"حكومة التصبيرة"


لم أجد وصفاً يتسقُ مع مقاس هذه الحكومة أكثر من "التصبيرة" ، هذه التصبيرة التي نتلقّمها بعد عجافٍ طوال من التجويع الإقتصادي والسياسي والصحي والفكري ، هذه التصبيرة التي كانت أصغر بكثير من فمّ المواطن الفاتح فمه لمرارة الجوع والوجع ، وأصغر بكثير من رئة الشارع التوّاق لهوى الحريّة وهواء التعبير ، تصبيرة مُرّة و يابسة وكأنه قد مرّ عليها مائة عامٍ في كيس العُزير ، هذه التصبيرة المحشوّة بالتمر والنوتيلا ليبقى فم الوطن مفتوحاً على مصّرعيه ، ويظلّ لُعاب الإصلاح سائلاً على ثغر آكليّ "التصابير" طمعاً بمائدة عيسى ، وهكذا تُعجن كلّ "التصابير" في المطبخ السياسي الكبير .

داهمتنا تلك الجائحة الجائعة وكأنها زائرة "المتنبّي" والتي لا تزور إلّا في الظلام ، فأغلقنا أبواب الوطن ونوافذه علينا ، ومشينا لقضاء حوائجنا سيراً على الأقدام ، في شوارع متهالكة كل قارعةٍ فيها تشهد على عطاءات الفاسدين ، و أوّلمنَا ما قسَمَ الله لنا من صبر أيوب ، وعصبنا بطوننا بحجارة هذا الوطن ، وأدّينا صلاة الجماعة فُرادى ، وتركنا الألواح القديمة تُذاكرُ ما تبقّى من أصوات أطفالنا الجالسة على المقاعد الخشبيّة الفارغة ، وقددنا قاف الإقتصاد من قُبُل ، وقبّلنا عين العدالة لتنام هويّنةً ، فصار الدائن مديناً ، وصار صاحب العمل عاملاً ، وصار العامل مُعطّلاً ، وصار المؤجّر مستأجراً -وما ضرّنا كلّ ذلك- طمعاً بأن يُماط اللثام الأبيض عن مبسم الوطن ، وأن ترفع جبال عمان تفريعة العرس عن وجهها.

قدّم الشعب الممحوق وعلى مدار أشهر تضحيةً كُبرى ، كان أبطالها الصبر والقناعة والهلع على الوطن ، تلك التضحية قطعاً لن تفهمها حكومة النهضة ، والتي لا أظن أنّ أيّاً من معاليهم قد بات دون عشاء طيلة فترة الغلق ، أو عاد أحد من أبناءهم حاملاً كتاب (إنهاء خدمات) ممهور بختم مطعم أو مول أو محل ألبسة ، ولا أظن أنّ أيّاً منهم تلقى إتصالاً هاتفيّاً من مالك البيت لدفع الأجور المتراكمة منذ أشهر ، أو تكلّفوا عناء فتح صندوق البيت الحديدي لجمع فواتير الجُباة ، وليس من قبيل السهو عدم وجود أسمائهم في الكشوفات الطويلة لدعم الخبز وصناديق المعونة . هذه التفاصيل يفهمها جيداً هذا الشعب البائس و اليائس من المذاق الخشِن "للتصبيرة" ، والتي يتلقّمها منذ عجافٍ طوال بأشكال ومُسمّيات مختلفة.

بعد أن ألجم هذا الشعب المثابر سطوة الجائحة ، مسجّلاً على جبينها "صفر حالة" ، أعادتنا حكومة النهضة إلى نقطة الصفر ، جرّاء الأخطاء المتراكمة والتي أقرّت بها الحكومة ، وذلك من خلال فتح المعابر والمطارات وتخفيف القيود على القادمين من الخارج ، تاركةً المواطن صيداً سهلاً للمرض ، ليسجًل الوطن أرقاماً قياسيّةً في عدد الإصابات ، لنصبح اليوم أمام "جائحة مستوّردة" .

إن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة ، وإن مكاتفة المسائلة للسلطة هي أهم ضمانات العمل العام ، الأمر الذي يستلزم معه إعادة النظر في المادة (٥٦) من الدستور الأردني والتي حصرت في مجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة عن الجرائم المقترفة من قبلهم بحكم وظيفتهم ، الأمر الذي يعتبر إنتقاصاً لأقدس الحقوق الدستوريّة "حق التقاضي" ، خاصةً وأننا في ظل حكومة تصريف أعمال تغيب عنها الرقابة البرلمانية ، الأمر الذي يستوجب أيضاً إعادة النظر في قانون محاكمة الوزراء وإطلاق أو توسيع مظلة الأفعال المجرّمة التي قد يقترفها الوزارء بحكم وظيفتهم ، خلافاً لما هو وارد في المادة الثانية من القانون المنوّه عنه أنفاً ، والتي حصرت الملاحقة بجرائم الخيانة العظمى وإساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة.



تعليقات القراء

اسئلوا وزاره التربيه
ماذا عملت وزاره التربيه والتعليم مع المدارس الخاصه عندما اخذت الرسوم عن السنه السابقه والحاليه كل ما هناك تقف متفرجه ولغايه الان لم تفعل شيئا
07-10-2020 12:58 PM
مجرد اسطوانه
عندما تسال وزاره الربيه والتعليم عن فتح المدارس وعن التعليم يقول لك سوف ندرس الموضوع او حسب الضع الوبائى كل هذه الحجج حتى اطعموا الاهالي لاصحاب المدارس الخاصه راس المال الجشع ولا يهمهم التعليم انها مجرد اسطوانه
07-10-2020 01:19 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات