الحكمة أن يُرد قانون أمانة عمان


يستوقف المتابع لجلسات اللجنة النيابية المشتركة "الإدارية والقانونية" التي تناقش مشروع قانون أمانة عمان الموقف المتباين لكل من الأمين ونائبه من مشروع القانون. ففي الوقت الذي يدافع فيه أمين عمان عن مشروع القانون ويطالب بإقراره،يقوم نائب الأمين بمهاجمته،واصفا إياه بأنه قانون غير عصري، وبأن إعداده قد تم دون علم ومعرفة أعضاء مجلس الأمانة.


إن التساؤل الأبرز يتعلق بالمبررات التي تدفع نحو تنظيم "بلدية" عمان بقانون خاص وإخراجها من الإطار التشريعي العام الناظم لعمل البلديات في الأردن. فالأسباب الموجبة لهذا القانون كما جرى التعبير عنها هي تحسين الخدمات المقدمة للمواطن من خلال "الأتمتة" والتحول الإلكتروني، وتمكين أمانة عمان من إدارة الأزمات والمخاطر وإيجاد بيئة مناسبة للاستثمار. إن هذه الأسباب لا تبرر تخصيص قواعد قانونية خاصة بأمانة عمان دون غيرها من البلديات الأخرى، فهذه المطالب يجب الاهتمام بها وتكريسها لجميع البلديات، وعدم حصرها في العاصمة عمان.


إن أمانة عمان تعد بلدية لغايات قانون البلديات الأردني، فهي تختلف فقط في أسلوب إدارتها وآلية اختيار أعضاء مجلس أمانة عمان وتعيين أمين عمان. وقد راعى القانون الحالي هذه الخصوصية بأن أفرد نصوصا خاصة تتعلق باختيار أعضاء إدارة مجلس أمانة عمان وتعيين الأمين، ذلك على الرغم من المطالب الشعبيةبانتخاب أمين عمان أسوة بباقي البلديات الأخرى.ففي الوقت الذي يُفترض به أن يتم توحيد القواعد القانونية الناظمة لعمل البلديات في الأردن، هناك من يدفع بأمانة عمان لتغرد خارج السرب، وذلك من خلال تمييزهاغير المبرر بمجموعة من القواعد القانونية الخاصة بها.


ويبقى التخوف الأكبر من التعديلات الجوهرية المتلاحقة التي سيتم إدخالهاعلى نظامالإدارة اللامركزية في الأردن، فالحكومة تعكف اليوم على إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يدمج قانوني البلديات واللامركزية في قانون واحد، ليتوافق مع تغيير اسم الوزارة من "البلديات" إلى "الإدارة المحلية". ويترافق هذا الإجراء مع محاولات لإقرار قانون خاص بأمانة عمان يميزها عن باقي البلديات الأخرى، وهذه الإجراءات من شأنها أنه تؤثر سلبا على نظام الإدارة المحلية الأردني.


إن أي مراجعة لنظام إداري وتشريعي قائم يجب أن يراعي التروي والتدرج في اتخاذ القرارات. فتوحيد الجهة الحكومية المسؤولة عن الإدارات اللامركزيةفي قانون الإدارة المحلية الجديد يعتبر خطوة كبيرة وهامة يجب التأني عند تطبيقها ودراسة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فلا يعقل أن يرافق هذا القرار إخراج "عمان" من ولاية القانون الأم وإفراد قانون خاص بها، وذلك تحت حجج غير مقنعة لا تبرر مثل هذا التفرد في التعاطي مع إحدى البلديات دون سواها.


إن هذه التطورات المتسارعة في ملف الإدارة المحلية يصطدم مع قرب انتهاء الولاية القانونية للبلديات. ففي الوقت التي تسابق فيه الحكومة الزمن لإقرار قانون الإدارة المحلية الجديد لإجراء الانتخابات القادمة على أساسه، يتم الدفع نحو إقرار قانون أمانة عمان الجديد لكي يبدأ تطبيقه مع الانتخابات المحلية القادمة. وهذا التغيير الشامل المفاجئ سيكون له أصداء سلبية على واقع الإدارة المحلية في الأردن، والذي ما زال يتعافى من تجربة مجالس المحافظات وانتخابات اللامركزية.

إن الحكمة تقتضي اليوم أن يتم إغلاق ملف مشروع قانون أمانة عمان، وانتظار الحكم على تجربة قانون الإدارة المحلية الجديد.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات