ذمة الوزراء المالية


أكد رئيس الوزراء بشر الخصاونة أن الوزراء يتقاضون رواتب شهرية فقط، وأنه لا تصرف لهم أي مكافآت مالية مقابل مشاركتهم في اللجان الحكومية. ويأتي هذا الرد الحكومي متوافقا مع القيود التي فرضها المشرع الدستوري على المصالح والذمم المالية للوزراء أثناء عضويتهم في السلطة التنفيذية. فالمادة (44) من الدستور تنص على أنه ﻻ يجوز للوزير أن يشتري أو يستأجر شيئا من أملاك الحكومة ولو كان ذلك في المزاد العلني، وأنه ﻻ يجوز له أثناء وزارته أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة ما، أو أن يشترك فـي أي عمل تجاري أو مالي، أو أن يتقاضى راتبا من أية شركة.
إن الدلالات القاطعة في هذا الحكم الدستوري تقضي بأن يمتنع الوزير العامل عن شراء أو استئجار أي من أموال الحكومة أثناء فترة تواجده في السلطة التنفيذية، وأنه يتعين عليه عدم ممارسة أي عمل تجاري أو مالي، وأن يستقيل من عضوية مجالس الإدارة ومن أي وظيفة يتقاضى منها راتبا، وذلك لغايات الحيلولة دون وقوع أي تنازع في المصالح بين مهامه الوزارية ومنافعه المالية الخاصة به.
وقد سبق للمحكمة الدستورية أن أصدرت قرارها التفسيري رقم (1) لسنة 2019 الذي اعتبرت فيه أن الوزراء ينفذون السياسة العامة للدولة داخليا وخارجيا، وبأنهم يضعون الأنظمة التي تلتزم بأحكامها الإدارات والمؤسسات الرسمية وسائر المرافق العامة للدولة. بالتالي، يجب أن يحظر على الوزراء القيام بأي نشاط تجاري مهما كانت نوعه أو صفته، بما في ذلك المشاركة في أي شركة من شركات الأشخاص أو المساهمة في أي شركة من شركات الأموال، والاكتتاب في أسهم أي منها عند التأسيس أو شراء الأسهم لاحقا.
إن الهدف من التوسع في تفسير القيود الواردة في المادة (44) من الدستور يتمثل في عدم تولد الاعتقاد لدى الغير بأن مثل هذه الأنشطة لو قام بها الوزير العامل أنها تمثل الموقف الرسمي للحكومة، مما يُخرِج الأمور عن نصابها الدستوري السليم.
ويبقى التساؤل الأبرز الذي لم ترد إجابة صريحة له في القرار التفسيري السابق يتعلق بمصير الأسهم التي يملكها الوزراء قبل عضويتهم في السلطة التنفيذية، وما إذا كان الوزير ملزما بالتنازل عنها ونقل ملكيتها للغير عند تعيينه في السلطة التنفيذية، أم أنه يحق له الاحتفاظ بها أثناء عضويته في مجلس الوزراء.
لقد دافع البعض عن حق الوزير العامل في الاحتفاظ بملكية أسهمه في الشركات التجارية، بالقول أنها يجب أن تعامل معاملة الأصول الثابتة، كالأراضي والعقارات والسيارات، التي لا يكون الوزير ملزما بتجريد نفسه منها، وذلك لعدم إمكانية التسبب في أي حالة من حالات تنازع المصالح.
في المقابل، لا يغيب عن البال أن التعامل بالأسهم يعد من قبيل الأعمال التجارية المحظورة صراحة في المادة (44) من الدستور، وبأنه لا يتصور معاملة الأسهم كالأراضي والشقق السكنية التي لا يتم بيعها والتصرف بها بسهولة ويسر. فالأسهم المالية معرضة للزيادة في قيمتها السوقية بسبب أي تصرف أو قرار وزاري ذي صلة.
ويبقى الحل الأوسط لهذه الإشكالية في تفعيل قانون الكسب غير المشروع، الذي يلزم الوزراء بإشهار الذمة المالية الخاصة بهم وبزوجاتهم وأبنائهم القصر بشكل دوري، وذلك لغايات الرقابة على أي نمو غير طبيعي في الثروة، والتي من ضمنها الأسهم التي يملكها الوزير ويبقى محتفظا بها أثناء عضويته في مجلس الوزراء.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات