الرحمة والرفق بعمال الوطن


الصورة غير اللائقة التي نشرها أولا موقع وكالة جراسا ومن ثم بعض المواقع الإخبارية وحسابات التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة وهي تظهر عمال وطن مكدسين أثناء وضعهم في صندوق مركبة مخصصة لنقل النفايات تابعة لأمانة عمان الكبرى في منطقة الشميساني لهي مؤسفة جدا وغير مقبولة وليست حضارية بما تشكله من خطر على حياتهم وأهانه كبيرة وواضحة بحقهم وهم الأولى بالعناية والرعاية الإنسانية والمعاملة الأخلاقية الحميدة وقد أحسنت أمانة عمان وبحسب ناطقها الرسمي ناصر الرحامنة بتشكيل لجنة تحقيق للنظر في الواقعة و ( ما نأمل أن لا تكون كسابقاتها من اللجان بلا قرارات أو نتائج ) وان تتخذ الإجراءات العاجلة والرادعة بحق المخالفين لاجتثاث وإنهاء مثل هذه الظواهر السلبية والتصرفات المسيئة وغير المسؤولة التي تكررت كثيرا وفي أماكن مختلفة من أرجاء العاصمة والبلديات الأخرى مع ضرورة تأمين العمال مستقبلا بحافلات لنقلهم إلى أماكن عملهم بسلام وأمان

عمال الوطن وجوه نراها كل يوم منذ أول النهار حتى آخر اليوم وفي حر الشمس ولفح البرد وفي أيام العطل وحتى في أوقات الحظر يجوبون الشوارع والأزقة ( وأنت أخي لا زلت تداعب أحلامك على سريرك ) وللأسف فان البعض من الناس يتقززون منهم وهناك من يحتقرهم ومنهم من لا يتوانى عن توبيخهم ويسخر من ملابسهم الرثة وأجسادهم الهزيلة وبالطبع توجد فئة عريضة في وطننا الخير من أهل الخلق والكرامة والإنسانية ينظرون إليهم بعين الرحمة والشفقة والتقدير لدورهم الكبير في نظافة المجتمع وإظهار الوجه الجميل للمدن والقرى والأرياف والبوادي والمخيمات

ربما لا يرى الكثيرون عمال النظافة يوميا كفرسان في الميدان لكن أثرهم واضح وهم يقومون بتنظيف الشوارع من مخلفات القمامة معرضين أنفسهم للأمراض والأوبئة والروائح النتنة والجراثيم المختلفة خاصة في ظل انتشار فيروس كورونا وقبله وهم يمارسون عملهم بشرف وإخلاص ويتعبون لساعات طوال وبأجور هزيلة لا تحقق لهم الأمان المادي لتغطية مصاريفهم اليومية ولا تكفل لهم الضرورات الحياتية فضلًا عن الضغوط النفسية التي تتعلق بالنظرة الدونية التي يرمقهم بها البعض من ذوي السلوكيات الخاطئة حيث يلقبونهم بكلمات معيبة تثير استياء السامع نترفع عن ذكرها

لا يمكن لعاقل أن يختلف على الدور الهام الذي يقدمه عمال النظافة للمجتمع والمهمة الشاقة التي يتحملونها لتتحول شوارعنا من القبح إلى الجمال وهم الأقل دخلا والأكثر جهدا ولو تغيبوا عن العمل لمدة يومين أو ثلاثة ماذا سيحصل دعونا نتخيل بكل تأكيد لن نستطيع الجلوس في منازلنا الفاخرة أو المتواضعة بعدما تحيط بنا أكوام النفايات وتغمرنا الروائح الكريهة وتغزونا أسراب الذباب والبعوض لذلك علينا أن نحترم ونقدر الجهد الذي يقدمه عمال الوطن لخدمة المجتمع وواجب علينا ديني وأخلاقي وأنساني ووطني الرفق بهم ومعاونتهم في أداء مهمتهم وواجبهم الذي هو بالأساس خدمة عامة حتى وإن كانوا يتقاضون أجرا عليه ولولا أن سخرهم الله تعالى لهذه المهنة لامتلأت البلاد بالأمراض والأوبئة ولهلك الناس واستحالت الحياة

الرفق بعمال النظافة يبدأ من الحرص على عدم إلقاء القمامة في الشارع والأرصفة او تفريغها في الساحات او بجانب الأسوار دون إيصالها إلى حاوية جمع القمامة وما ينم ذلك عن تصرف أحمق وأنانية مفرطة وسوء تقدير وهنا لا بد من إلزام جميع المحال التجارية والمولات والمطاعم والكافيهات بضرورة تخصيص صناديق قمامة كبيرة على أبوابها حتى يتسنى لعمال الوطن التعامل معها بالصورة التي تليق بهم ولكي لا يتم تشويه صورة الشوارع وتحويلها إلى بيئة ناقلة للأمراض والعدوى فضلا عن المشهد المقزز الذي غالبا ما نشاهده في الصباح الباكر أو المساء بعد نهاية الأعمال وتذكر دائما أخي المواطن الكريم ( أن كل ورقة ترميها على الأرض ينحني لها رجل في عمر أبيك ليلتقطها )

هناك العديد من الناس لا يدركون حجم مخاطر التنظيف والأمراض التي يتعرض لها عمال الوطن من بكتيريا وسموم وأن جهلنا بهذه المخاطر ربما هو السبب الرئيسي لعدم تفهمنا عملهم كجنود مجهولون يبذلون أعمارهم وأوقاتهم بعيداً عن تعاون المجتمع معهم فإليهم يرجع الفضل الأول في نظافة وجمال بيئتنا وهنا نستذكر شعارا نعتز به دائماً ( حضارة الشعوب في جمال بيئتها ) فكل الشكر والتقدير والثناء لعمال الوطن ( مهندسو الجمال والرونق ) ولتلك الأيادي التي تغرس وتكنس وتنظف دوام الصحة والعافية ولا تنسى وأنت تمر على عامل الوطن في شارعك أن تبتسم في وجهه وتشكره وتكرمه بشربة ماء باردة تروي ظمأه أو فنجان من الشاي او القهوة أو العصير يراه شيئا عظيما يدخل السرور إلى نفسه

احترموا مهنة عامل الوطن وخففوا عنه الجهد في التنظيف على الأقل بإلقاء القمامة في مكانها المخصص وليس في الشارع العام وعلموا وربوا أولادكم على احترام العامل وتقديره وأن يبتعدوا عن الاستهزاء به وأن يتعاملوا معه بذوق وأدب داعين الجميع إلى تجسيد الرحمة والتواضع والإنسانية تجاه عمال الوطن ووجوب التعامل الحسن معهم ومراعاة الله فيهم وعدم احتقارهم فأقل شيء تفعله معهم قد يدخل السعادة والأنس إلى قلوبهم والعكس صحيح

وجميعنا يتذكر عامل الوطن خالد الشوملي الذي ظهر في صورة يقف خلف زجاج أحد المقاهي ليشاهد مباراة المنتخب الأردني مع منافسه الأسترالي في كأس آسيا لكرة القدم حين دعاه جلالة الملك عبد الله الثاني إلى القصر الملكي لحضور مباراة المنتخب الأردني مع الفريق السوري لكرة القدم بمعيته وولي عهده الأمير حسين بن عبد الله ( تحية من القلب لجلالة الملك عبد الله وهنيئا للشعب الأردني إنسانية الملك )

عامل الوطن ينتظر من المسؤولين ضمان حقوقه وحسن معاملته لعيش عزيزا كريما وينتظر من المواطن ابتسامة ورقيا بالأخلاق حتى يستقيم ظهره الذي انحنى لإماطة الأذى عن الطريق و تذكر جيدا أن تعلم صغارك على أن ( خادم القوم سيدهم ) ولا عيب في مهنة شريفة بل العيب كل العيب في عقولنا وتربيتنا وإنسانيتنا القاصرة لدى البعض

وحيث إننا إمام سابقة هي الأولى من نوعها تعيش معظم دول العالم حالة طوارئ صحية غير مسبوقة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد وعمال الوطن هذه الأيام وفي هذه الظروف الاستثنائية المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية هم خط الدفاع الأول لتعقيم الشوارع والمحطات والطرق والفضاءات العامة الأخرى مما يؤكد أكثر أهمية دورهم ومكانتهم وحاجة المجتمع إليهم

وما يحز في النفس أكثر أننا امة من أتم مكارم الأخلاق و لطالما ردد على مسامعنا أن الإسلام دين الرحمة ولا اختلاف على وجوب تقدير كرامة كل عامل كيفما كان مستواه التعليمي أو الاجتماعي فالمعاملة بالرفق واللين حق لكل إنسان حيث قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) فأين نحن إذن من تطبيق تعاليم ديننا الحنيف في هذا الأمر وغيره

ختاما لقد أثارتني ذات يوم متابعة تجربة " كوكب" اليابان بإحدى حلقات برنامج "خواطر" المتعلقة بالنظافة وكل تلك العناية المخصصة لعامل بمسمى من درجة " مهندس صحي " يصل راتبه إلى 8000 دولار أمريكي شهريا و الأغرب من ذلك أنها مهنة تستوجب اجتياز اختبارات تنافسية كتابية وشفوية ومعرفة بالسوك والتعامل لنيل شرف العمل فيها عن جدارة واستحقاق
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات