نانسي بيلوسي المرأة التي مزقت عرش ترامب


بثقة عالية وصلابة فولاذية وبحنكة فائقة وحسن تدبير منظم وبندية متوازية وتحدي صارخ استطاعت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي ان تحيل حياة وعمل وسياسات وقرارات وصداقات وخاوات الرئيس دونالد ترامب الى هباء منثور وجحيم لا يطاق وعذاب لا يحتمل وتخبط لا ينتهي بما ملكت من جراءة وشجاعة وقوة جعلته غير قادر على المواجهة والاستمرار أمام الضربات الفنية القاضية من قبل امرأة وصفت بالحديدية والذكية والسليطة والشرسة والقوية والشجاعة في الدفاع عن حزبها ونهجها ومسار الديمقراطية ومكانة وسلامة بيت الشعب الأمريكي " الكونغرس " من كل عبث واستغلال وصبيانية

ولدت نانسي باتريشا داليساندرو البالغة من العمر 78 عاما في بالتيمور في عائلة تضم سياسيين جذورها إيطالية والدها وشقيقها كانا رئيسي بلدية مدينة إيست كوست الساحلية وبعد دراستها العلوم السياسية في واشنطن انتقلت مع زوجها رجل الأعمال المليونير إلى سان فرانسيسكو ولديها خمسة أولاد وقد احترفت السياسة في عمر الأربعين عندما غادر أبنائها جميعهم البيت وفي 1987 ترشحت أولا في دائرة انتخابية يسيطر عليها تقليديا الديمقراطيون لشغل مقعد في مجلس النواب وفازت بجدارة ولم تفقد المقعد منذ ذلك التاريخ

بعد تنصيبها عام 2019 رئيسة لمجلس النواب الأمريكي وقائدة للديمقراطيين أصبحت الشخصية الثالثة في هرم السلطة بعد الرئيس ونائبه وقد كانت أول مهامها بتحد دونالد ترامب بدأت بالتصويت على القوانين المؤقتة للميزانية التي تسمح باستئناف العمل في الإدارات الأميركية التي توقفت بسبب الإغلاق الحكومي الذي اقره ترامب انذاك إضافة إلى منع تمرير قوانين يطرحها الجمهوريون وتعطيل وتصعيب الكثير مما على أجندة ترامب من مقترحات لخفض ضريبي جديد وبناء جدار على الحدود مع المكسيك وأرغامه على تأجيل خطابه السنوي إبان أزمة إغلاق الحكومة الفيدرالية ولهذا اعتبرها الرئيس ترامب اشد والد اعدائه

وقد تصدرت نانسي بيلوسي قبل أيام قليلة عناوين الأخبار من جديد بعد فوزها بولاية رابعة كرئيس لمجلس النواب وخلال جلسة إعادة انتخابها هاجم مجهولون منزلها في كاليفورنيا ووضعوا خارجه دما مزيفا ورأس خنزير كما رسمت جداريات على منزل في كنتاكي يعود لزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل

تعد بيلوسي بلا جدل من الأكثر حنكة بين القادة السياسيين من جيلها وقد حازت على لقب أقوى امرأة في السياسة الأميركية معتمدة على حسها الاستراتيجي بمهارة خاصة بعدما قادت قانون الرعاية الصحية الذي طرحه الرئيس السابق باراك أوباما في المجلس وساهمت بشكل مباشر في تمريره التاريخي الشائك عام 2010

حرب التصريحات والتوصيفات والكلمات النابية بين نانسي وترامب لم تتوقف في أي لحظة وبقيت مشتعلة في كل الأوقات وجميع الأماكن وبأقصى العبارات وأحطها ففي لقاء مع مجلة بوليتيكو قالت لفريقها إنها تخطط لسحب ترامب من ( شعره ويديه الصغيرتين ورجليه لكي يخرج من البيت الأبيض ) وبقيت في كل مرحلة ترفع في وجهه سيف عزله من منصبه وفتح تحقيقات برلمانية بحقه حول الشكوك بتواطئه وفريقه مع روسيا في حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016 على أملها ان يخرج منها مهشما كما أشارت الى إن قرار الابتعاد عن محادثات حزمة المساعدات لمواجهة فيروس كورونا يظهر أن ترامب غير راغب في القضاء على الفيروس ويؤكد احتقاره للعلم وقد جعل البيت الأبيض في حالة فوضى تامة وقد وصفت نانسي خطوة ترامب بترك اسمه على شيكات التحفيز الاقتصادي للأميركيين بالمعيبة كونها ستتسبب بتأخير الدفع لملايين العائلات والشركات التي تعاني جراء جائحة فيروس كورونا

وضمن الشجار المستعر والمتواصل بين بيلوسي وترامب فقد شبهته في إحدى توصيفاتها بطفل ( يدخل والطين على سرواله وعلى حذائه براز كلب ) وقد جعلت بيلوسي من سنة 2019 أسوأ سنة سياسية وشخصية لترامب وعائلته كما وصفت فترة حكمه بالرئاسة الامبريالية وأكثر من مرة كالت له الصاع صاعين

ولا يغيب عن الذاكرة يوم 4 شباط 2020 حين امتنع ترامب عن مصافحة بيلوسي وهو يعطيها نسخة من خطاب حالة الاتحاد وردا عليه وتسفيها له قدمته بدون ذكر اسمه الشخصي وبعد انتهاءه مباشرة من إلقاء الخطاب أمام مجلس الشيوخ ووسط تصفيق حار من الأعضاء الجمهوريين بدأت بيلوسي وهي غاضبة بتمزيق خطاب الرئيس بل عادت ومزقت نسخة ثانية منه وألقت الأوراق على الطاولة لتنتقم منه في ملعبه وإمام أعضاء حزبه ثم قالت إن هذا التصرف كان الأكثر تهذيباً بالنظر إلى الخيارات الأخرى

وإمعانا منها في استفزازه ومحاصرته قالت إن المعلومات التي كشف عنها كتاب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون تظهر أن الرئيس ترامب غير لائق وغير مستعد فكريا ليكون رئيس الولايات المتحدة وأن الديمقراطيين سيواصلون مراقبة سلوكه ومن الواضح أنه غير لائق أخلاقيا خاصة بعد طلبه صراحة من الرئيس الصيني شي جين بينغ المساعدة في إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية

وقد طلبت بيلوسي سابقا التحقيق من قبل اللجان المختصة في بمجلس النواب من قضائية واستخباراتية ومالية سوف تطال نواح عديدة يعتبرها ترامب خطوطا حمراء من بينها على سبيل المثال مطالبته بالكشف عن سجلاته الضرائبية والحصول على مختلف الوثائق المتعلقة بمحاولته التغطية على تحقيق روبرت مولر والاتهامات الموجهة إليه وعائلته بالفساد المالي والإثراء غير المشروع عبر استغلاله لمنصبه الرسمي وتجميده 400 مليون دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا ما أثار تكهنات بأنه يستخدم المال كوسيلة ضغط للحصول على معلومات عن بايدن ونجله وطلبه المساعدة من حكومة أجنبية لتقويض خصمه الديمقراطي وقالت بيلوسي إن مثل هذه الأعمال ستشكل " خيانة لقسم منصبه الرئاسي " وقالت لا أحد فوق القانون

بيلوسي ليست جديدةً على المواجهات مع الرؤساء الجمهوريين، فمنذ سنوات بعيدة خاضت معركةً شرسة مع الرئيس جورج بوش الابن تتعلق بمسألة تمويل حرب العراق
ومع خسارة ترامب للانتخابات الرئاسية الأخيرة وتمسكه بالادعاء بان الانتخابات مزورة وإنها سرقت منه وانه هو الفائز قانونيا وانه لن يترك منصبه اتسعت رقعة الخلافات والمواجهات بين ترامب والديمقراطيين بشكل عام وبيلوسي بشكل خاص كونها في المنصب الأقوى والأقدر على التصدي لرعونته وسطوته واستبداده وفي سبيل ذلك حشدت الديمقراطيين وبعض الجمهوريين الى جابتها لقصم ظهر ترامب وهزيمته بأي وسيله كانت

ورغم أنه لم يتبق له سوى أيام معدودات في المنصب ولمنعه من القيام بأي عمل متهور أو مجازفة غير محتملة ومن اجل تضييق الخناق عليه وإبطال قراراته تحدثت رئيس مجلس النواب بيلوسي مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي حول الإجراءات الاحترازية لمنع ترامب من القيام بأي أعمال عدائية أو إصدار أمر بشن ضربة نووية وقالت في رسالة بعثتها لأعضاء مجلس النواب الأمريكي" الوضع المتعلق بهذا الرئيس المختل لا يمكن أن يكون أكثر خطورة مما هو عليه الآن علينا أن نفعل كل ما بوسعنا من أجل حماية الشعب الأمريكي من هجومه غير المتوازن على بلادنا وديمقراطيتنا ) وانه لا بد ان يواجه عواقب جنائية بسبب الاضطرابات الأخيرة في مبنى الكابيتول وقد وصفته بأنه مختل ومضطرب وخطير على امريكا

كما استثمرت بيلوسي وفضحت المكالمة التي دامت نحو ساعة بين ترامب وسكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافينسبرجر حيث طلب ترامب فيها منه إيجاد أصوات كافية لإبطال فوز بايدن في الولاية وقد رفض ذلك

وأخيرا سقط عجل بني إسرائيل وثور امريكا الهائج في شر نواياه وإعماله وجر نفسه الى حبل المشنقة بيديه في يوم " الأربعاء الأسود " بعدما دعا مناصريه الى التواجد إمام مبنى الكنغرس وتنظيم مظاهرات كبيرة للاحتجاج على جلسات موافقة مجلس الشيوخ على نتائج المجمع الانتخابي بصورة نهائية وإعلان جو بإيدن الرئيس الفائز وما رافق ذلك من اقتحام أنصاره لمبنى الكنغرس والعبث بمحتوياته حيث اتهم ترامب بالتحريض على العصيان والدعوة لإعمال عنف والتمرد المسلح والتشجيع على أعمال الشغب بين الأمريكيين

وبعد خطابه وتهييج مناصريه اقتحم المئات من مثيري الشغب المؤيدين له مبنى الكابيتول رمز الديمقراطية الأمريكية ومقر المجلس التشريعي حيث جرى إطلاق أعيرة نارية كما قتل خمسة أشخاص بينهم شرطي وجراء ذلك طلب بعض الأعضاء الديمقراطيون اخضاع ترامب للمحاسبة البرلمانية للمرة الثانية إذا لم يستقل طواعية وعلى الفور

ومؤخرا أصدرت بيلوسي تعليماتها إلى لجنة القواعد بمجلس النواب للمضي قدما في اقتراح المساءلة وسن تشريع مستعجل استنادا إلى التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي الذي ينص على إقالة الرئيس إذا كان غير قادر على أداء مهامه كأمر ملح وبالغ الأهمية للمساعدة والإسراع في عزله بسبب تصرفاته الخطير ولتكثيف الضغوط على نائبه مايك بنس والحكومة للتحرك للإطاحة به قبل انتهاء ولايته بعد أقل من أسبوعين والتي توشك على الانتهاء في 20 كانون الثاني الجاري عندما يتم تنصيب الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن بالرغم من معارضة بنس فكرة استخدام التعديل المذكور للإطاحة بترامب

ومن المستبعد أن يقدم ترامب على تسليم السلطة بهدوء وسلمية وفقا لسلوكه الذي يتسم بالتحدي والمواجهة ويذكر ان الرئيس ترامب خضع للمساءلة من قبل وإذا نجحت مساعي الديمقراطيين الذين لهم الأغلبية في مجلس النواب هذه المرة فستكون سابقة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة إذ لم يخضع أي رئيس من قبل للمساءلة مرتين

الرئيس ترامب كان طيلة حكمه في قمة الوقاحة والهبوط، وجميع قراراته وتصرفاته متهورة ولم تكن من شيم الرجال والكِبار والمواجهة بينه وبين المرأة الحديديّة ستستمر في مجلس النواب وخارجه وستزداد شراسةً مع اقتِراب مع قرب رحيله ومثلما جاء فوز ترامب قبل ابرع سنوات على عكس كُل التوقّعات فإننا لا نستبعد ظهور مفاجآت مماثلة اغرب وأخطر وبعيدة عن الواقع فهو كالتيفال لا تلتصق عليه إي تهم وينهك مناهضيه ورغم انه بلا معرفه او ثقافة او مضمون لكنه ممثل بارع يعرف كيف يتفوق على خصومه بالشعبويه وكل ما قاله ويقوله ترهات كذب لا تستحق الحفظ بل التمزيق

وقبل يومين دعت رئيس مجلس النواب نانسي بيلوسي الى تجريده من الزر إمعانا في إهانته وتقزيم دوره واعتباره أنه لم يعد أهلا لاتخاذ القرارات العسكرية ليكون أول رئيس يتعرض لمثل هذا الإجراء ولكي لا يرتكب أي حماقة جديدة

الرئيس ترامب كرس جهده طوال أربع سنوات عجاف لخدمة إسرائيل ومعاداة العرب والمسلمين والإساءة لقضياهم العادلة في القدس والجولان والضفة الغربية نودعه بوقاحة تشبه حاله ومنطقه وعلى طريقة المرأة الأمريكية الشجاعة ( جولي بريسكمان ) 52 عام التي استخدمت ( أصبعها الأوسط ) وهي تركب دراجتها الهوائية بجانب موكبه الرسمي في إشارة مهينة اليه خلال عودته من نادي الغولف في ولاية فرجينيا بعد الفوز بالانتخابات المحلية والتي طردت من عملها بعد الصورة التي انتشرت لها ثم عرض عليها الحزب الديمقراطي أن تمثله في الانتخابات المحلية القادمة بولاية فيرجينيا في حيث فازت على منافستها الجمهورية الامر الذي أهان ترامب أزعجه

نانسي بيلوسي شكرا جزيلا لمواقفك الشجاعة والنبيلة وربما في كل ما فعلت اوقلت كان فيه انتقاما لجزء مما في نفوسنا من كراهية وحقد على هذا الرئيس الأهوج الذي لابد من تخليص البشرية من نرجسيته وغروره وقذارته وشروره وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات