ألكيسي نافالني بين المعارضة والخيانة !


يعتبر المحامي والمدون الشهير أليكسي نافالني 44 عام من اشد منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيث يحظى بدعم واضح في كبرى المدن مثل موسكو وسانت بطرسبرغ وهومن أبرز وجوه المعارضة الروسية في المرحلة الراهنة خارج مجلس الدوما ( البرلمان ) فمنذ ظهوره في المشهد السياسي أنشأ مع فريق من المتعاونين ( مؤسسة مكافحة الفساد ) التي أجرت عدة تحقيقات في شبهات الفساد التي يتورط فيها سياسيون ورجال أعمال في روسيا

وقد استطاع بمساعدة مؤسسته أعادة تنشيط المعارضة الروسية التي تمثلها أحزاب عدة مثل الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية أو الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي والتي لم يكن لها ثقلا حقيقيا موازيا للسلطة بعدما عاشت سنوات طويلة من التهميش والركود وهي لا تحتل هذه سوى مقاعد قليلة في البرلمان الروسي ناهيك عن أنها تميل إلى دعم قرارات حكومة الرئيس بوتين المهمة مثل تعيين ميخائيل ميشوستين رئيسا للوزراء

كان نافالني من بين الشخصيات البارزة التي شاركت في الاحتجاجات التي نددت بالفساد وتزوير الانتخابات التشريعية في سنة2011 ودعت إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة بمعية لاعب الشطرنج غاري كاسباروف والبلشفي الوطني إدوارد ليمونوف والمعارض بوريس نيمتسوف الذي قتل بالرصاص في قلب موسكو سنة 2018 ورئيس الوزراء السابق ميخائيل وخلالها تعرف عامة الناس عليه

بعد بضع سنوات من النشاط العام اتخذ نافالني قراره بالترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2018 حيث ترأس الحزب التقدمي الروسي وهو ( حزب ليبرالي موالي لأوروبا ) وقبلها تم تغيير اسمه إلى روسيا المستقبل الا ان اللجنة الانتخابية المركزية طعنت في ترشيحه لرئاسة البلاد بحجة وجود عقوبة صادرة بحقه مع وقف التنفيذ في قضية اختلاس أموال من شركة اخشاب كان يعمل بها وبعد استئناف الحكم رفضت السلطة المختصة ملفه وقد أكدت مؤسسته لمكافحة الفساد في عدة مناسبات أن هذه المحاكمة ذات دوافع سياسية

ومنذ ذلك الحين سجن عدة مرات بتهمة تنظيم تجمعات واحتجاجات غير مصرح بها من قبل الدولة ولم يعد يطمح لرئاسة البلاد لأنه فقد حريته لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة التحقيق في ملفات الفساد والدعوة إلى ضرورة إجراء انتخابات نزيهة في روسيا إلى جانب معارضين آخرين من خارج مجلس الدوما

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لعام 2021 أعد نافالني مع أعضاء آخرين ما أطلقوا عليه تسمية ( نظام التصويت الذكي ) الذي ساعد مرشحي المعارضة على تحقيق بعض الانتصارات في مدن ومناطق قبل ذلك وقد كان نافالني حينها في سيبيريا مع بعض مساعديه يدرسون كيفية تطبيق تقنية هذا النظام الذي يقوم بدراسة ملف المرشح الذي تزيد فرص فوزه في الانتخابات ومنحه دعما غير مشروط بغض النظر عن أيديولوجيته وذلك بهدف التاثير على بوتين ومحاولة تجريده وحزبه ( روسيا الموحدة ) من أكبر قدر من السلطة

وبمجرد عودته من لقاء سيبيريا في الطائرة دخل في غيبوبة بعد شعوره بألم شديد وقد اتضح فيما بعد أنه تسمم أثناء تواجده في مدينة أومسك ونتيجة التدخل السريع للأطباء والهبوط الاضطراري لقائد الطائرة ظل نافالني على قيد الحياة وقد أذِنت الحكومة الروسية بنقله إلى ألمانيا لتلقي الرعاية الطبية اللازمة بعد أيام من غيبوبتة وقد قال بعض المقربين من الحكومة الروسية أن الوضع الصحي الحرج لنافالني كان بسبب سم ألماني وضعه له شخص من فريقه وقيل أيضا إنه سمم نفسه حتى يصبح شهيدًا في المقابل أكدت المختبرات السويدية والفرنسية والألمانية أن السم الذي تم استخدامه ينتمي إلى عائلة "نوفيتشوك" الذي صنع لأول مرة في الاتحاد السوفيتي وهومن السموم المميتة وكمية صغيرة منه تكفي لقتل الضحية أو التسبب له بأضرار جسيمة

بعد استيقاظه من الغيبوبة في ألمانيا قدم معلومات كافية حول الحادثة حيث أوضح في مقطع فيديو أن أجهزة المخابرات الروسية هي من تقف وراء محاولة قتله باستخدام سم نوفيتشوك الذي وضع في ملابسه الداخلية في أحد فنادق مدينة أومسك كما كشف عن الأطراف التي حاولت تسميمه والتكوين الذي تلقاه منفّذو العملية فحسب ( الذين كان معظمهم من الكيميائيين والأطباء ) وقال أن عملية اغتيال بهذا الحجم يستحيل تنفيذها من دون موافقة السلطات العليا أي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقد اتهمه بالرغبة في اغتياله بالسم كما حاول فعل ذلك مع الجاسوس السابق سيرغي سكريبال

من جانبه نفى الكرملين هذه الاتهامات الخطيرة حيث قال الرئيس بوتين إنه ( إذا أرادت روسيا قتله لكان ميتا بالفعل ) ولم تفتح السلطات الروسية أي تحقيق في حادثة التسمم لكنها اكدت أنها تراقبه بسبب نيته قلب نظام الحكم وعلاقاته بوكالات أجنبية

في بداية العام الجاري طُلب منه العودة إلى روسيا قبل الخامس من شهر كانون الثاني في حال أراد عدم الدخول إلى السجن ولكن كان من الصعب عليه العودة نظرا لصعوبة السفر بين الدول بسبب تفشي الوباء في حين أكد علانية أنه يعتزم السفر إلى روسيا في المستقبل القريب الا انه فور وصوله البلاد تم القاء القبض عليه وزج به في الحبس الاحتياطي وجراء ذلك نشراعضاء فريقه فيديو مدته ساعتان يظهر قصر بوتين في جيليندجيك على ضفاف البحر الأسود

وما فيه من بذخ حيث يحتوي على كازينو وميناء خاص به ومنطقة حظر طيران إلى جانب مرافق أخرى بمساحة 78 كيلومترًا مربع أي بما يعادل 39 مرة مساحة إمارة موناكو وقد اتهموا الرئيس الروسي ببناء هذا القصر بفضل أكبر رشوة في التاريخ ومن سجنه دعا نفالني انصاره للتظاهر في جميع انحاء روسيا وهو ما اضطر قوات الامن الى استعمال الشدة المفرضة والاعتقالات الجماعية بشكل واسع

في الماضي كان لدى نافالني علاقات بالقوميين والإمبرياليين الروس وقد تحدث علانية بعبارات عنصرية ضد المهاجرين من آسيا الوسطى والمسلمين وفي الوقت الحالي لم يعد يستخدم هذا الخطاب بشكل علني وقام بتعديل طريقته في التعبير عن أفكاره ولم يعتذر علنًا عن عباراته العنصرية السابقة ومثل هذه المواقف القومية جعلت من الصعب على الكرملين اتهامه بأنه دمية في يد الغرب خاصة بعدما اعترفت العديد من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنه ناشط ديمقراطي وطالبت روسيا بالإفراج عنه

ألبعض يعتبرونه معارضاً شجاعاً قادراً على مقارعة النظام والكشف عن الفساد وان التعاطف الجماهيري الكبير والمناصر الواسعة والاستجابة الفورية لنداءاته ومطالباته وشعاراته تعطي انطباع اولي بان الرجل يحمل قضايا وطنية مهمة تلقى اصغاء وقبول وحراك في المجتمع الروسي وتجعل منه بطل وطني متميز في المواجهة والتضحيات وان خروج التظاهرات الاخيرة بهذا الكم ومطالبات الجماهير بالافراج عنه ورفع صوره والاستشهاد باقواله وعباراته واتهاماته مثال واضح على ذلك وان جهود بوتين الطويلة الأمد لتصوير نافالني كوكيل للاستخبارات الغربية لم تات أكلها لدى الشارع وان كان لها رواج عام بين الرسميين ولطالما استشرت نظريات المؤامرة في روسيا ونشرها الكرملين إلى حد كبير

وفي المقابل وهناك من تناول نافالني ونشاطه من منظور الخيانة العظمى للوطن على حد تعبير زعيم حزب العدالة الروسية سيرجى ميرونوف وانه حكم على نفسه بالإعدام منذ رفضه الاعتراف بنتائج استفتاء عام 2014 حول انفصال شبه جزيرة القرم وانضمامها إلى روسيا وهو ما قيل وقتها إنه كان بإيعاز من واشنطن كما يرى البعض من الكتاب والمحللين والمتابعين بان الاهتمام الغربي والاوروبي بقضية نافالني دون سواه من المعارضين الذين يعيشون واقع اسواء منه في مقارعتهم لانظمة الحكم المستبدة وغير الديمقراطية وان اعتبار البرلمان الأوروبي أن إقدام موسكو على هذه الخطوة إهانة لأوروبا والمجتمع الدولي يزيد في مساحة الارتياب والتساؤل

مع ما يترافق من تهديد بتوتر العلاقات وتوصيف اعتداءات الكرملين عليه ليست فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان بل وتعتبر بمثابة تحد للشعب الروسي الذي يريد أن يكون صوته مسموعا ناهيك عن التلويح بزيادة مستوى العقوبات وحجم التضييق والحصار المفروض على روسيا كل ذلك يثير الشك ويعزز القناعة بعمالته لدول ودوائر اجنبية خاصة وان نفافالني يعتبر احد رجال غورباتشوف ومن المؤمنين بفكره ونظرياته التي مزقت وهدمت الاتحاد السوفياتي السابق وهو مقرب من ( حزب بارناس ) الذي خرج من عباءة اليسار الاجتماعي الروسي وتحول بسرعة الى مجموعة ليبرالية تربط الحريات السياسية بالحرية المطلقة للاسواق والملكية الخاصة وانهاء الدور الاجتماعي للدولة ودعم الخدمات والسلع الاساسية مثل التعليم والصحة وغيرهما

والأمرالاخطر في تاريخ سيرة هذا المعارض هو تلقيه منحة دراسية عام 2010 من جامعة ييل الامريكية وهي من منظمي الثورات الملونة في العالم فضلا عن انها مركز ومحفل وجمعية الجمجمة والعظام التي تتبنى اعادة ( بناء الهيكل ) ومن انصارها عائلة بوش وديك تشيني وهيلاري كلينتون المرجعية الروحية للاسلام الامريكي ومن اللافت ان شعار الجامعة ( النور والحق ) جاء مكتوب بين دفتي كتاب في قلبه باللغة العبرية ويشار الى ان جامعة ييل بالاضافة لاهتمامها بالحركات الدينية عموما تحتضن مركزاخاصا مهتما بصناعة حركات الاسلام الامريكي ( النسخة المزورة ) لتشوية صورة الاسلام الحقيقية بأنشا ودعم وتمويل جماعات العنف والاهاب والتطرف وتسويقها في المنطقة والعالم

اخيرا قضية نافالني باتت تحت انظار العالم الفربي والامريكي واصبحت تمثل صداع مؤلم في رأس بوتين رغم محاولته مسك العصا من النصف واستمرارها اشبة بالشوكة الحادة في الفراش القيصري الناعم وان عودته المفاجئة اضحت معضلة كبيرة أمام الكرملين لها تداعياتها على الداخل الروسي لكن التداعيات الأكبر من المتوقع أن تكون على مستقبل العلاقات بين موسكو من جانب وأمريكا وأوروبا من جانب آخر وقد يصبح نافالني بين ليلة وضحاها منديلا العصر
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات