جبران باسيل وعصا العقوبات الأمريكية


منذ مدة غير قصيرة تلوح الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات على السياسي اللبناني النافذ جبران باسيل أوعلى مقربين منه ومن رئيس الجمهورية والمحور الشيعي بينهم وزراء ومسؤولين سابقين وقد جاءت هذه العقوبات( حسب ادعاءاتهم وهي محل شك مطلق ) بناء على تحقيقات مدروسة تخضع لقانون أميركي حاز على موافقة سياسية مسبقة يهدف من استخدام العقوبات المساعدة في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة عبر استهداف طبقة الفساد المستشري في البلاد ولضمان عدم وجود أي تأثير لحزب الله على قرارات الحكومة في المستقبل

في ربع الساعة الأخير لإدارة رفض شعبها أن يجدد لها وأسقطها وفي خطوة متوقعة منذ مدة فرضت وزارتا الخزانة والخارجية الأميركيتان يوم الجمعة الماضي عقوبات على رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل نظراً لدوره المزعوم بالفساد في لبنان وذلك بموجب قانون ( ماغنتسكي ) الذي يستهدف الفساد والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم ويأتي ذلك في وقت يمر فيه لبنان بأزمة سياسية واقتصادية عميقة ويشهد حالة اضطرابات واحتجاجات حاشدة منذ شهور عدى عن مواجهته أخطار وباء كوفيد 19 والتعامل مع الآثار المدمرة لانفجار مرفأ بيروت في آب الماضي والتعثر المتكرر في تشكيل الحكومة

وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشين في تصريح سابق له قال إنّ ( الفساد الممنهج ساعد النظام السياسي اللبناني المتمثل بباسيل على تآكل أسس الحكم الفعال لخدمة الشعب اللبناني ) وأضاف أن هذا القرار يؤكد على دعم الولايات المتحدة للشعب اللبناني ودعواته المستمرة من أجل تحقيق الإصلاح والمساءلة وقد سبق إدراج وزارة الخزانة الأميركية للوزيرين السابقين يوسف فنيانوس من تيار المردة وعلي حسن خليل من حركة أمل على لائحة العقوبات لتقديمهما دعم لحزب الله في خطوة بدت أنها فاتحة لاستهداف الأسماء السياسية الوازنة

بعد قرارات التضييق الأميركية المتوالية على حزب الله الشيعي واسع النفوذ والمدعوم من إيران بهدف تفكيك تحالفاته المختلفة كان لا بد من ضرب ابرز حلفائه على الساحة اللبنانية بقصد إضعافه والقضاء على مستقبله السياسي وتخويف المسيحيين ورجال الأعمال لينفضوا من حوله ناهيك عن التهديد المستمر للبيئة الشعبية الحاضنة للحزب بالحصار والضغط المالي والاقتصادي فضلا عن ان باسيل يشكل حليف مسيحي قوي للحزب بما لديه من امتدادات وارتباطات خارجية تمنح الحزب غطاء ضروريا عند الحاجة وقد اعتبر القرار رسالة أمريكية واضحة لجميع حلفاء الحزب بأنّ من يتعاون معه سيصبح على القائمة السوداء مما يؤدي إلى خروجه من النظام المالي العالمي ويمنع من دخوله امريكا

وبناءً على القرار الأمريكي اصبحت جميع الممتلكات والمصالح الخاصة بباسيل، وأي كيانات يملكها بشكل مباشر أو غير مباشر بنسبة 50 % أو أكثر بشكل فردي أو مع أشخاص محظورين آخرين في الولايات المتحدة سيتم حظرها وسيتم الإبلاغ عنها في مكتب مراقبة الأصول الأجنبية وقد طالبت وزارة الخزانة الأمريكية تجميد كل أصول باسيل في الولايات المتحدة كما طلبت من المصارف اللبنانية التي تجري تعاملات بالدولار الأمريكي أيضا تجميد كل أصوله في لبنان

شغل باسيل عدة مناصب رفيعة المستوى في الحكومة اللبنانية حيث عمل وزيرا للخارجية والمغتربين والطاقة والمياه والاتصالات وهو رئيس التيار الوطني الحر وصهر رئيس الجمهورية ميشال عون وصاحب أكبر تكتل مسيحي في البرلمان اللبناني وقد ارتبط اسمه بشبهات كثيرة متعلّقة بالفساد عام 2017 ( حسب البيان الأمريكي المزعوم ) حيث عزز قاعدته السياسية بتعيين أصدقاء له في مناصب مهمة ومنح آخرين أشكالاً أخرى من النفوذ والمكاسب واتهم بالتورط بالفساد واختلاس أموال الدولة ومصادرة الأصول لتحقيق منافع شخصية وصياغة العقود الحكومية بصورة مخالفة للقوانين والتواطؤ في استخراج المواد الطبيعية وتلقي الرشوة والمحسوبية السياسية ودعم أنشطة حزب الله وهو الاهم

وفي معرض رد باسيل على الإجراء الذي استهدفه قال في تغريدة له على تويتر ( لا العقوبات أخافتني ولا الوعود أغرتني وإنني لا أنقلب على أي لبناني ولن أنقذ نفسي ليهلك لبنان وختم بالقول اعتدت الظلم وتعلمت من تاريخنا كتب علينا في هذا الشرق أن نحمل صليبنا كل يوم لنبقى واضاف إنه ضحية ظلم وأن إدعاءات واشنطن لا أساس لها وأنه سيعمل على إثبات أن هذه العقوبات كانت خاطئة ومنحازة ) على حد قوله في المقابل يرى كثير من اللبنانيين ان شركاء الفساد السياسي يستحقون أكثر من العقوبات في الداخل والخارج

كالعادة تدخل واشنطن الى الملف اللبناني عن طريق العقوبات لكنها المرة الأولى التي تستهدف شخصية سياسية من الصف الأول وهو ما يدعو للتسائل حول تداعيات وتأثيرات هذا الإجراء على المستوى الداخلي في المرحلة المقبلة على الساحة اللبنانية أولا التيار البرتقالي يشكل الدعامة الأساسية لرئيس الجمهورية ميشيل عون ويلعب دورا مهما على مسرح السياسة الداخلية والاستهداف الأمريكي لحزب الله يتوجه هذه المرة لقيادة التيار الوطني الحر وعناصره ومؤازريه بشكل مباشر وبذريعة الفساد ومساعدة الحزب

أنصار باسيل قالوا ان كل ما عمله كان ينبع من مصلحة وطنية لبنانية وأنهم لن يتأثروا بأي تدخلات خارجية وان القرار الأمريكي لن يغير في قناعات باسيل الوطنية والسياسية اتجاه حزب الله في حين يرى مراقبون ان حزمة العقوبات الأمريكية سوف تفرض نفسها على الوضع اللبناني المتأزم أصلا وخاصة ما يتعلق منه بتشكيل حكومة جديدة والتي يلعب باسيل فيها دور رئيسي وما يتبع ذلك من تأثير بالغ على الاقتصاد اللبناني في حال تعثرها في وقت لا تزال مسالة توزيع الحصص الوزارية قضية خلافية بين معظم القوى السياسية الفاعلة

السؤال المطروح ما هي قدرة السلطات اللبنانية على مواجهة العقوبات في ظل الأزمة الحادة التي تشهدها البلاد إضافة الى انعكاساتها على دور واشنطن في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل والتي سوف تتأخر وتتعثر مع فرض العقوبات لكنها بالتأكيد لن تتوقف لان فيها مصلحة للإدارة الأمريكية وإسرائيل معا كما هي مصلحة للبنان ومن المهم الملاحظة ان الإجراءات الأمريكية تطال رئيسي الجمهوري ومجلس النواب وهما الطرفان المعنيان بالمفاوضات بشكل مباشر وان العقوبات ليس لها تأثيرات مالية فقط وربما لن يكون لها أثراً سلبياً على الاقتصاد اللبناني بشكل مباشر الا انها ستخلف ارتدادات سياسية عنيفة ومربكة مع تفاقم للأزمات الاجتماعية والمعيشية والخطوة الأمريكية ستنعكس سلبا على الوضع المتأزم

لا يخفى على احد إن لبنان عانى طويلا من الفساد وسوء الإدارة على يد سماسرة السلطة الذي يعملون من أجل مصالحهم الخاصة على حساب اللبنانيين الذين يفترض أنهم يمثلونهم ومن اجل ذلك خرجت مسيرات الاحتجاجات منذ عام 2019 تطالب بالإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعدما فشلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في كبح التضخم وتقليص الديون المتصاعدة وتحسين البنية التحتية وتوفير الكهرباء والخدمات الأخرى للمواطنين

وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الصعبة وارتفاع معدلات البطالة والفقر وانخفاض سعر الليرة لا زال لبنان يراوح مكانه دون القيام بإجراءات جدية لمواجهة الفساد بدأ بتشكيل حكومة من أخصائيين لفتح الباب أمام المساعدات الدولية ورغم ان المبادرة الفرنسية حاولت التوفيق بين الكتل السياسية المتصارعة للخروج بحكومة إنقاذية وطنية إلا أنها لم تفلح أيضا حتى الساعة

الرسالة الأمريكية وصلت وجميع حلفاء الحزب وغيرهم ينتظرون من سيكون التالي والمكابرة بالقول أن العقوبات لا تأثير لها هو مثل ( الهروب من تحت الدلف الى تحت المزراب ) ولن يكون باسيل آخر الشخصيات التي تستهدفها العقوبات الأميركية فهناك شخصيات كثيرة ملفاتها حاضرة وتنتظر قراراً سياسياً لإعلانها ربما أخرتها الانتخابات الأمريكية وهذا سيجلب معه المزيد من التوتر والتشنج على المستويات السياسية والمالية والاقتصادية في لبنان وان توالي العقوبات سيعتبر أحد أكبر المؤشرات على أن الأزمة اللبنانية ستتوالد وتستمر ولا يمكن أن تحل بمجرد تشكيل حكومة مهما كان التوافق عليها

اخيرا ليس كل ما تقوله او تصدره امريكا بالضرورة هو صحيح او موضوعي او محايد والهدف الحقيقي من هذه الخطوة المنحازة قبل رحيل ترامب غير المأسوف عليه هو خدمة المشروع الصهيوني في محاصرة حزب الله وشيطنة دورة والتركيز على فساد عناصره وأنصاره وصولا إلى تجريده من سلاحه وفي المحصلة زيادة جرعة الخلافات والانقسام السياسي داخل المجتمع اللبناني الذي يعج بالفاسدين من مختلف التيارات والطوائف ( وليس ذك دفاعا عن جبران باسيل أو عيره ) اذا العصا أمريكية والساعد إسرائيلي والقادم أسوأ والله يستر من شر قد اقترب



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات