في ذكرى رحيل الشهيد القائد أبو عمار


يصادف يوم الأربعاء 11 / 11 / 2020 الذكرى الـ 16 لرحيل الشهيد القائد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أبو عمار حيث مرت سنوات طوال أزاحه فيها الموت عن شعبه واهله ولم يغيبه فيهم ذاكرة ولا ذكرى وكأنه تعيش بينهم الفدائي الثائر والعسكري المناضل والسياسي الحذق والقائد الرمز والرئيس الحنون والعالم المجتهد والمؤرخ المتمكن والمعلم الناجح والدبلوماسي البارع والخبير الضليع بكافة الأحداث التاريخية والوقائع الوطنية والمعارف الإنسانية

ياسر عرفات الذي قاد مسيرة النضال الفلسطيني وتعامل مع أقصى الظروف والتوازنات والمحاور الدولية وأوصل الصوت الفلسطيني إلى كل إرجاء العالم حيث كانت القضية الفلسطينية حاضرة في الأمم المتحدة وكل المؤتمرات العربية والدولية حتى في زمن اتهام واشنطن لمنظمة التحرير بالإرهاب ذهب أبو عمار والقي خطاباً في الجمعية العامة عام 1974 وقال في كلمته (جئتكم بغصن الزيتون بيد والبندقية باليد الأخرى )

بكل أمانه وعزيمة واقتدار استطاع عرفات تجميع الكل الفلسطيني تحت راية الوطنية التي تتجاوز كل الأيديولوجيات والفصائل والعشائرية والجهوية لم يعرف يوما الضعف ولا المساومة ولا الخوف ولا المجاملة ولا الاستكانة ومنه استلهم كثير من أحرار العالم وثواره إرادة الصبر والصمود والمقاومة والإصرار على النضال حتى وإن كانت موازين القوى العسكرية مختلة وغير متساوية شغل العالم أثناء حياته وما زالت قضية وفاته تشغل العالم أكثر وتثير غضب الشعب الفلسطيني الذي إلى الآن للأسف لم يسمع موقفاً أو تصريحاً رسمياً حول مرتكبي جريمة اغتياله منهم هم ومن ساعدهم وأوصل السم إليه

ابو عمار الشهيد أول الرصاص والدم والثورة في حركة تحرر وطني مقاومة فرضت على العالم الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والعودة إلى وطنه حين تمسك بالكفاح المسلح نهجا وأسلوبا على طريق التحرير ورفض التفاوض والاستسلام وصنع الديمقراطية في غابة البنادق وكان له بصمات واضحة في استرداد الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة واستنهاض هويته الوطنية التي لولاها لبقي الشعب الفلسطيني حتى اليوم مجرد جموع لاجئين في دول الشتات المختلفة يبحثون عن كرت التموين والخيمة وتتخطفهم مشاعر العطف والنظرة الإنسانية المجردة

لقد كان عرفات على مر سنين حياته الأب الحنون الذي استقبل الجميع في مكتبه وفي القواعد والمخيمات في لبنان وتونس واليمن وليبيا والعراق والجزائر ومصر والأردن وبعد عودته لأرض الوطن احتضن جميع أبناء شعبه بدون استثناء وكلما رأى مشاعرهم الطيبة نحوه كان يجهش بالبكاء ولا زلنا نتذكر مقولته الشهيرة سيرفع يوما شبل من أشبال بلادي او زهرة من زهرات بلادي علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس، شاء من شاء وابى من ابى

ولعلنا نتذكر اليوم جميعا موقفه الحازم من عملية التفاوض مع الجانب الصهيوني وطريقة نقاشاته ومباحثاته المنسجمة مع طموحات الشعب ورؤية الكل الفلسطيني رغم المعارضة المباشرة من امريكا وغير المباشرة من بعض حلفائها في المنطقة

والسؤال المنطقي المطروح في هذه الذكرى العطرة لماذا تصمت الجهات الرسمية الفلسطينية حتى اليوم عن كشف حقيقة وملابسات مقتل رئيس الشعب الفلسطيني الذي نال مكانة واحتراماً دولياً لم ينالها أي رئيس او قائد في العالم كمناضل ومسالم وهل هنالك ضغوط دولية أم هو مجرد خوف من فتنة داخلية أم خوف أكبر أن يكون مصيرهم كمصير أبو عمار وهل تم إغلاق ملف القضية نهائيا والسؤال الأهم ألا يشجع عدم كشف ومحاسبة ومتابعة المجرمين على أن يكرروا جريمتهم مع أي زعيم فلسطيني آخر قد يسير على نهج الرئيس عرفات في الوطنية والكفاح

والحقيقة الساطعة انه لا يخفى على الشعب الفلسطيني والعالم والجميع يعرفون أن إسرائيل هي من تقف وراء الجريمة خاصة وان لإسرائيل تاريخ طويل في اغتيال القيادات الفلسطينية وسبق وأن حاولت اغتيال أبو عمار أكثر من مرة قبل ذلك ومنها في حمام الشط في تونس 1985ولكن الشعب على معرفته يريد تصريحاً رسمياً يتهم إسرائيل بالقيام بالجريمة لان المعلومات المؤكدة بهذا الخصوص بين أيديهم ( في انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح في تشرين الثاني 2016 صرح الرئيس أبو مازن أنه يعرف من يقف وراء مقتل أبو عمار وأنه سيعلن عن الحقيقة وفد جاءت تصريحاته اعتماداً على تقرير أولي من اللجنة الفلسطينية المكلفة بالتحقيق برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي وهنالك لجنة أخرى أيضا برئاسة عزام الأحمد ذكرت نفس الشيء )

قي يوم رحيلك أبا عمار أبكيت السماء قبل الأرض والرجال قبل النساء والأطفال وودّعك الشجر والحجر كنت عاصفة وهاهي ( العاصفة جناحك العسكري ) تشتاق إليك وستذكرك إبطالها يوم كسرت القيد وبددت الظلام ولعنت القهر وثرت على الظلم وتحديت الخوف وأشعلت بشعبك نار الثورة تاريخاً ونضالًا وكيف أصبحت كوفيتك وساما للثوار وشعارا لكل الأحرار ورمزاً لكرامة الأمة وشرفا لشعبك فكم مرة انحنى الموت أمامك والقذائف تنهمر بين ذراعيك وبين إصبعيك اللتين تشيران إلى النصر بعد كل مواجهة واستهداف

لا شك ان استشهاد عرفات في ظروف غير طبيعية وأوضاع غير ثابتة اثر تأثير كبير على مسيرة القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني وعلى أوضاع فلسطين بشكل اعم وعلى وحدة الوطن الفلسطيني وشعبه وعلى ما وصل إليه من حالة مؤسفة ومؤلمة لا زال عاجز على مواجهتها وهو الانقسام البغيض الذي قسم شطري الوطن الواحد ودمر النسيج الاجتماعي الفلسطيني حيث لا توجد رؤية موحدة ولا خطة مدروسة للخروج منه فالأيدي في لقاء تتصافح لكن القلوب لا تتصافى ( تراهم جميعا وقلوبهم شتى )

أبا عمار أيها الخالد في وجدان الأمة يا سيد الرجال ويا سيد الوفاء الفارس الذي ترجل غدرا كما حال كل الأبطال ما أحوج شعبك إليك اليوم في ظل ما يعانيه من تشظي وانقسام وتشرذم واليأس والاقتتال فالساحات التي امتلأت بالاحتراب والقتل والخراب والشوارع غادرها الناس خوفا على الحياة والقلوب متفرقة وممزقة والعنصرية تنمو وتزداد وقد صدق رهان الاعداء على تفرق شعبك بعد غيابك

لقد سقطت راية الفارس التي حملتها والحلم الذي تمنيته في الأقصى وشرك الأنانية تطاول على أهل فلسطين وحبائل من أرادوا الشر بالوطن تمادوا في غيهم وظلمهم ولقد اهلك شعبك من بعدك العنف والفساد الإداري والمالي وسوء الخدمات والجهل والمرض والحرمان والتشرد ومشاهدة بعض المسئولين يعيشون حياة الترف والبذخ والتبذير والإسراف والرفاهية وسهرات الفنادق بعد تراب الخنادق وكثير من الناس في عيشة ضنكا لا يجدون قوت يومهم ويعيشون في الرعب والفوضى والضياع وهم يحترقون بنيران الاحتلال الصهيوني والانقسام الأخوي فعلا لقد افتقدوا وقفاتك البطولية ونظراتك الشاملة الحريصة

إن احترام ارث ابو عمار وماضيه لا يكون أبدا في التنافس المحموم على إقامة المهرجانات لإحياء ذكراه ورفع صوره وترديد خطاباته فحسب بل الأولى والأحق استلهام تجربته الرائدة وتجديد نهجه النضالي الذي استشهد من اجله بالتواضع والتقرب من الشعب وتفهم وتحسس معاناته وهمومه والتمسك بنهج المقاومة بكل إشكالها فلا تعارض بين الفعل المقاوم والعمل السياسي والدبلوماسي والتمسك بالوحدة الوطنية واستقلالية القرار الوطني وعدم التبعية لأي محور أو مشروع خارجي

اليوم مع ذكرى الشهيد البطل ياسر عرفات نقف إجلالاً وإكراماً وتقديراً لروحه الطاهرة ومواقفه الوطنية الصلبة والثابتة والفلسطينيون في كل العالم يجددون العهد والبيعة مع شهيد الوطن الفلسطيني ويطالبون باقتداء نهجه في الفداء والإقدام والاعتدال والتسامح والأصالة والكرم والجهاد والنضال والمقاومة والوطنية والحرية والاستقلال والنظام والعدالة ويستذكرون في الوقت نفسه رمزاً كبيراً من رموز فلسطين الوطن العظيم بتضحياته وتاريخه ومشروعه وتطلعاته وآماله وبكل ما حققه من انجازات ومعطيات

أخيرا بكل حسرة وألم نقول وداعاً أيها القائد والمعلم وداعاً أيها الإنسان النبيل والفدائي الجبار وداعاً أيها النقي الناصع فإن روحك الطاهرة لن تغادر قلوب أبناء شعبك الوفي وأمتك الماجدة لأنك ملأتها من فيض لطفك وإنسانيتك وتضحياتك ووطنيتك شغفاً وحبا لكً ولأرض وشعب فلسطين الصابر الصامد والى لقاء في السنة السابعة عشر ان بقي في العمر بقية
mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات