رسالة مفتوحة إلى نواب البرلمان الجدد


بداية أبارك لكم حصولكم على ثقة الناخبين الذين أوصلوكم إلى بيت الشعب وخولوكم التحدث باسمهم في مسؤولية عظيمة وأمانة ثقيلة عند الله والناس لا يقدر على حملها إلا من كان مؤمنا بمستقبل وطنه وصادقا مع نفسه ومتمسكا بمبادئه وقيمه ولكي ترسخ هذه الثقة الغالية في النفوس وتثبت أنها كانت في محلها وقدرها عليكم أيها " السادة النواب الجدد " أن تظهروا عاليا كفاءتكم ومقدرتكم وولائكم وأمانتكم وأنتم تتحدثون باسم قواعدكم الشعبية المختلفة تحت قبة البرلمان وان تعلموا جيدا إن موقع النيابة ليس وجاهة ولا مشيخة وما هو إلا رسالة تكليف صعبة ومحل اختبار دقيق لخدمة الوطن والمواطن وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة وسن التشريعات والقوانين التي من شأنها النهوض بالدولة في كافة والمجالات القطاعات

وحيث انتهى سباق الانتخابات النيابية الذي شهد منافسة محمومة بين المرشحين في جميع المحافظات ها نحن على بعد أيام قليلة لنشارف على بداية الدخول لمضمار برلمانيٍ جديد لأربعة أعوام قادمة حيث من المتوقع صدور الإرادة الملكية السامية بدعوة مجلس الأمة للانعقاد في 10/ 12/ 2020 ولدورة غير عادية تكون فيها رئاسة مجلس النواب لسنة واحدة وأن تعديل موعد افتتاح دورة المجلس جاء لغايات متعددة منها دواعي الشروع بمناقشة الموازنة العامة

لقد جاء إفراز مجلس النواب التاسع عشر في إطار انتخابات شكلت الكثير من الصعوبات والتحديات الوطنية وحملت العديد من التفاصيل والدالات والمعاني خاصة في ظل تنامي جائحة كورونا وتبعاتها السلبية المتعددة حيث أثبتت الأردن قدرته ونجاحه بحرفية استثنائية مشهودة في إجراء الاستحقاق الدستوري في موعدة المحدد وفقا للرغبة الملكية ويمكننا من خلال تدقيق النتائج واستطلاع أسماء الفائزين التأكيد على ان هذا المجلس جاء بقالب جديد وثوب مختلف وربما يكون له أيضا دور مغاير عن كل ما سبق

وفي مرحلة دقيقة وحساسة من عمر الوطن دخل المجلس 100 نائب جديد بمعدل 77% من مجمل تركيبة المجلس وبما يؤشر إلى نشوء حالة جديدة لدى الناخب الأردني تنزع نحو التغيير والتجديد والخروج من جلباب السلوك والتعاطي " التقليدي والنمطي " المعتاد حين كشفت نتائج الانتخابات النهائية عن رياح تغيير كبيرة من قبل الناخبين وتقديمهم وجوه جديدة ناهيك عن سقوط مروِع للعديد من النواب البارزين لمجلس النواب 2016 حيث كان لفئة الشباب وهم الأغلبية حضور واضح ودور متميز وحراك نوعي في الترشح والاقتراع ومواصلة المطالبة بالتغيير الايجابي وضخ دماء جديدة في المجلس القادم وهو ما عكس نضج وتطور الحياة السياسية والانتخابية في عموم المملكة

رسالتي إلى أعضاء مجلس النواب الجدد الذين حسموا مقاعدهم بأن يحفظوا ثقة الشعب بهم وان يلتحموا بشكل أكبر مع الشارع وألا يبتعدوا عنه وأن يعملوا على خدمة الجميع وليس أبناء دائرتهم فقط وأن يضعوا في الاعتبار المصلحة العامة للوطن وليس مصالحهم الشخصية وان يصطفوا مع الوطن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني من اجل بناء الأردن الحديث ورفع مستوى معيشة المواطنين فإذا اجتمع في المرء ( النبل وحب الخير وكرامة النفس والوقوف مع الحق فهذا قمة المواطنة والنجاح والتميز )

نعلم جيدا أن معظم النواب الجدد الذين فازوا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة لم يؤهلوا سياسيا أو تشريعيا ولم يسبق لهم المشاركة فى الانتخابات من قبل ولكي يؤدوا رسالتهم بمهنية ويقوموا بدورهم بأسلوب حرفي في الطرح والنقاش والمتابعة يحب عليهم أولا الاطلاع المتأني والمتعمق على الدستور والقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة وحتى كل الإجراءات المعمول بها في المملكة وأجهزتها المختلفة فهذا سيعزز من ثقتهم وقدراتهم ويقوي لديهم لغة وأسلوب الحوار والإقناع عند ممارستهم مهامهم وما سيطرحونه من اقتراحات ويقدمونه من مداخلات

ولا بد لهم هنا طلب خدمة الاستشارة وهذا الأمر لن يتحقق إلا إذا اعترفوا بأنهم لا يعرفون كل شيء عن كل موضوع أو مسلك ولا يفقهون في كل تخصص ومتى ما أقروا بهذه الحقيقة في الاستماع إلى أراء الآخرين واستشارة ذوي الاختصاص فإن درجة احترام الآخرين لهم ستعلو وتزداد الثقة بهم وسيرتقي مستوى المعرفة لديهم وتكون مبادراتهم ومداخلاتهم أكثر إقناع وقبول مع ضرورة إن يترافق كل ذلك بتقديم مشاعر جياشة من اللطف والتواضع والصدق مع الناس وهم يبدءون رحلتهم الجديدة

كما يجب ان يكون أطروحاتهم وبرامجهم تحت القبة عامة للوطن وخاصة لمناطق واحتياجات ناخبيهم التي تعاني من الإهمال والتهميش والتجاهل وان يكونوا بعيدين عن الإقليمية والمناطقية وان يكون في مقدمة أولوياتهم معالجة قضايا الفقر والبطالة التي أصبحت السمة الغالبة على كافة المحافظات بعدما تمدد الفقر والجوع كرفيق درب وصديق للاف من الأسر الأردنية وفي المقابل لا بد من وضعهم للخطط والبرامج والدراسات والقياسات الموضوعية والصحيحة التي يمكن تنفيذها وفق الإمكانات المتوفرة بحيث يلمس المواطن أثرها على ارض الواقع

ومن المهم ان لا ينسوا وهم في نشوة الفوز أن تتسع صدورهم وتتفتح عقولهم لمن يقدم على انتقاد أدائهم وعملهم ضمن مفهوم النقد التصحيحي وان يحترموا الأراء ووجهات الأخرى بعيدا عن نهج التهديد بالشكاوي والمحاكم الذي اتبعه بتشدد بعض النواب السابقين خاصة إذا كانت الرؤى تصب في مصلحة الوطن وتسلط الضوء على مواقع الوهن والخلل ولا بد لهم أيضا ان يعلموا ان المناصب كلها زائلة ولن يبقى في النهاية إلا الود والاحترام والتقدير وان قيم التضحية والبذل والعطاء والإيثار والتسامح ونشر الخير هي من شيم الكبار الذين لا يغريهم كرسي الوجاهة والنفوذ وسلطة القرار وان يتذكروا كذلك بوعي وإدراك شعاراتهم وأقوالهم وبرامجهم التي قدموها للناخبين وهي طازجة حيث كانت مشبعة بالوعود والأماني والبريق فلا بد لها ان تبقى على ذات الوهج والجهد في الأهمية و الإلحاح في المطالبة بتنفيذها

وأننا ندعوهم إلى ايلاء الاهتمام الكبير لإنصاف وتوظيف الكفاءات والخبرات التي يزخر بها الوطن في التخصصات والتي لم تأخذ مكانها وحقها الطبيعي فضلا عن ضرورة مكافحتهم ومحاربتهم آفة الواسطة والمحسوبية والتجاوزات المعهودة المختلفة وفضحها خاصة ما يقع منها في " صفوف النواب أنفسهم " وسعيهم الجماعي لتوفير الدعم المالي للبلديات التي تشكل العمود الفقري للخدمات العامة الأساسية والتي تعاني من حالة يرثى لها بعدما أصبحت عاجزة عن تقديم الخدمات مع ملاحظة ان قضايا النظافة والبنية التحتية تشهد تراجع كبير لم يسبق له مثيل

ان المجلس الجديد لن يخلد إلى الراحة والدعة وقد يكون عمره قصير فإمامه الكثير من الملفات المهمة سيما وان القادم ليس سهلا لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا شعبيا ولا سياسيا وهي الأهم وتحديدا بعد الانتخابات الأمريكية وتأرجح عملية السلام ودور إسرائيل التوسعي في المنطقة التي تسير نحو الهاوية بشكل سريع عدا عن اختلال قواعد ومجريات القضية الفلسطينية التي تتقاطع فيها المصالح الأردنية الإستراتيجية في عظمها بشكل محكم وفي الشأن التشريعي سوف تطرح الحكومة على المجلس القادم مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2021 وما يحتاج من استعداد كلي بتنظيم صفوف اللجان الرئيسية والفرعية لوقف استمرار التغول على معيشة وحياة وجيوب المواطنين وكسر ظهورهم بالضرائب المتصاعدة وارتفاع الأسعار المتوالي مع ضعف الرواتب وتأكلها إضافة الوضع الصحي المتردي مع تنمر جائحة كورنا وتبعاتها لتصبح ذات الأولوية القصوى

واعلموا أيها النواب الجدد إننا ما انتخبناكم لتجأروا بالشكوى والانكفاء من ضعف أدائكم أو قلة حيلتكم ( ان حصل هذا ذات يوم ) ثم تحملوها للحكومة وربما للأقدار فهناك حقيقة ينبغي إعلاؤها وإظهارها وهي أن الحكومة لم تكن مسؤولة عن ترشيحكم وانتخابكم حتى تلقوا اللوم عليها ولقد انتخبناكم والأمل يحدونا إلى أن تكونوا عند مستوى المسؤولية الوطنية والقدرة على انتزاع الحقوق والمزايا والدفاع عن المكتسبات والثوابت التي تضمنها نصا وروحا المشروع الإصلاحي الرائد لجلالة الملك عبد الله الثاني وأننا نرجوكم ان لا تهدروا آمالنا وان لا تتركوا مصالحنا إلى لحظة الوقت الضائع وان لا تجودوا علينا بمقترحات ومشاريع تصنف ضمن خانة " المضحكات والمبكيات " لأنها ببساطة ستعكس نمطًا شعبويا في التفكير لا يرتقي إلى ما نتطلع إليه من آفاق سامية لأردن أحلى وأقوى وأبهى

وقد نلتمس لمجلسكم بعض العذر في أن من سوء طالعه أن وجد في فترة من أصعب الفترات التي يمر بها الاقتصاد الأردني بناءً على تداعيات الركود المخيم على الاقتصاد العالمي وتراجع القدرات وتزامن فترته النيابية مع تداعيات اعتي وباء قاهر وشامل يجتاح الكرة الأرضية

وتذكروا أيها السادة النواب الجدد بإمعان وتدقيق إن مجلس النواب الثامن عشر الذي سبقكم ثبت ضعفه وعدم فعاليته وقدرته على مواجهة ملفات مهمة ومصيرية بحق الشعب الأردني مثل اتفاقية الغاز مع الكيان الإسرائيلي إضافة إلى عدم معالجته قضايا البطالة والفقر وتعديل او وقف العمل بقانون الجرائم الإلكترونية الذي اسكت الأصوات وكمم الأفواه المنادية بالحق والتغيير وإنهاء تغول بعض المتنفذين على مفاصل الدولة ومقاومة الفساد المستشري في بعض المؤسسات العامة وغيرها الكثير من الأوجاع والعلل مما لا يتسع ذكره

نعلم جميعا أن الأردن يتعرض لإضعاف مبرمج لمؤسسات الدولة في ظل تحديات هي الأصعب في محيطنا العربي والإقليمي وأن ما تحتمه علينا وطنيتنا أن نعمل نواب وإفراد وجماعات بكل جهودنا المخلصة والصادقة للحفاظ على مؤسسات الدولة واستقرارها في مواجهة كل الصعوبات التي تستهدف الأردن وقواه الوطنية الحية بعد ان ثبت كرابعة النهار أن الوطن مقدم على تحديات ومخاطر سياسية تستهدف وجوده كدولة بسبب تصليب مواقفه ورفضه مشروع صفقة القرن وخطة الضم والوطن البديل

لست هنا امارس دور الموجه او المرشد إنما هي جملة من الاضاءات العامة نتبادلها معا لنأخذ منها قبس نور ليدلوا كل واحد منا بدلوه في مرحلة ملحة و في إطار محاولات وطنية جادة ومخلصة لدفع جزء من عجلة الحياة التشريعية وسلطتها الأهم للناس نحو مزيد من الاستقلالية والتطور والنماء والتأثير في التغيير والإصلاح الحقيقي ومواجهة قوى الفساد الذي اهلك البلاد وقض مضاجع العباد

وفقنا الله جميعا لخير أردننا الغالي وخدمة شعبه الوفي وقيادته الحكيمة مهما بلغت العقبات والمخاطر والتحديات فجميع تجارب الشعوب المتقدمة والدول المتحضرة بدأت بالنوايا الحسنة والتعاون المشترك والعمل الصادق فأينعت وأثمرت ولا زالت الألف ميل بدايتها خطوة جريئة منظمة ومدروسة فالرهان علينا كأردنيين أوفياء من شتى الأصول والمنابت والمناطق معقود فلنكون عند حسن الظن فالأردن الأرض والوجود الأشم الأغر الأبلج يحتاج عزيمة وعطاء وتضحيات جميع أبنائه وينتظر منهم الكثير
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات