ما بعد العرس الديمقراطي


بعد موسم الانتخابات النيابية، ندخل في حكاية انتخاب رئيس المجلس ونوابه ومساعديه وتشكيل اللجان ورؤسائها، ثم نقفز بعد ذلك إلى رواية مهرجان طرح الثقة بالحكومة الجديدة، وستأخذنا خطابات النواب في مناقشة قانون الموازنة لرحلة سعيدة إلى كوكب المريخ، ذهاب بدون عودة، وبعد فترة من الزمن سندخل في أجواء حكاية الانتخابات البلدية ومجالس اللامركزية.

ما بعد العرس الديمقراطي عادة تبدأ حملة المهاترات وفرز الناس هذا معنا وهذا ضدنا، والتخوين والاتهام وكشف الأوراق ونشر الغسيل واحاديث الطعن والتشكيك، وبعد مضي المئة يوم تبدأ الصالونات السياسية بترويج فكرة التعديل الوزاري القادم، ويبدأ الناس يتسامرون بتقييم ونقد الحكومة وتقزيم مجلس النواب الذي انتخبوه قبل اسابيع، وإشاعة رحيل الحكومة وحل المجلس .. وهكذا.

في ظل غياب الاحزاب السياسية الفاعلة، واستمرار العمل بقانون الانتخاب الحالي، المكرس للانضواء تحت خيمة التحالفات العشائرية والمناطقية، يصبح من شارك أو قاطع الانتخابات لا فرق بينهما لأن المحصلة والنتيجة النهائية واحدة، وما دام قانون الانتخاب على حاله فمخرجاته لن تختلف لا بالشكل ولا بالمضمون عن الأمس، ولكون الاصلاح السياسي ايضا من سنوات لم يخطو خطوة واحدة إلى الأمام سيبقى العرس الديمقراطي على ما هو.
منذ عقود خلت ونحن نهرول وراء من يبيعوننا أرخص ماركات الإثارة والتشويق والشعارات الرومانسية، ونحن بكل بلاهة نصدق هذه القصص وبكل عاطفة وطنية، لكن الشيء المختلف في عرس هذا العام أن (كورونا) ضارب (طنابه) متربص ويتصيد أرواح المواطنين بلا هوادة ولا يبالي، وقبل هذا وذاك كنا وما زلنا غارقين في أزمات اقتصادية ومديونية تزداد وتتسع يوما بعد يوم، مديونية خلفتها لنا حكومات التجارب والارتجال ما قبل النهضة ومحاولاتها البطولية.

وبعد كل هذه المسلسلات الطويلة، ألا يحق لنا يا ترى أن نتساءل: متى سنجد الوقت الكافي لمواجهة الإشكاليات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية والتنموية المزمنة، التي تواجه هذا الوطن والضاغطة على كاهل شعبه، أم أنه قدر علينا أن نبقى على هذا الحال ندور في حلقة مفرغة ونكرر نفس المشاهد الدرامية ونلعن الظروف ونتذرع بقصر اليد وقلة الحيلة..؟

في كل عرس نرى من يبيع الناس وهم تحقيق الإنجازات المستحيلة، ولم نشاهد أو نلاحظ على أرض الواقع سوى حفلات عرس البؤس والفقر والبطالة المتفاقمة والمشاريع الخيالية، وما زال المواطن يرقص ويدفع الثمن، لا ينقص الوطن أعراس ولكن ينقصه الإدارة والإرادة الوطنية والرجال المخلصين، فالوطن ليس ملكا لأحد دون غيره وليس مرحلة عابرة فقط، سنبقى نحن والوطن قصة عشق أبدي لا مفر منه، هو قدرنا وقد رضينا به.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات