الحكومة الجديدة .. ماذا يريدُ المواطن؟


منذُ عهدٍ بعيدٍ والأردنيون يعيشون نفسَ الديباجة ، ويعزفون على وترٍ وقيثارةٍ واحدة ، يشتمون مَنْ يُغادر المنصب ، ويُطبِّلون ويُزمِّرون لمن يخلفه ؛ إنها ذاتها الحالة التي نشهدها اليوم ، وحكومة الرزاز قد ودَّعت على أبواب الرّحيل ما يُسمَّى "إنجازاتها" ، فتجد هذا يُشاطِرها ألمَ الفُراق والعُسرةِ ، وذاكَ ينتظرُ مُغادرتها بفارغِ الصَّبرِ ؛ حتى أنّ منصّات التواصل الاجتماعي أصبحت تعجُّ بالزغاريدِ تارةً وبالتغاريدِ تارةً أخرى ، وألسنة السياسيين والاعلاميين والمهتمين والمواقع الاخبارية منشغلةً بتوقعات اسم الرئيس المنتظرْ وفريقه.
نحنُ شعبٌ طيِّبٌ لا نتذَكّرُ من أيادي الرَّاحلين سوى تلويحَهم بالوداع ، ولا يُشغلنا سوى الجانب الانساني على حسابِ الجانب المهني لذلك الرئيس أو غيره ، وكأنَّ الحُزنَ على ما فات ، والأمَلَ بما هو آت ، هو مَنْ يوقظُنا من سُبات التَّخدير الذي مارسته أغلب الحكومات ؛ والشيء الوحيد الذي لا نَنْساهُ هو مَعاطِفهم التي تَجرُّ في أذيالها خيبة تلوَ خيبة ، نظراً لما سـدّدوهُ من ضَرباتٍ ترجيحيّة خاسرة ، لم تجلبْ سوى الويلات على الوطنِ والمواطن ، من خلال برامجهم الخيالية التي يتبنّونها ، ويروِّجون لها في المحافل واللقاءات المختلفة ، ويزفُّها لهم الاعلام - على اختلاف مشاربه – كأنها الكوكبُ الدُّريُّ في الأُفق.
للأسفِ الشّديد ؛ نحنُ شعبٌ لا نستَحقُّ الحياة ، لأننا شعبٌ كالبحرِ تجرُّنا أمواجُ عواطفنا ذات اليمين وذات الشِّمال ، ونحنُ في غفلةٍ عن العقل وانفصامٍ تامٍّ عن الواقع ؛ فالأيام القليلة الماضية كُتبتْ مئات المقالات بشأن رئيس الوزراء الجديد ، وأصبح هذا الأمر علكةُ النَّاسِ في المجالس والشَّوارع وحافلات النقل ؛ ألم نتعلّم بعد؟! وقد كان لنا في الحكوماتِ السَّابقة (حكومة النهضة ، حكومة الجباية ، حكومة ضريبة الدخل ، ..) عبرةٌ وعظة ؛ ولا زلنا نبحث عن أسماء! ، ما نفعُها الأسماءُ إنْ لم تكُن على قدرِ المسؤولية؟! وما فائدة أي رئيس لا يملك الولاية العامة على حكومته؟
قد يبكي المواطن رئيسَ وزراء ذاقَ الوطنُ على يديه طعم الحياة ، ويتقطَّعُ ألماً حينما يجد هذا الوطن مَسرحاً لهزليات بعضِ رؤساء الوزراء السَّابقين ، ويموتُ حسرةً وهو يرى بأمِّ عينه الأزمات التي يُخرجها بعضُ هؤلاء مِنْ جُحور التَّدليس والخطط العمياء والعبارات الرنَّانة ، وهم يعلمون علم اليقين أنَّهم لن يفعلون شيئاً ؛ فالمواطنُ لا يريدُ حكومة "اكسسوار" بقدر ما يريد حكومةً مستقلة القرار.
ما يُعانيه الوطن من ركودٍ اقتصادي ، وضعف في التنمية ، وقلة الموارد ، ومَا تبعَه من ملحقات ملف "كورونا" لا يُبرر لأي حكومة أن تقف مكتوفة الأيدي تنتظر الفرج من السَّماء ، ولا يمكن التَّذرُّع به على حسابِ ملفاتٍ هامةٍ جداً ذات نفس الأهمية أو أكثر ؛ فالسَّماءُ لا تمطرُ ذهباً ، والأرضُ لا تُنبتُ تبراً ، بل لا بدّ من العمل الدؤوب المخلص المسؤول بروح الفريق الواحد ، الذي يُلقي خلفه كُل المطامع والمصالح الشخصية ، ولا يرى أمامه هدفاً غير مصلحة الوطنُ والمواطن ، فلا شيءَ يَعدِلُ الوطن.
المواطن يريدُ حكومةً تُترجم ملفاتها الاصلاحية والتنموية والتطويرية والاجتماعية ، وخططها العلاجية لمشاكل الفقر والبطالة التي تفشَّت بشكلٍ يناهز ألـ 30% على أرض الواقع ، وترفد الجانب الاقتصادي لانتشاله عن حافة السقوط ، بوضع حلولٍ حقيقية يلمسُ المواطنُ أثرها وانعكاساتها على حياته ؛ ولعلَّ الاستناد في تزايد هذه النسبة بعد أن كانت قبل شهورٍ قليلة حوالي 19% إلى جائحة "كورونا" ، هو العجز بذاته ؛ فالمواطن لا ينتظرُ من الحكومة النّاشطة الناجحة ممثّلةً برئيسها أنْ تَخرُجَ عليه بتصريحات تعليق ذلك التقصير على شمَّاعة "كورونا" بقدر ما هو على أملٍ كبير بأنْ تأتيه بحلول خلّاقة وخطط جادة.
المواطنُ يُحبُّ الشفافية والوضوح في تعامل الحكومة معه ، الحكومة التي تضعه في صورة الوضع المحلي من كافة جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، الحكومة التي تَفردُ أمامه الحقيقة دون خداعٍ أو إحباطٍ أو قَتلِ طموح ، وليس الحكومة التي تبدأ مشوار عملها بالشِّعاراتِ البرّاقة والبرامج المظللة ، ثم لا تفتأ أن توقفَ عجلة حركتها بحججٍ واهية في مقدِّمتها الوضع الاقتصادي ؛ هُنا نقفُ مطولاً ، فمهما كان الوضعُ الاقتصادي سيئاً ، لكن باءت غالبية الحكومات السَّابقة بالفشل التام في أن تأخذه الى حيّز النمو والازدهار ، فلم نجد حكومة واحدة رحلت إلا وزادت من عبء المديونية العامة على الدولة ، كما هو الحال بالنسبة لحكومة الرزاز المستقيلة ، التي أضافت الى المديونية حوالي أربعة مليارات دولار ؛ وبشكلٍ عام لم تكن هذه الأرقام لتتزايد لولا انشغال معظم الحكومات السَّابقة بمشاريع أطلِقت اسماً وأُنجزت سراباً ، والذي ما زاد اقتصادنا إلا إنهاكاً وتراجعاً ؛ هذا ناهيك عن الفساد المالي والإداري المستفحل هنا وهناك في كثير من مؤسسات الدولة ، والذي أصبح القضاءُ عليه أو الحد منه أهزوجة تغنّيها كل حكومة قادمة دون أن يؤدي بها الحال إلى أي خطوة إيجابية ملموسة في هذا الجانب.
المواطن أصبح يعيش صراعاً مريراً على البقاء ، بسبب ما خلّفته الحكومات السّابقة ورؤسائها من أعباء مالية وضريبية وزيادة أسعار السلع والمحروقات ، التي تقصم ظهر البعير ؛ فهل الحكومة القادمة يا هل ترى ستنهج نهجاً آخراً يكونُ عنوانه الوطنُ وحماية مكتسباته ، وديدنه التيسير على المواطن وتحسين أحواله المعيشية؟! وهل ستكون هذه الحكومة هي لسانَ حال الشَّعب الذي يُعاني جزءاً كبيراً منه أوجاعه المعيشية وقلّة حيلته ، فالعيشُ نومٌ والمنيّةُ يقظةٌ؟!
المُواطن باختصار لا يهتم بتلك المصطلحات والتعقيدات ولغة وأرقام السياسة وملفاتها ، فلم يعُد لديه من الوقت ما يسمح له بالتفكير خارج منظومة (أمنه وغذائه ودوائه) ، وهذا ما يشغلهُ ويستحوذ على تفكيره ؛ وهذا ما يتمناه على الحكومة الجديدة ، أن تكون حكومة أعمال لا حكومة أحلامٍ وأقوال ، لتُعيد الثقة بحكوماتنا إلى نفوس المواطنين.
الملفاتُ التي تنتظرُ الحكومة الجديدة ملفاتٌ صعبة ومقلقة ، والتحديات الحالية والمستجدة غايةٌ في التعقيد ، ومن أهمها ملف الاقتصاد وملف كورونا وملف التعليم وملف السياسة الخارجية ، لذلك فإنها بحاجة إلى صلابة موقفٍ وحكمةُ قرار ، وليس القفز في المجهول ، متمنياً لها السَّداد والنجاح بعون الله.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات