العرب وإسرائيل ومفهوم إدارة الصراع


توجد مفاهيم مختلفة لإدارة الصراع ما بين العرب وإسرائيل، فبعض الإطراف ترى إن تسوية الصراع تتم من خلال تخفيف حدته وتهدئته، وبعضها الآخر يرى أن تسوية الصراع يمكن تحقيقه باستحداث نظام للأمن الإقليمي يتم فيه تجميد الصراع من خلال خلق حالة من التهادن ونبذ العنف، في حين إن آخرين ينظرون إلى تسوية الصراع من خلال التوصل إلى السلام.
يتكلم الجميع عن مفهوم السلام لغاية الدعاية والتسويق ويطلقون عليه عبارة السلام العادل والشامل، ولكن أحدا لم يحاول أن يضع تصورا قابلا للتطبيق للسلام العادل، فصيغة الأرض مقابل السلام، ظلت غامضة ومبهمة، حيث لم يتم تعريف كم سيكون مقدار الأرض، وما هو حجم السلام المقابل لها.
إن السلام العادل والشامل هو ذلك الوضع الذي يتوصل إليه أطراف الصراع كبديل لحالة الصراع الراهنة، وفي ضوء الخلل الكبير في موازين القوى بين الأطراف المنخرطة في إدارة هذا الصراع، فان ذلك الوضع سيكون سلاما فريدا، أو سيكون سلاما مفروضا لأنه يتم بين قوى غير متكافئة، وفي هذه الحالة فان تحقيق حالة السلام العادل والشامل سيكون أمرا متعذرا. إن السلام لا يكون عادلا وشاملا إلا إذا توصلت الأطراف إلى صيغة لإزالة مصادر الصراع من أساسها وإعادة الحقوق إلى أصحابها غير منقوصة ، وهذا غير متوفر حاليا ولا يوجد توجه أمريكي لتحقيقه من حيث إن الولايات المتحدة عامل مهم جدا في إدارة هذا الصراع، إن تركيز بعض الأطراف وفي مقدمتها إسرائيل ومساندوها على بعض جوانب الصراع أو التركيز على الميول والاتجاهات من خلال مفهوم التطبيع، أو مقايضة أمور بأمور أخرى من دون العودة إلى إزالة مصادر الصراع الأساسية، إن هذا كله يعني إن مفهوم إدارة الصراع لدى إسرائيل لا يعني سوى الانتقال من ترتيبات تسوية إلى ترتيبات تسوية أخرى مؤقتة.
إن اخطر ما يمكن ملاحظته في حالة الصراع العربي الإسرائيلي، إن كافة الأطراف العربية والإسرائيلية والدولية قد قررت تجاوز مصادر الصراع الأساسية ونقل نقطة البحث في هذا الصراع إلى نقطة أخرى غير تلك التي بدأ منها الصراع، وهذا ينطبق أيضاً على الجانب الفلسطيني أيضاً، إن إعادة صياغة أهداف الأطراف المنخرطة في إدارة هذا الصراع بحيث تكون منقطعة الصلة بمصادر الصراع الأساسية، تعني إن الأطراف اختارت مفهوم السلام بمنطق تسوية الأمر الواقع كبديل لمفهوم إنهاء الصراع من جذوره.
إن إستراتيجية إسرائيل في إدارة الصراع كانت أبعاد الصراع عن مصادره الأساسية، بحيث يبدأ التفاوض دائما عند احدث نقطة في الزمان وابعد نقطة في المكان.
لقد أدار الإسرائيليون حملة إعلامية وسياسية مضللة لإظهار إسرائيل بدور الباحث عن السلام، ولكن المتابع لإستراتيجية إسرائىل الحقيقية وتطبيقاتها الميدانية يستطيع أن يدرك أن مفهوم السلام الإسرائيلي ليس سوى تسوية لمشكلات وضع قائم ، وليس إنهاء حالة الصراع، لقد نشأت نظم أمنية متفق عليها كبديل للتسوية السياسية الشاملة ما بين مصر وإسرائيل في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد وما بين سوريا وإسرائيل في أعقاب حرب عام ،1973 وكان يمكن أن تكتفي الأطراف بالنظم الأمنية القائمة، إلا أن تطورات عديدة حدثت في المنطقة والعالم، أدت إلى شعور هذه الدول الواحدة تلو الأخرى وبدرجات متفاوتة بالحاجة إلى رفع مستوى التسوية من المستوى الأمني إلى مستوى سياسي أعلى مرتبة ،ولكن ليس إلى مستوى السلام الشامل والعادل، وبمتابعة الأسباب التي أدت إلى رفع مستوى التسوية من إطارها الأمني إلى إطارها السياسي فلا بد للحديث من صلة.

Suleiman.nusairat@yahoo.com




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات