الانتخابات الفلسطينية الآمال والتحديات


بعدما حدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مرسوم أصدره مؤخرا موعد إجراء الانتخابات التشريعية في 22 أيار والرئاسية في 31 تموز والمجلس الوطني في 31 آب من العام الجاري أصافة إلى إصدار تعديل قانوني يسمح بإجرائها بشكل متتابع وليس بالتزامن كما كان سابقا والجيد في الأمر إعلان لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية جاهزيتها لإجراء الانتخابات التشريعية في الأراضي الفلسطينية بعد صدور المرسوم الرئاسي بـ 120 يوما رغم وجود معوقات كثيرة ستواجه هذه اللجنة أهمها إجراء الانتخابات في القدس في ظل تأكيدات الاحتلال على عدم السماح بإجرائها في المدينة المقدسة ناهيك عن المخاوف الكبيرة من شن إسرائيل عدوان جديد على غزة قبل إجراء الانتخابات لجعل دماء الفلسطينيين ورقة للمضاربة والمنافسة الانتخابية بين اليمين واليمين المتشدد بالتالي ومع هذه الهواجس فإن الذهاب إلى المصالحة والانتخابات والبدء في تجديد مؤسسات منظمة التحرير من شأنه أن يجنب غزة مثل هذا الخطر المحتمل

ومع تزايد خطيبات الأمل المتوالية ونذر الشكوك المتتالية وفشل كل مبادرات وأد الخلافات وإمكانية انجاز المصالحة في ظل الظروف المحلية والدولية الصعبة والقاهرة فقد سادت أجواء ايجابية من بصيص الأمل والتفاؤل ولو قليل لدى فئة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني بان تكون هذه الخطوة متقدمة وحاسمة نحو إنهاء حالة الانقسام بين حركتي فتح وحماس وتحقيق الوحدة الفلسطينية وإعطاء الشرعية للمؤسسات الوطنية بما فيها البرلمان والحكومة

جميع فئات الشعب الفلسطيني تتوق شوقا وتنتظر بفارغ الصبر منذ زمن بعيد لأن ينتهي الخلاف بين فتح وحماس وتجديد الثقة وتوقف التشنج والتراشق الإعلامي بعد كل جلسة ولقاء فهناك في الأفق القريب بوادر ايجابية بعدما توقف الحوار بين الطرفين وانفضاض لقاء القاهرة عند نقطة التتالي والتزامن في الانتخابات حيث أرادت حماس أن تكون الانتخابات عامة وشاملة وفي وقت واحد غير أن السلطة وحركة فتح أرادتاها متتالية

وفي المقابل تخلت حركة حماس أخيرا عن شرط تمسكت به طوال الحوار مع حركة فتح وهو ( التزامن في إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني ) بعد عدة وعود حصلت عليها من دول صديقة تؤكد التزام السلطة الفلسطينية بإجراء كل الاستحقاقات الانتخابية بدءاً من التشريعية مروراً بالرئاسة وصولاً إلى انتخابات المجلس الوطني وذلك في مدة أقصاها ستة أشهر وقد تقدمت بمبادرتها بإجراء الانتخابات التشريعية بالتوالي وفي كثير من الأوقات أبدت حركة حماس خشيتها أن يتم اقتصار الخروج من الأزمة الفلسطينية الراهنة بالذهاب إلى انتخابات تشريعية فقط ما يعني في الواقع نزع الشرعية عنها خاصة و أنها صاحبة الأغلبية الساحقة في الانتخابات البرلمانية عام 2006 وفازت بمعظم مقاعد المجلس التشريعي ثم شكلت الحكومة في حينها وفي تكرار مماثل لتجربة انتخابات سنة 2006 قد يتجه الاحتلال لاعتقال جميع النواب أو أكثرهم الممثلين للخط السياسي لحركة حماس وان استهداف النواب بالاعتقال قد يأتي في سياق حصار للسلطة فالمصالحة مع حماس تعني لدى الاسرائيلي قراراً بالمواجهة

إن إجراء الانتخابات الفلسطينية حلم وطني مشروع واستحقاق تشريعي مهم لا زال يعتريه الشك ومخاوف الفشل وعدم القدرة على خلق حالة فلسطينية جديدة ونقلة نوعية تضع الفلسطينيين على المسار الصحيح نحو المستقبل لبناء توافقات وطنية ونظام سياسي بكل جزئياته سواء في السلطة اوالمنظمة ودون الفصل بينهما للوصول إلى حلول جدية للحالة القائمة وإمام ذلك ينبغي للطرفين فتح وحماس الفهم بان الانتخابات ضرورية لهما لكونها ستمنحهما صفة الشرعية من جديد فضلا عن أنها الوسيلة والأداة الأمثل للوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية حقيقية وهي الحل الوحيد المتوفر للخروج من الأزمات العالقة التي تفرضها إسرائيل بمساعدة بعض الأنظمة في المنطقة وبدون هذه الوحدة لن يكون هناك انفراجة في أي اتفاق بين الطرفين للمرحلة المقبلة وسيكون أمل الفلسطينيين ذهب هباء منثورا فالمطلوب فلسطينياً هو إعادة بناء النظام السياسي برمته وعلى الفلسطينيين ان يكونوا على قدر صعوبة وتحديات المرحلة

على كافة الإطراف ان تعي جيدا مدى خطورة فشل الانتخابات المقبلة في مثل هذه المرحلة بالذات وما يتبع ذلك من توسيع هوة الانشقاق والفرقة والاختلاف وصعوبة السيطرة على الأمور وتنظيمها خاصة وان المحتل الإسرائيلي بكل أدواته وقدراته سيستمر في محاولة إفشال الانتخابات الفلسطينية ولن يسمح بإجرائها في مدينة القدس وسيعرقل مسارها في المدن والبلدات الفلسطينية الأخرى ومن الضروري استغلال وصول الرئيس الأمريكي بايدن للرئاسة والذي يعتقد البعض انه سيساهم في تخفيف حدة التوتر التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمحاولة تجاوز هذه العقبة القديمة والكبيرة بتوفير ضمانات أمريكية من الإدارة الجديدة

الانتخابات الفلسطينية المنشودة لا شك أنها تحتاج الى استعداد واليات وتفاصيل شاملة ودقيقة كثير منها غير قائم حتى اللحظة وفي مقدمتها عدم وجود محكمة للانتخابات للفصل في الشكاوي والطعون الانتخابية مع ضرورة توفير الحرية الكافية لحركة حماس في الترشح والدعاية في مناطق الضفة الغربية وتعزيز مبدأ الاحتكام إلى صندوق الانتخابات وتحمل النتائج مهما كانت إضافة الى الحاجة الماسة لجود قوات الأمن التي سوف تشرف على حماية العملية الانتخابية ومتابعتها في ظل عدم اعتراف السلطة الفلسطينية بأمن غزة الذي تديره حماس

يبدو لنا وللمراقبين لواقع المفاوضات والاتفاقيات الأخيرة بين الحركتين أن حماس لا تريد أن تتحمل مسؤولية تعطيل مسار الحوار الفلسطيني من أجل المصالحة ولا تريد أن تكون خارج إطار الانتخابات وذلك رغم من موقفها المعارض للمفاوضات وهي تبدي رغبتها في الدخول للشراكة والاندماج في النظام السياسي الذي من المأمول ان يسعى الى التقارب الفلسطيني

الإعلان عن إجراء الانتخابات الفلسطينية المقبلة لقى اهتماما إقليميا ودوليا حيث رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ودعا السلطات الفلسطينية إلى تسهيل وتعزيز ودعم المشاركة السياسية للمرأة في جميع مراحل الدورة الانتخابية كما أعرب عن أمله في أن يسهم إجراء الانتخابات في استئناف العملية نحو حل الدولتين المتفاوض عليه على أساس خطوط ما قبل عام 1967وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والاتفاقيات الثنائية والقانون الدولي

عودة حماس مجدّداً للموافقة على الذهاب إلى هذه الانتخابات بشروط الرئيس عباس وبالركون إلى الضمانات التي قدمتها بعض الدول لا ينم وبالنظر إلى السياقات السابقة عن اقتناع كامل في المقابل تذهب بعض الآراء إلى أن قبول حماس بانتخابات غير متزامنة فيها تكتيك سياسي لمواكبة مجيء إدارة أمريكية جديدة ومحاولة تأهيل نفسها أمام هذه الإدارة وتحصين نفسها بشرعية انتخابية جديدة في ظل وضع عربي مترد مستغلة في ذلك فشل مشروع فتح السياسي وخلافاتها الداخلية المعقدة وفي الوقت نفسه مستفيدة من عدم اشتراط إنهاء سلطتها على غزة أولاً

إنّ الذهاب إلى انتخابات تشريعية وإنجاز تلك الانتخابات دون ضمانات كافية لإعادة بناء المجلس الوطني وضمن هذه السياقات المذكورة، من شأنه أن ينفتح على مخاطر متعددة تعرقل مسيرة الحوار والمصالحة من جديد

العامل الإسرائيلي حاسم في إجراء هذه الانتخابات ولا يمكن أن يسمح إسرائيل بالانتخابات كما يرى عدة مراقبون إلا إذا ضمنت أن الانتخابات ستكرس وظيفة السلطة وتحافظ على الانقسام أو تجر حماس أكثر إلى متطلبات الاندماج في السلطة

حماس كذلك ليست هي في أحسن أحوالها فجهازها التنظيمي مفكك في الضفّة والاحتلال يلاحقها بضراوة وهو ما سينعكس على قدرتها على إدارة كفؤة للعملية الانتخابية كما أنّ الحصار وما عانى منه قطاع غزة قد يؤثّر على فرصها هناك إلا إذا خاضت الانتخابات على قائمة وطنية تضم فتح مما يستدعي منها تنازلات في برنامجها السياسي المستقل أو أن تخوض الانتخابات منفردة في مغامرة محفوفة بالمخاطر السياسية وفي خوض الانتخابات في قائمة مشتركة فان من شأنه أن يمنع الاستقطاب ويعزز الوحدة المجتمعية ويحل مشكلات حماس التنظيمية في الضفة الغربية

الفلسطينيون اليوم أمام استحقاق كبير وهام لأن وحدتهم هي الغاية والهدف والحل وكل ما عدا ذلك سيؤدي حتما إلى مزيد من الانقسام والتشرذم وهذا ما تريده إسرائيل وتعمل عليه وان رأب الصدع بين الحركتين ومواجهة الإخطار أولى من الخلافات

يذكر ان آخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي أُجريت في مطلع 2006 وأسفرت عن فوز حماس بالأغلبية
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات