لماذا تراجعت نسبة الانتخاب؟


وهكذا انتهت انتخابات مجلس النّواب التاسع عشر بكلّ يسرٍ وسهولةٍ وقانونية ، بعيــداً عن أية تعقيداتٍ تفرزها جائحة "كورونا" أو عقباتٍ أو فوضى ، حيث كان التآلف والتوافق الذي يجمع جهود الهيئة المستقلة للانتخاب وقوات الأمن ولجان المراقبة الدولية والمحلية ، والعمل بروح الفريق الواحد ، والتعاون والوعي من قبل المواطن عاملاً أساسياً في إجراء الانتخابات بصورة مشرّفة ، تعكسُ روح الديمقراطية في أبهى حُللها ، وتقدم المواطن الأردني في مشهدٍ من المسؤولية والانضباطية العالية ؛ فلم يكن الظرف الاستثنائي الذي جرت فيه الانتخابات يزيدها إلا تمسكاً بالقوانين والأنظمة والتزاماً بتعليمات الهيئة المستقلة للانتخاب.
ما ميّز هذه الانتخابات ، ولفت أنظار الجميع ، هو انخفاض نسبة الاقتراع عنه في المجالس السابقة ، إذ تقدّر نسبة التصويت العامة لمجلس 2020 بحوالي 29% ؛ ولم يكن ذلك أمراً جدلياً بين أبناء المجتمع بتاتاً ، فالجميع يرجؤون السبب إلى الظروف الصحية التي تمر بها البلاد بسبب جائحة "كورونا" ؛ إلا أنّ هذا السبب يطوي في داخله نقاطاً كثيرة ، ربما لا يلتقطها الكثير من الناس ، ومن أهمها :
أولاً : تباين الاحجام عن التصويت بين مناطق المملكة المختلفة بفروق واضحة جداً ، فبينما تجد منطقة تحصِّل نسبة اقتراع 9% أو 16% تجد مناطق ومدن أخرى حققت نسبة تصويت 50% أو 56% ؛ ولا شك أنّ لهذه الفروق دلالتها ، والتي وإنْ ارتبطت بنسبة انتشار "كورونا" مناطقياً ، إلا أنها تفتح الباب على أمور أخرى ، تتعلق بمستوى وعي الناس بالحالة الصحية ومدى خطورتها ، والمرتبط بطبيعة السكان أنفسهم ، وكذلك مدى تغلّب الأعراف والعادات العشائرية لدى البعض في دعم المرشحين بدافع الحماس والنخوة على حساب إعطاء الجانب الصحي الأولوية المطلوبة ؛ بينما تجد أنّ نسب التصويت بالمجمل كانت الأكثر انخفاضاً في دوائر العاصمة والزرقاء ، ذلك أنها مجتمعات مختلطة ومتنوعة المكونات ، ولا ترتد الى عنصر العشائرية بشكل بحت كما غيرها من المدن البعيدة عن المركز.
ثانياً: انتشار ثقافة الخوف في صفوف المواطنين مما تلحقه جائحة "كورونا" من أضرار بصحتهم بشكل غلب جميع التوقعات وخاصةً لدى كبار السن ، والتي تكونت لديهم منذ فترة طويلة تسبق يوم الانتخاب ؛ وقد كان لوسائل الاعلام دورها الكبير في ازدياد مقاطعة الناس وإحجامهم عن التصويت ؛ ففي خضم ساعات التصويت ، وفي ذروة الحاجة إلى الادلاء بالصوت ، كانت كثير من المحطات الفضائية والمواقع الاخبارية الالكترونية ، وفي الوقت الذي تقوم فيه بتغطية سير الانتخابات ، تقوم أيضاً بنشر نسب المصابين والمتوفين بـ "كورونا" ، الأمر الذي جعل الناس يتجاهلون عملية الاقتراع ، ويعزفون عن الخروج من منازلهم حفاظاً على سلامتهم ، ويتّجهون إلى تطبيق قاعدة : "ابعد عن الشر وغنّي له".
ثالثاً: ارتفاع مستوى التحذيرات والتعليمات بشأن "كورونا" من قبل وزارة الصحة ، وإعطاءها حجماً واسعاً ، إلى الدرجة التي فاقت تعليمات الانتخاب والماكنة الاعلامية المسؤولة عن تعظيم هذا الاستحقاق الدستوري ، مما خلق في نفوس الناس نوعاً من الانشغال بالجانب الصحي فقط ، دون النظر إلى أهمية قيامه بممارسة حقه في الانتخاب.
رابعاً: الإجراءات التي نفّذت من خلالها عملية الانتخاب جاءت متوافقة مع رؤى وتوجّهات العديد من المواطنين في مقاطعة الانتخابات تحت مظلة "الخوف من كورونا" ، نظراً لما تشكّل لديهم من عدم قناعة بدور مجلس النّواب السّابق ، أو مرشحيه في تحقيق الأفضل لهم ، وما ينعكس إيجاباً على حياتهم وواقعهم من تغيير وتنمية وتطوير ؛ فكأنّما كانت هذه الاجراءات تجرُّهم إلى مقاطعة ذكيّة للانتخابات ، خاصةً عندما يتكرر أمام أعينهم نفس الشريط البرامجي للمرشحين ، ونفس الوجوه التي كانت بالأمس في قبة البرلمان ، وخرجت منه مثلما دخلت ، ودون أدنى انجاز يقنع الناخب.
في جميع الأحوال والظروف ، كانت الانتخابات في مجملها ذات مستوى عالٍ من النظام والهدوء ، وسارت بطريقة دقيقة وشفافة ، وفي كافة الموازين فإنّها ستفرز لنا 130 نائباً ليتصدروا منابر الكلمة ، ويمثلوا صوت الشعب الذي انتخبهم ، ويترجموا همومه وقضاياه ؛ لكن ما ستكون عليه تركيبة المجلس القادم ستحمل وجوهاً جديدة عدة ، ويغلبها الطابع الشبابي ، الذي ربما لا يحمل الخبرة الكافية والثقافة السياسية المطلوبة في مجال التشريع والرقابة ، والذي ربما يجعل المجلس أضعف مما كان عليه المجلس السّابق ، وهذا ما لا نرجوه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات