عاشوراء ما بين معاني الاستشهاد الملهمة وطقوس الشجن المحبطة


بين يدي عاشوراء وعن استذكار اشد لحظات التاريخ العربي الاسلامي سوادا وبشاعة والتي تجد التعبير عنها في ليل العراق الدامس في ظل الاحتلال حيث يتحول احياء الذكرى الى شجن سلبي ومناحة وايذاء جسدي وكل المظاهر التي لا تتفق مع جلال وعظمة المناسبة ومعاني الاستشهاد الملهمة عبر الايمان الراسخ والموقف الثابت ومواجهة الخير للشر مهما كانت ضخامة وشراسة هذا الشر ودون سؤال عن النتيجة.

في كل هذه السنوات السبع العجاف والقاتمة والكارثية التي يعيشها العراق تحت الاحتلال يتكرر المشهد كل عام بتحويل كربلاء الى طقوس محبطة وخرافية والاسوأ محاولة اضفاء لحظة السواد الكربلائية على امتداد تكرار المناسبة وعلى اللحظة الراهنة الاشد سوءا التي يعيشها العراق اليوم.

وخارج الكلام العاطفي فان ذكرى ومعنى استشهاد الحسين مطبوعة في قلوب كل المسلمين بأبعادها ودلالاتها السامية وما يتصل بها من اجماع ، حيث يجمع المسلمون كلهم على حب آل البيت انطلاقا من حبهم وايمانهم برسول الله "صلى الله عليه وسلم" لكنني اعتقد ان هنالك خصوصية مصرية تتمثل بتعلق المصريين وولههم وارتباطهم النفسي بآل البيت وفي مقدمة الرموز التي اصبحت جزءا من عبادة المصريين وايمانهم وتبركهم وقسمهم وملاذهم مقام الحسين في القاهرة الذي هو مقام ومسجد كبير وحي واسع بل ان المصريين يعتبرون الظاهرة امتدادا لهذا الموقع والمركز وقلب المدينة.. وبالاضافة الى مقام الحسين هنالك مقامات عديدة ابرزها مقام السيدة زينب وعندما يقسم المصريون بالسيدة فانهم يقصدونها وحدها وكأن لا سيدة غيرها وبشكل عام لا توجد مدينة او بلدة او ناحية مصرية إلا وتوجد فيها مقامات لآل البيت والصحابة واولياء الله الصالحين وكل هذه المقامات تمثل ركيزة روحية للمصريين مع ملاحظة ان حب المصريين للصحابة اولوية لا تتناقض مع حبهم لآل البيت.

ومن المعروف ان تعلق المصريين بآل البيت لم يكن في يوم على حساب صلب العقيدة واساسيات الاسلام وسياقه التاريخي وحتى عندما تشيع المسلمون المصريون واحتضنوا الدولة الفاطمية فقد فعلوا ذلك بدون تسلط ولا تعصب ولا احقاد ولا انحراف عن جوهر الاسلام.. فالتشيع كان عندهم هو الدخول في مذهب وهو اول المذاهب الاسلامية الذي وضعه الامام جعفر الصادق ثم جاءت بعده المذاهب الاربعة الرئيسة: الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية والمؤسف انه قد حدث خلط بين المذهب الجعفري وبين الامام والعالم والمفكر السياسي من صفوة آل البيت الامام جعفر الصادق.

وحتى عندما كانت مصر دولة شيعية فاطمية لم تنسق نحو الخلط بين المذهب الجعفري والامام جعفر ورغم الفساد الفكري والسياسي لم ينحرف او ينحرف المصريون ايام الفاطميين نحو التشدد والخرافة كما هو معروف فان الوزير الفاطمي الشيعي "شاور" استنجد بالملك الفرنجي "اموري" في العام 1164 ضد جيش نور الدين زنكي بقيادة شيركوه وابن اخيه صلاح الدين الايوبي وانتصار صلاح الدين هو الذي ادى الى انهاء الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر وبالتالي المذهب الشيعي فيها.

وكما هو معروف فان ايران كانت دولة سنية الى أنْ حكمها الصفويون الذين حولوها الى دولة شيعية ومن هناك بدأت المبالغات والتهويل واثارة الاحقاد والبحث عن ثارات وهمية للانتقام للحسين واكثر من ذلك تكرست حتى اليوم نظرية تخوين وشتم الصحابة والتشهير بهم والعيش في عقدة جريمة متخيلة سابقة لكربلاء وهي ان الصحابة حالوا دون توريث الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم للامام علي رضي الله عنه ومع انه لا يوجد مسلم واحد الا ولديه حزن عميق وصدمة مرعبة لمقتل الحسين في كربلاء كما لا يوجد من لا يقدر تضحية مبدأية الحسين لكن ذلك اصبح صفحة سوداء من التاريخ لا يمكن تغييرها عبر المساس بجوهر العقيدة او التنكر للايجابيات في تاريخ الامة العربية والاسلامية او النيل من صحابة رسول الله المقربين ومن خلفائه.

لا اريد ان ادخل في بحث تفاصيل مشهد الاحتفال بعاشوراء هذه الايام بروح صفوية ربما يعمق هذا العام بشكل خاص فكرة الانقسام الى حد الافتراق وكأن الشيعة يمثلون دينا اخر وداخل ايران نفسها لا توجد مشكلة لان الشيعة اكثرية كاسحة ولذلك فان كل الكتب الدينية والفكر والخطاب الشيعي يركز على الجريمة المتخيلة بعدم توريث الامام علي ولذلك فان تخوين الصحابة وام المؤمنين السيدة عائشة وادانة كل النظام العربي الاسلامي ايام الخلافة الراشدة والاموية والعباسية هي اطار العقيدة الشيعية الصفوية ومضمونها حاليا فكل الفكر الديني يركز في ايران على اتهام الخلفاء الراشدين ابو بكر وعمر وعثمان بشكل خاص باتهامهم بتفويت الفرصة لان يخلف الامام علي الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة..

الموضوع حساس والحديث فيه محرج لكن يكفي ان نتأمل ما يحدث في العراق لندرك خطورة تسييس عاشوراء وما ينجم عن ذلك من تعميق الانقسام والتمزق في العراق.

واود التذكير بان يوم العاشر من محرم هو يوم له قداسة في التاريخ الديني منذ بدء الخليقة حيث ان هذا هو يوم توبة آدم ، وهو اليوم الذي رست فيه سفينة نوح ، وبردت النار على ابراهيم وكشف الضر عن ايوب وخرج يوسف من الجب... الخ.

وهو يوم يصومه اليهود ويصومه المسلمون كسنّة وتذكرة كل الديانات غير السماوية ايضا.

ولذلك يقول الفرويني بتاريخ 682هـ: "لانه يوم معظم في جميع الملل اتفق ان يكون عن هذا اليوم يوم مقتل الحسين الذي لم يؤرخ للمرثاة في زمانه واول ذكر لمقتل الحسين كان في "تاريخ الامم والملوك للطبري" في "320هـ اي بعد ما يزيد عن 250 سنة بعد مقتل الحسين الذي يشكل فاجعة دائمة في وجدان كل المسلمين وهذا الشعور انساني شخصي نبيل لكل انسان مسلم لكن دون ان يستغل ذلك سياسيا لتمزيق الامة الاسلامية واقطارها ، كما سبق واكدنا فان جوهر الحديث عن اي معتقد مذهبي ديني هو مسألة حساسة ، لا يصح مناقشتها في الاعلام ، لان هذه المناقشة هي ايضا شكل من اشكال تسييس للدين وفتح ابواب الخلاف والنزاع والصراع ، ولعل ابرز مثال على توظيف الاختلاف المذهبي لاشعال الفتنة وانقسام الضمير الوطني هو ما يجري في العراق اليوم ، ولعل المبالغة والاثارة الزائدة في اطالة امد الاحتفال بعاشوراء وذكرى اربعين الحسين هو نموذج للتوظيف السياسي المذهبي الديني.

فمنذ مطلع العام الهجري وقبل ايام واسابيع من موعد عاشوراء 10" محرم" بدأت الاستعدادات لاحياء المناسبة وذلك امر مألوف لكن الجدال والنقاش المتواصل والمسترسل الذي سبق المناسبة والذي تلاها ، تركز على استحضار روايات تاريخية مثيرة للجدل وعلى تفسيرات وتأويلات لتعميق الخلاف بين الشيعة والسنة ، وكأن الحديث يجري عن دينين او عن عقيدتين متباعدتين ، وهذا بالتأكيد غير صحيح عدا عن انه توظيف خبيث من قوى خارجية للدين في السياسة في ظل سلطة الاحتلال الامريكي.

وكما هو معروف فان الاحتفال بعاشوراء ظل مناسبة تثير تعاطف واشجان كل المسلمين في انحاء الارض ، مع اهتمام اكثر وانفعال اشد من قبل الشيعة ، بما في ذلك شيعة العراق لكن السنوات الماضية شهدت توظيفا سياسيا مذهبيا دينيا للمناسبة وتحديدا في العام الاخير ، والمؤسف جدا ان قوى التحريض وزع الفتنة الخارجية قد افلحت في جر المسلمين العراقيين الى تباينات فكرية ونفسية استنادا الى روايات من الماضي مفصولة عن سياقها التاريخي ، والى تفسيرات ووقائع ورموز مبالغ فيها ، وما يجري من جدل محتدم في العراق لا يجري في غيره ما يؤكد ان ذلك يتم بتأثيرات خارجية يستغل ما قبل وما بعد عاشوراء وذكرى اربعين الحسين وما بعدها في 21" صفر" من هذا العام.

وعلى سبيل المثال فان الحديث عن 10" محرم" كان حسب الخطاب السياسي للشيعة هو الهجرة الثانية والتأسيس الثاني لم يكن يتردد بالماضي وكأنه بمواجهة اعظم حدث في تاريخ المسلمين وهو الهجرة النبوية ، وعندما يطرح ذلك من الشيعة باثارة يرد عليه السنة باثاره ، ، وفي التفاصيل وعلى هامش عاشوراء فان الشيعة في العراق مثلا احتفلوا بما يسمى "يوم الغدير" وهو في 28 ذي الحجة الماضي ، وهذا اليوم هو اليوم الذي اكد فيه الرسول ، عمق الصلة بينه وبين الامام علي وهو ما يعتبره الشيعة اعلانا لخلافة الامام علي لسيدنا محمد ، وبالمقابل احتفل السنة بهذا اليوم باعتباره اليوم الذي ضم "ابو" بكر الى جانب الرسول في غار حراء.

واكثر من ذلك فان السنة في العراق يعتبرون الخذلان الاكبر من قبل العراقيين للاسلام هو خذلانهم لمصعب ابن الزبير الذي جاء الى العراق بجيش قوي يمثل الخلافة في الحجاز بقيادة اخيه عبدالله وكان مصعب يطمح الى مساندة اهل العراق بناء على وعود ومواثيق حيث كانت الفرصة متاحة لازالة الخلافة الاموية واعادة الخلافة الى مكة. لكنه وُوجه بخذلان مبين واستشهد مصعب هناك ، ومصعب هو زوج سكينة بنت الحسين وابن صفية بنت عبدالمطلب و... و... وصفات لا تعد يستذكرها اهل السنة في محاولة لموازاة الاستشهادين استشهاد الحسين واستشهاد مصعب..

وعندما يباهي الشيعة بان عدد الذين اموا كربلاء. في عاشوراء 10" محرم" اكثر من مليونين يفهم السنة الامر وكأنه مقارنة بالمليونين الذين حجوا الى مكة هذا العام في العاشر من ذي الحجة.. ولا يتسع هذا المقال لذكر كل الامثلة التي تتفجر على هامش عاشوراء وما قبلها وبعدها وامتدادها وذكرى اربعين الحسين في 21" صفر" المصادف 28 شباط ميلادي الحالي وما قبلها وبعدها ايضا وهو جدل طويل ومستمر نتيجته الوحيدة هي تعميق الانقسام وتغذية الفتنة وتأجيج الصراع وكل ما تريده سلطة الاحتلال الامريكية واعداء الامة.
 
 



تعليقات القراء

فركوح
كتبت في الموضع لفهد هسة شاف الصحفين انة في تقارب اردني ايراني الكل بلش تحليس
16-12-2010 02:24 PM
Ahmad altawil
مقال جيد واتمني علي الكاتب ان يتعمق ويحلل اكثر عن الخلاف السني الشيعي
18-12-2010 05:31 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات