2)

الأبعاد السياسية المحيطة وأثارها .

إن المشروع الوطني الأردني لا يتفاعل في فراغ فالأردن جزء من الأمة العربية ، وان ما يحدث في المنطقه العربية يؤثر على الأردن سلبا أو إيجابا ، لذلك لا بد من مناقشة الظروف والمتغيرات التي مرت بها المنطقة العربية خلال العقود الماضيه لمعرفة مدى تأثيرها على مسيرة المشروع الوطني الأردني .
إن بوادر المجتمع المدني الذي كان يتشكل في النصف الأول من القرن الماضي ، والمتمثل في الانتخابات النيابية والحاله الحزبيه الناشيئه قد تم إجهاضها من خلال شيوع مفهوم الانقلابات العسكرية في المنطقه العربيه والتي قامت بإنهاء كافة مظاهر المجتمع المدني بدءاً من الدستور والانتخابات وانتهاء بحل الأحزاب ، ومنع منظمات المجتمع المدني من العمل ، ولقد وضع هؤلاء الذين وصلوا إلى السلطة من خلال الانقلابات العسكريه أيديهم على كافة وسائل الإعلام ، وعملوا على قولبة الرأي العام واستلابه وجره باتجاهات المزيد من الخنوع والاستكانة والتنازل عن حقوقه الأساسية.
إن كافة الممارسات والنظريات التي طرحت في المنطقة العربية لم تكن تساعد مطلقا على قيام مجتمع مدني حديث ومتطور ، وإن كانت تطلق على نفسها تعابير تقدمية استهلاكية بدون مضمون ، فلا يمكن تصور أي تقدم بدون كفالة حرية الإنسان في وطنه وحقه في انتخاب ممثليه ومحاسبتهم ، والمشاركة في صنع القرارات التي تمس مصالحهم ، إن إدعاء الوصاية على الشعب بحجة انه تحت سن الرشد السياسي وبالتالي عليه الانتظار طويلا قبل المطالبة بحقوقه ثبت بطلانها من أساسها .
إن كافة إشكال الحكم العسكري أو الفردي أو حكم الكومبرادور أو التقليدي المستند على القبلية أو الجهوية أو الطائفية لا يمكن اعتبارها مجتمعات مدنية بالمفهوم المعروف للمجتمع المدني، وان كانت بعض مظاهر المجتمع المدني موجودة ، لذلك فان معظم المجتمعات العربية لا زالت مجتمعات بهوية وطنية رخوة وغير مستقرة وفي طور التحول والتشكيل ، وتحتاج إلى جهد كبير من القيادات والأنظمة لإعادة صياغة مجتمع مدني مستقر، وهذا لا يتم إلا بالاحتكام إلى الديمقراطية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوفر سقف معقول من الحريات للشعب . وان من يلقي نظره سريعه على معظم الدول العربيه يجد انها نعاني مشكله في هويتها الوطنيه وهذه الدول مرشحه لمزيد من الانهيار اذا لم تبادر الى اعادة الامور الى الشعوب بحيث تمسك تلك الشعوب بزمام امورها ، وان الامثله على ذالك كثيره ومنها حالة السودان واليمن والعراق وحاليا تونس وكذاك العديد من الدول العربيه مرشحه لمزيد من التدهور اذا لم تبادر الى اصلاحات سياسيه واقتصاديه واجتماعيه حقيقيه وبشكل عاجل،
إن السؤال الذي يطرح نفسه دوماً هو كم سيستغرق هذا التحول والتشكيل لنصل إلى حالة المجتمع المدني ؟. إن الإجابة على هذا السؤال صعبة لان هذا الأمر يعتمد على دور النخبة السياسية وصدقها ، ودور الشعوب العربية في الإصرار على الحصول على كافة حقوقها المدنية بالوسائل السلمية ، وإن المتابع لمسيرة المجتمعات العربية ودور النخب، فأنه يلاحظ أن معظم النخب السياسية كانت في الكثير من الأوقات انتهازية نفعية مصلحيه تابعة وذيليه لأنظمة حكم فردية مستبدة ، وهمها أن تقتنص ما تستطيع أن تصل إليه من المنافع ، وبعد ذلك تتنازل عن شعاراتها وقد أتقنت الكثير من النخب ، وكذلك الأنظمة تلك اللعبة . فالنخب تحاول في بعض الأوقات إحراج النظام أو إرسال رسائل له بأنها قادرة على إحراجه وبيان عيوبه، والنظام يرسل رسائل للنخب بان لديه العصا والجزرة ، وان موضوع الجزرة قد استخدم مرارا وثبت جدواه في العديد من الأنظمة ، كما أن موضوع العصا أيضا قد استخدم مرارا أيضا لتثبيت دعائم النظام وترويض النخب .
وهنا لا بد من الإشارة أيضا إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي وشعار تحرير فلسطين قد استخدم أيضا بطريقة ألحقت أفدح الأضرار بمسيرة المجتمع المدني ، وإن مقولة لا صوت يعلو على صوت المعركة كان السلاح الأشد فتكا في الاجهازعلى المجتمع المدني ومصادرة الحريات ، وان على المجتمع وعلى الحريات أن تنتظر حتى تحرير فلسطين السليبة ، وفي البعد الاقتصادي أيضا فان شعارات عديدة أطلقت وكان لها تأثيرا سيئا على مسيرة المجتمع المدني ، فالمجتمع العربي في إطار تحوله نحو الاشتراكية فلا بد من وجود قوى عديدة إقطاعية ورأسمالية وصناعية معارضه ، لذلك يجب انتهاج سياسة القمع ومصادرة الحريات وحتى يكتمل التحول الاشتراكي ، وهنا فإن هذه الأنظمة لم تحقق الحرية بسبب شعار الاشتراكية ولم تحقق الاشتراكية بسبب فقدان الحرية .ان كافة تلك الظروف والمتغيرات كان لها تأثيرا كبيرا على مسيرة المشروع الوطني الاردني .الامر الذي ادخل صانع القرار في الاردن في سباق وحالة تنافس مع تلك الطروحات بحيث اصبحت الدوله الاردنيه ممثله بالقطاع العام في وقت من الاوقات رب العمل الاساس .وتضاءل دور القطاع الخاص حتي وصلنا في نهاية الثمانينيات الى ازمه اقتصاديه خانقه لم نتعافى منها للان على الرغم من بيع معظم ممتلكات الدوله الى جهات محليه واجنبيه تحت شعار الخصخصه .
لقد كان من الأمور المسلم بها إن أي انقلاب عسكري يقع في المنطقة العربية كان أول ما يلجأ إليه هو تعطيل الدستور وحل مجلس النواب، وإلغاء دور الشعب وإزالة الزمرة الحاكمة المستبدة ،وبعد ذالك على الشعب ان يقوم بالتصفيق والتهليل لهذه الإجراءات التي كانت تسلبه كافة حقوقه وحتى إنسانيته ، ليكتشف بعد فترة بأنه استبدل حكما مستبدا بحكم اشد استبدادا ، وبالنهايه فان المجتمع المدني هو من يدفع الثمن .
إن الشعارات التي تطلق حاليا حول انه لنا خصوصيتنا الديموقراطية ، أو أننا لن نقبل الديموقراطية لأنها مفروضة علينا من الخارج ، ونحن لا نقبل الوصاية ، تستخدم كغطاء لاستمرار الاستبداد أو نهب الثروات وسلب الحريات وتهميش الشعب ، ويندرج تحت هذه الأصوات تلك الأصوات التي تنظر بأن مجتمعنا ليس مؤهلا للديموقراطية وعلينا انتظار عدة عقود لنصل إلى سن الرشد الديموقراطي كما ينظرون ، وعلينا إبقاء الشعب تحت الوصاية لتحقيق مزيد من النهب والتسلط وبعيدا عن الرقابة والمسائلة، وأن هؤلاء لا يدركون أن شعوبا لم تبلغ مبلغنا في التقدم سواء في إفريقيا أو في الهند أو في شرق أوروبا قد استوعبت الديموقراطية وطبقتها بطريقة حافظت فيها على أمنها واستقرارها .
وفي هذا المجال يجب الانتقال بالنقاش عن المجتمع المدني من حالة الترف الفكري الذي يجري على القشرة الخارجية، وهم النخب، إلى حالة من الممارسة الشعبية الواسعة لتشمل كافة جوانب المجتمع المدني ، وأن الدولة العربية التي تستطيع أن تنتقل بالحالة الديموقراطية من حديث النخب في الصالونات أو المسئولين الحكوميين بقصد الاستهلاك ، إلى حالة المجتمع المدني الفاعل بكافة مكوناته، ستكون الدولة العربية السباقة في تثبيت هويتها الوطنية ،وتعزز حالة الاستقرار لديها ، وتقدم دفعة قوية من الشرعية للسلطة الحاكمة ، وهذا لا يبدو للآن منظوراً في معظم أقطار امتنا وعلى مساحة الوطن العربي الكبير .



تعليقات القراء

المحامي سمير فهد الامام

اشكر الكاتب...... التحليل جيد وواقعي ومنطقي وبدون تعصب
13-01-2011 09:15 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات