هل ستنفعنا صداقة السيد وليم بيرنز ؟


منذ إعلان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن اختياره للدبلوماسي المخضرم وليام بيرنز البالغ 64 سنة ليتولى إدارة CIA " وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية " خلفا للمديرة الحالية جينا هاسبل سادت في الأردن الرسمي والشعبي أجواء غامرة من الترحيب والارتياح والترقب المأمول وقد كان طوال الأيام القليلة الماضية حديث النخب والصالونات السياسية والمسؤولين الأردنيين باعتباره صديق حقيقي للعرب عامة والأردن خاصة

إضافة لما يتمتع به الرجل من خبرة طويلة وإمكانات متميزة قادرة على تحقيق مستوى أفضل من " الأمن والسلام " للشعب الأمريكي والعالم فضلا عن طريقة تعامله المتزنة والنزيهة في تدبير المواقف وسعيه المأمول في تقريب وجهات النظر بين إسرائيل والفلسطينيين مع تلازم المسارين السياسي والأمني لضمان نجاح جهود استئناف عملية السلام المتعثرة منذ سنوات بسبب سياسات التعنت الإسرائيلي ومواصلة التوسع في بناء المستوطنات والسيطرة على القدس ومخططات ومشاريع ضم أجزاء من الضفة العربية وغور الأردن وغيرها

بيرنز الموصوف بذي الباع الطويل في الشؤون الخارجية شغل مراكز عدة حول العالم حيث عمل نائب سابق في وزارة الخارجية وسفيرا للولايات المتحدة لدى روسيا وقبلها بين 1998 إلى 2001 لدى الأردن ورئيس المفاوضين في المحادثات السرية التي مهدت الطريق في 2015 للاتفاق النووي الإيراني وهو يشغل منذ 2014 منصب رئيس مؤسسة للسلام الدولي وقد سبق له ان خدم في كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية ونال احترام وافر في داخل أمريكا وخارجها

وقد شكل اختياره مفاجأة بعدما كان من المتوقع ترشيح شخصية مرموقة من داخل الوكالة لشغل هذا المنصب الرفيع وفي جلسة الاستماع والمناقشة التي عقدتها لجنة الكونغرس قبل المصادقة على توليه المنصب تحدث بيرنز عما سماها " الطموحات المشروعة " للإسرائيليين والفلسطينيين وأكد في الوقت نفسه على " الالتزام الأميركي الثابت بحماية أمن إسرائيل " ومن المعلوم أن الإسرائيليين لا يحبونه ويفضلون التعامل مع مسؤولين آخرين غيره لا يرون القضية الفلسطينية إلا بمنظار تل أبيب فقط

وفي حال صادق مجلس الشيوخ على تسميته سيكون بيرنز أول دبلوماسي مخضرم يدير السي آي إيه الوكالة الأمريكية العملاقة لمكافحة التجسس والتي يعمل فيها 21 ألف شخص فهو ليس سياسيا ولا عسكريا ولا شخصا من أوساط الاستخبارات على غرار أسلافه وقد جاء تعينه ضمن توجه جديد لإدارة الرئيس بايدن نحو تغليب الجانب السياسي على المسار الأمني

وفي مقال له نشر عام 2019 تحدث بيرنز عن المنطقة وعن الأردن بصفة حصرية حيث حذر من الوضع الاقتصادي والسياسي المنحدر في الأردن واستخدم كلمة الأردن مهدد بالانقراض واعتبره الشريك الموثوق والذي لا بد من مساعدته في كل الأحوال وأضاف بان غياب مشروع " حل الدولتين " سيؤدي إلى مضايقة الأردن وبالتالي تقويض الأمل بعملية السلام والأهم أنه سيخدم " الخيار الفوضوي " المتمثل بإقامة الوطن البديل في السيناريو الإسرائيلي وقد حذر منه مرات عديدة كصديق للسلام وللأردن والأردنيين

يؤمن بيرنز بضرورة تحديد الأهداف والغايات المبنية على أسس مؤتمر مدريد وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والمبادرة العربية ومعالجة قضايا الوضع الدائم والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه حول قضية اللاجئين الفلسطينيين وصولا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة جنبا إلى جنب مع إسرائيل وان أمريكا يجب إن تأخذ بعين الاعتبار وبشكل واضح مخاوف ومصالح الأردن في ما يتعلق بقضية اللاجئين والمسائل الأخرى ذات الاهمية

ويؤكد دائما بانه على امريكا الاستمرار في دعم عملية التحديث الاقتصادي والانفتاح السياسي في الأردن والالتزام بتحقيق اتفاقية الوضع النهائي ويقول ليس لدينا ( شريك أفضل في هذا الجهد من جلالة الملك عبدالله الثاني ) وان الأردن يشكل عاملا أساسيا وحيويا لتحقيق السلام والاعتدال في هذه المنطقة ومن المهم جدا أن لا تقرر واشنطن أي شئ في المفاوضات المقبلة بالنيابة عن الفلسطينيين والإسرائيليين لكنها في ذات الوقت معنية بتذليل العقبات وإحراز التقدم المطلوب للوصول إلى حل دائم

وليام بيرنز خبير متمرس في شؤون الشرق الأوسط وقد عايش وعاشر الأردنيين وأكل من زادهم أربع سنين سفيراً لبلاده في عمان وكعادة السفراء الأميركيين قام بالتفاعل مع المجتمع المحلي ونخبه المختلفة ولم تقتصر علاقاته على المسؤولين ووزارة الخارجية وقل أن تجد إعلامياً أو سياسياً أو رجل أعمال لم يلتق به في دعوة عامة أو في المناسبات الوطنية الأميركية أو في الدعوات الخاصة

وقد كان باستمرار يتنقل بين القرى والبوادي والأرياف محبا للملك والأردن والعشائر والجنوب ومعان تحديدًا ويمتلك علاقات وثيقة وممتدة مع عدد من الشخصيات السياسية والنخب الأردنية وفي مقدمتهم الوزير الأسبق الدكتور مروان المعشر والذي عمل نائب له في مؤسسة كارينغي للسلام الدولي ( مركز أبحاث معني بالشؤون الدولية ) عندما كان السفير المتقاعد بيرنز رئيسا له وحينما كان يزور الأردن بعد تركه السفارة يعتبر منزل المعشر مكانه المريح هذا ويصفه معظم أصدقاء في عمان تقربا وتحببا بالسيد ( بيل )

وفي إطار الحفاوة والابتهاج بتعين بيرنز مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أعاد بعض الأردنيين إحياء مواقفه الرافضة لصفقة القرن ولمشاريع المحاصة السياسية التوسعية إضافة إلى تصريحاته المساندة للأردن باعتباره بلداً حليفاً تاريخياً موثوقاً للولايات المتحدة يستحق الدعم السياسي في مواجهة نتنياهو كما يتذكرون انه الشخص الذي منح ثلاثة من رموز الحركة الإسلامية الأردنية تأشيرات زيارة لواشنطن في وفت سابق

فهل يكون بيرنز في منصبه الجديد وانتقاله الى العالم الأكثر غموضا وسرية داعما وعونا للأردن بعد السنوات العجاف لترامب الذي لم ير في المنطقة غير مصالح إسرائيل ومن سار في ركابها ولم يكن في وارده فرض أي حلول على نتنياهو لكنه حاول فرض صفقة القرن على الأردن ولم تكن عمان من محطاته ولا حتى محطة مفضلة لصهره كوشنر ولم يكن الخطاب الرسمي الأردني عن القضية الفلسطينية يعني له شيئاً في أي من مضامينه ( لا حل الدولتين ولا ضم أراض فلسطينية ولا عن اللاجئين والقدس ) والأردن الذي ظل متمسكاً بموقفه التقليدي من القضية الفلسطينية وحل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وصون مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني يتلظى الآن بين ناري نتنياهو وحلفائه من بعض العرب المتحمسين للرؤية الصهيونية أكثر من ترامب نفسه صاحب الإرث السيئ

يوصف المدير الجديد لسي أي إيه على نطاق واسع بأنه متزن ونزيه في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي حيث لم يكن يوما منحازًا لطرف ما ويعتبر مكسب للعرب والقضية الفلسطينية وعلاقته في الأردن ممتازة وفي غاية التقدير وتربطه صداقة مع جلالة الملك عبدالله وعنده محبة خاصة للكيان والمكان الأردني في معان والبتراء ووادي رم والصحراء وغيرها وله اهتمامات واضحة بتقوية وتصليب الجبهة الاقتصادية الأردنية وهو أحد أبرز أقطاب الحزب الديمقراطي الداعين دوماً إلى زيادة مستوى ومنسوب وحجم المساعدات الأمريكية للأردن تحت عنوان ( الأردن بلد مهم جداً ولا ينبغي أن يترك وحيداً ) في مواجهة تحدياته المختلفة وفي مقدمتها الاقتصادية

قد تكون الفرصة بالنسبة لنا مواتية وأفضل من أي وضع مضى مع الإدارة الأمريكية الجديدة وربما المساعدات مقبلة لكن ما هو ضروري جدا أن نجيد نحن الاستثمار بعقلية واقعية وناضجة في ( المكانة الرفيعة التي يتمتع بها الأردن وقيادته ) ودوره المحوري في المعادلة السياسة الأمريكية الجديدة وفتح الأفاق في عمق جبهة الديمقراطيين الذين سيحرصون على إدامة الدعم والتحالف والصداقة وتغيير المعادلة التي كانت مرهقة جداً لبلادهم مع الرئيس السابق دونالد ترامب

ومن الضروري جدا الفهم الدقيق لمطالبتهم الديمقراطية والمبادرة إلى ( نهج الإصلاح السياسي والإنصاف الاجتماعي وحريات التعبير ) واختيار ( شخصيات ماهرة وكفوءة لتحقق مكاسب نتيجة تلك الصداقة التي صنعتها سابقاً سمعة الدولة والأداء الأمني وقبل ذلك مبادرات ومواقف القيادة الهاشمية كمرجعية ) كانت دائما قادرة على التعامل والتفاوض بأسلوب ناجح ومثمر نتيجة لدور جلالة الملك وعمق فهمه للسياسة الدولية

وليام جيه بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الجديد حاصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة " لاسال " ويحمل شهادتي الماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية من " جامعة أكسفورد " البريطانية وحاصل على ثلاث شهادات دكتوراه فخرية وقد احتل أعلى رتبة في السلك الدبلوماسي الأمريكي كسفير " متمرس" وهو السفير المتمرس الثاني فقط في التاريخ الذي أصبح فيه نائباً لوزير الخارجية وقد أدرجته مجلة تايم الأمريكية في 1994على لائحة أول 50 قائداً أمريكياً واعداً دون سن الـ40 وعلى لائحة القادة الـ100 في العالم من الشباب وقد اعتبر وبشكل واسع أحسن مسؤول في الخدمات الخارجية في جيله ويجيد من اللغات الروسية والعربية والفرنسية

وأخيرا قد يقول البعض بان امريكا دولة قانون ومؤسسات تقدم مصالحها الإستراتيجية على صداقاتها الفرعية مع المسؤولين في أي من دول العالم ولا يمكن الاعتماد على الصدقات والعلاقات الشخصية في السياسة الدولية مذكرين بكيفية تخليها عن شاه إيران وحسني مبارك وبن علي وعلي عبد الله صالح وغيرهم وفي المقابل ربما يكون مخطئ من يظن ان العلاقات الشخصية مع الدبلوماسيين ليست ذات فائدة فهي ان لم تستطع قلب النتائج فعلى الأقل يمكنها ان تقلل من الخسائر
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات