الزُّعــرانُ النُّخبــة


لقي قرار جهاز الأمن الأردني - الذي بوشر بتطبيقه منذ أيام – رضىً شعبيّاً وجماهيرياً واسعاً ، وشكَّل عاملَ طمأنينة وسكينة لدى عموم الشَّعب ، خاصةً أنّه جاء في توقيتٍ بلغت فيه القلوبَ الحناجر ممَّا لحقَ بعض أبناء المجتمع من أذىً وضرر جسيم ، وهي تسمعُ وترى وتتناقل المآسي والحَسَرات والمظالم والرعب الفادح المُميت ، جرّاء سطوة الانفلات الأخلاقي والقيمي والسلوكي والديني ، من قبل بعض الغارقين في ملذّات "الزعرنة" و "البلطجة" والاجرام و فرض "الإتاوات" ، أفراداً كانوا أو عصاباتٍ منظَّمة.

إنَّ ما قامت وتقوم به فرق الأمن بكافة أجهزتها وعدَّتها وإيمانها بضرورة تطهير وتنقية مساحات الوطن على امتدادها واتساعها من تلك التّشوهات البشرية المتعفّنة ، التي أصبحت تطفو هنا وهناك ، يعتبر صرخةَ حقٍّ صارمة ، ومقصَلةً ينكسرُ عليها جبروت العنف ، واستباحة الحقوق والأموال والأعراض ؛ ويقعُ بلا شك في دائرة فرض هيبة الدولة والأمن والقانون ، ودحر كُل زعامات الشَّوارع والأســواق والأحياء ، التي تروّع المواطنين وتقلق عيشهم ، وتقضُّ مضاجعهم ، وتمارس عليهم إرث "الإتاوات" ، الذي شهدته المنطقة العربية في سالف الزمان.

القانونُ الرّادع هو من يجب أن يتصدّر المشهد في وجه هؤلاء الخارجين عن الانسانية ؛ ولعلّ الافراط في استخدام القوة الأمنية ، والضَّرب بيدٍ من حديد بأقصى درجات القسوة ، هي الخيارُ السليم لكبح الإجرام ومُرتاديه ، الذين لم يجدِ معهم السّجن والاصلاح ، ومحاولات الابعاد والشدَّة شيئاً ، ولم يمنعهم ذلك كله أن يعود إلى تكرار جرمهم مئات ومئات المرات ، وزيادة بسطة شرهم على خلق الله ؛ وأشيرُ إلى أنّ ضرورة إعادة النظر في عقوبات بعض الجرائم وأهمية تغليظها هنا أصبح أمراً حتمياً ، لا مناصَ للحكومة ومن خلال السلطة التشريعية إلا أن تتوقفَ مليّاً عنده ، للوصول الى منظومة عقوبات حازمة ، تقطع الطريق تماماً على صاحب الجرم من تكرار جرمه أو العودة إليه.

القانون والقبضة الأمنية الصَّلبة ، اللذان يهيئان للناس حياة آمنة ، ويخلقان فيهم الشعور الدائم بالأمان على أنفسهم وأبنائهم وذويهم وممتلكاتهم ، هو مطلبٌ يؤيده كل أبناء الوطن ، حتى لا تبقى شرذمةٌ من هؤلاء المترجّلين عن صهوة أمراضهم النفسية وانحرافهم وانعدام أخلاقهم يعيثين فساداً في كلِّ مكان ؛ حتى وصل الحال ببعضهم أن يستولوا استيلاءً كاملاً على بعضِ الطرقات والمناطق ، وكأنما صنعوا لأنفسهم إمبراطوريات خاصة تحتضنُ جُرمهم ، وحلّلوا لأنفسهم استعباد سكانها لقضاء مبتغاهم ، بالتهديد والتخويف والابتزاز.

القانونُ الذي يكسرُ ظهر هؤلاء ، ويردعُ من يشدُّ على أيديهم ويدعمهم ويساندهم ، هو ما يطمحُ له المواطن ؛ فمن يتجرأ على القانون بهذا الشكل ، ومن يتجاوز حدود الأمن ، ولا يُلقِ بالاً بمصيرٍ سيلقاهُ ، لا يسلك هذه العبثية الجرمية إلا مستنداً على جدارٍ منيعٍ - من أشخاصٍ ذوو سطوةٍ وجاه - يحميه ، ويرتِّبون لهم مخارجاً تُنجيهم من ذلك المصير ، لغاياتٍ ومصالحَ يلتقون عليها ، ولربّما يصحُّ القول هنا بأن بعض هؤلاء "البلطجية" ليسوا إلا مجنّدين لفئة ذميمة من أبناء الوطن – للأسف - ؛ وإذا كان الأمر على هذا النحو فالمسؤولية كبيرة والواجب أكبر على قواتنا الأمنية بكل طواقمها ، بأن لا ترد هؤلاء المجرمين الى جحورهم فحسب ، بل أن تُجفّف كلّ منابعهم الداعمة والمؤازرة والموجّهة ، التي تُديرهم من خلف كواليس الظلام ، حتى لا نجد أنّ مشكلتنا يوماً هي مع النُّخبة من الزُّعران.

العزيمة التي انطلقت بها حملات المداهمة في الأيام القليلة التي مرّت ، بشارةُ خير وتأكيد صريح للمواطن الأردني ، بأنّ الأمن غير عاجزٍ أبداً عن فرض سيادة القانون ، وإطفاء كلِّ شرارةِ عبث أو فوضى في مهدها ، والقضاء على هذه الظواهر الدّخيلة على مجتمعنا ، واقتلاعها من جذورها ؛ فمجتمعنا الأصيل ، الذي يعدُّ مضربَ المثل وسط هذا الاقليم في أمنه وأمانه واستقراره ، يؤمِّلُ الكثير على أجهزتنا الأمنية - التي هي موضع فخر واعتزاز جلالة الملك حفظه الله - بأن يجتثَّ الخُبثاء الراعين للجريمة من أصولهم ، ويمحقهم كما يمحق الله الرِّبا ؛ فمن يُجاهر بالوطنية ، ويتنطّع بالدفاع عن حقوق الانسان هنا وهناك ، ويُبطن في نفسه – نيَّةً وعملاً وسلوكاً – الوقوفَ إلى جانب هؤلاء المتمردين وحمايتهم ، وتأليبهم على وطنه وأبناء وطنه ، هو خائن لربّه وخائن لوطنه وخائن لنفسه ، لأنه يغدرُ بالوطن ويسعى لخرابه وترويع أهله.

تحية بحجم هذا الوطن الشَّامخ بأرضه وشعبه وقيادته إلى أمننا المقدام ، وجنودنا البواسل ، الذي سيبقون الحصن المنيع ، والسوار العصي على كلِّ محاولات خلخلة الأمن اليائسة ، واليد العليا القادرة دائماً على الحفاظ على إدامة وديمومة الاستقرار والعيش بسلام ، والتي لن تنكفئ يوماً عن دَوس هذه الطَّحالب القميئة وتفتيتها إرباً ، حتى تنزعها تماماً من لوحة الوطن المشرقة ، التي اعتادها المواطن ، وتربّى في ظلالها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات