سهل حوران وما أدراك ما سهل حوران ..


يُعد سهل حوران الممتد على مساحة ضخمة جداً من أراضي بلاد الشام، من أفضل السهول الخصبة على مستوى العالم، ويقع السهل على مساحة تمتد من دمشق الى درعا، والرمثا، وشمال الأردن، ومنطقة طبريا مع الأغوار الشمالية، وكانت روما تعتمد على هذا السهل في تموين جيوشها بالقمح، والبقوليات، وتربية الماشية والإبل، ومختلف أنواع الخضار والفواكه، وأطلق الرومان على المناطق التي اعتمدت عليها في الجانب الغذائي: إهراءات روما، وكان أحد هذه الإهراءات، إهراء حوران، أو سهل مملكة حوران الذي كان بمثابة سلة غذاء للإمبراطورية الرومانية، وما يتبعها من جيوش، وولايات تقع تحت سيطرتها.

يقع الجزء الأكبر من سهل حوران في منطقة شمال الأردن، ويبدأ من طبريا، والأغوار، ويتسع ليشمل إربد، وعجلون، وجرش، والرمثا، وبني كنانة، وبني عبيد والمفرق، ويصل الى حدود الشام، ويشتهر إقليم حوران أو إهراء حوران بالقمح على رأس التصنيف الغذائي المتعارف عليه في بلاد الشام، وبالدرجة الثانية باللحوم، ومن هذين الصنفين اخترع سكان منطقة حوران العديد من المأكولات القديمة والتي أصبحت من الثقافات البائدة، لأنها تحتاج الى جهد وأدوات معينة، وأفران خاصة تسمى التنور أو الطابون، فالمكمورة التي تشتهر في إعدادها إربد وقراها، تتطلب؛ لحوم بلدية، وطحين بلدي، وسمن أصلي، وزيت زيتون، وعملية طبخ طويلة ربما تصل الى نصف نهار كامل.

من المأكولات التي اشتهرت بها منطقة حوران الأردنية: المناسف، والمكامير، والمردد، والمبصل، وما يتعلق بالعجين، وكلها تعتمد على القمح كمادة رئيسية لإعداد هذه الثقافات المتنوعة، فالقمح، واللحوم، والألبان هي المواد الأساسية في عملية تأمين الغذاء الكامل لمئات آلاف البشر؛ الذين سكنوا حوران وما حولها، منذ ما قبل الرومان وما بعدهم.

أما فيما يتعلق بالعيون المائية التي كانت تسقي جيوش روما في منطقة حوران الأردنية، كان هناك عشرات العيون تسقي السكان وعسكر الإمبراطورية الرومانية، ويكفي أن نتحدث عن عين قويلبة الموجودة في منطقة حرثا شمال قصبة إربد، هذه العين تعمل بكل كفاءة منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة ولغاية هذه اللحظة.

أنجبت حوران الشاعر العربي الكبير أبو تمام عام (843 - 796) ميلادي.

والفقيه محيي الدين النووي (1255 - 1300) ميلادي.

وابن القيّم الجوزيّة (1292 - 1349) ميلادي، وإن كان مولوداً في دمشق إلا أن جذوره تعود إلى حوران.

واسماعيل بن كثير صاحب كتاب: البداية والنهاية.

كما أنجبت الفقيه الشافعي والعالم الكبير العزّ بن عبد السلام (1181 - 1262) ميلادي، ويكفينا أن نؤكد على أن العز بن عبد السلام الإربدي، كان له يد في انتقال الخلافة من السلطان علي بن أيبك الى السلطان المظفر قطز قبل معركة عين جالوت ضد الموغول، ولم يكتفي العز بن عبد السلام، إنما ألقى خطبة في مسجد القاهرة الكبير، وأمام حشد من المسلمين يعلن فيه خلع السلطان الصغير علي وتسليم الخلافة الى المظفر قطز حتى يتفرغ لإعداد الجيش المصري من أجل حرب الموغول.

والشاعر الوطني (مصطفى وهبي) صالح التل الملقب بعرار، وقد جاءت حوران على لسانه في أكثر من قصيدة:

بِحَوْرانَ اجْعَلوا قَبْري لَعَلّي أَشُمُّ أَرِيجَها بَعْدَ الفَناءِ

وقال عرار أيضاً:

قالوا تدمشق، قولوا ما يزال على علاته إربدي اللون حوراني.

وقال امرؤ القيس في وصف حوران أثناء مروره بها قاصداً بلاد الروم:

ولما بدت حوران و الآل دونها نظرت فلم تنظر بعينيك منظراً
و قال جرير:

هبت شمالاً بذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حوراناً

وقال الشاعر(القروي) في ديوانه المعنون: أعاصير، وكان يشيد بمآثر أهل حوران ونضالهم ضد المحتل الفرنسي:

من قمح حوران أراد وليمة فأتاه سـمّ الموت من حوران

ولن ننسى قصيدة: يوماً على يوم، للشاعر السوري سعدو الذيب، والتي غناها بصوته القوي الجميل المرحوم فهد بلان حينما قال:

ع البال بعدك يا جبل حوران شرشف قصب ومطرز بنيسان

لم تعد حوران كما كانت في السابق، سلة غذاء روما، لم تعد ملتقى الشعراء، والعلماء، والثوار ضد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، لم تعد حوران منطقة سهلية تشاهد على أرضها القمح، والشعير، والمياه العذبة، والسدود المائية الصغيرة، ومرتع الإبل والماشية، ومصانع الرجال، صارت حوران غابات كثيفة من الإسمنت، وأصبحت الزراعة آخر ما يفكر به المواطن الأردني، والسوري، بعد هذه الحرب المستعرة ضد آخر سهول حوران؛ تلك التي أصبحت جرداء لا يخرج فيها إلا الشوك، والغبار، ورائحة الماضي الجميل...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات