الطبخة الامريكية شاطت


ليس لأميركا أسرار، بل فضائح، تصيب كل من يتحالف او يتعامل معها او حتى يتقرب منها.

وليس لأميركا قيم او أعراف دبلوماسية، بل مجرد أحكام مسبقة مبنية على الجهل او الغطرسة، يعتمدها الاميركيون في إطلالتهم على العالم الخارجي.

زلازل (ويكيليكس) تضرب في كل مكان، تخرج حممها وتوزعها على العواصم وقصورها.

أعاصير (ويكيليكس) تجرف الأسرار بالجملة. حدث غير مسبوق من زاوية وفرة وضخامة المعلومات السرية التي فاقت الخيال.

............. كان العالم بحاجة إلى ثورة بحجم ثورة أكتوبر العظمى في بدايات القرن ليتعرف إلى النزر اليسير من الأسرار التي جعلت الشعوب تهيج وتموج. كانت بعض الشعوب بحاجة إلى الانتظار نصف قرن وأكثر بانتظار فتح جزئي لبعض الأرشيفات كي تتعرف إلى أسرار قليلة.واليوم ندعى لوليمه الأسرار الجديدة التي يتذوقها الجمهور والمتمثلة بنحو ربع مليون برقية وجهتها السفارات الاميركية في مختلف أنحاء العالم الى واشنطن، التي وزعها موقع «ويكيليكس»على عدد من الصحف العالمية الكبرى، هي فضيحة بكل ما للكلمة من معنى، تضع المسؤولين الاميركيين في موقع حرج، كما تضع محاوريهم من الحلفاء والأصدقاء في موقف دقيق.

(ويكيليكس) هز العالم شعوباً وحكومات بضربة واحدة، قنبلة رقمية واحدة هي أشبه بقنبلة نووية جرى تفجيرها في القرية العالمية وتواصل انشطارها وانتشارها. كم نحتاج من الوقت لقراءة 400 ألف وثيقة سرية. كم كتب وأفلام ومسرحيات ودراسات ومقالات ستعالج الأسرار وتقارن بين المعلن والمخفي وتكشف ما تحت المساحيق. في أواخر القرن التاسع عشر وضع الفلاسفة والمفكرون مهمة كشف المستور وتقديم أجزاء من الحقيقة من خلال قدح العقل والتفكير العميق. منذ ثورة المعلومات والاتصالات تراجع منهج التحليل لمصلحة تقديم المعلومات والوقائع التي يتم البحث عنها واستحضارها.

لم يخرق موقع «ويكيليكس» قوانين السرية الاميركية. جل ما فعله انه استفاد من وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة، وتمكن من اختراق شبكة رسمية داخلية تتيح لنحو مليون ونصف مليون اميركي الاطلاع على تلك البرقيات غير المصنفة سرية للغاية..
طبعاً بالاعتماد على مساعدة من داخل الشبكة، تبغي تعميم المعلومات على الجمهور الاميركي والعالمي، لكي يتمكن من مراقبة ممثليه في السلطة ومحاسبتهم على أدائهم. لم يكن القصد التشهير ولا الإساءة، بل القيام بأحد أهم واجبات الإعلام وأقدسها. وإذا تحول مضمون البرقيات الى سبب للمساءلة او المحاكمة فيكون ذلك جوهر الديموقراطية وفلسفتها الأبرز.

لكن المرجح أن تلك الوجبة من الوثائق الدبلوماسية الاميركية لن تؤدي الى إدانات او براءات، لا في واشنطن ولا في أي من العواصم المعنية بها. فما صار متاحاً على الإنترنت حتى الساعة لا يكشف الكثير من الأسرار ولا يفك المزيد من الألغاز، بل هو يعطي صورة حية، عفوية، صادقة، عن الاستعلاء الاميركي على الآخر، أياً كان، وعن القناع الذي يرتديه الدبلوماسيون الاميركيون في حواراتهم، ثم ينزعونه عن وجوههم، عندما يشرعون في كتابة تقاريرهم الخاصة الى رؤسائهم.

سبق للإعلام الاميركي نفسه أن كشف مضامين الكثير من هذه البرقيات التي تطفو الآن تباعاً على شبكة الانترنت. لكنه تجنب في الماضي التقييمات والاستنتاجات الشخصية التي كتبها الدبلوماسيون الاميركيون، حفاظاً على كرامة طرفي تلك الحوارات المغلقة. وكذا فعلت بالأمس صحيفة نيويورك تايمز الرصينة التي حصلت على البرقيات من موقع «ويكيليكس» وعمدت الى شطب بعض الأسماء.. التي يمكن العثور عليها على مواقع صحف الغارديان البريطانية او لوموند الفرنسية او الباييس الإسبانية او در شبيغل الألمانية.
كل ما نشر حتى الآن عن تقييم الدبلوماسية الاميركية لزعماء أجانب وعرب، أو عن تقدير المسؤولين والسفراء الاميركيين لهذه الشخصيات ومواقفها وتوجهاتها معروف ومتداول. لكنه كشف الآن في وثائق مكتوبة ومصورة وموضوعة على الإنترنت بشكلها الرسمي، الذي لن يعرض أحداً للخطر، كما هي الحال بالنسبة الى الدفعتين السابقتين من الوثائق اللتين نشرهما الموقع وغلب عليهما الطابع العسكري والأمني والاستخباراتي. لكن كثيرين في مختلف أنحاء العالم سيتوصلون إلى الاستنتاج بأن التحالف أو حتى التحاور مع أميركا أكثر كلفة بما لا يقاس من التصادم معها.. والتحول الى طبق على وليمة أسرارها المفضوحة.


pressziad@yahoo.com




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات