قراءة قانونية في تحمل تبعة أقساط المدارس الخاصة بظل جائحة كورونا


من أكثر المسائل التي ثارت بسبب جائحة كورونا انتشاراً، إشكالية الأقساط المدرسية التي تنازعت حولها المدارس الخاصة في كثير من البلدان. وقد تداول عدد من زملائي المحامين تساؤلات حول مدى إمكانية رفع دعاوى للمطالبة باسترداد أقساط المدارس الخاصة، أو بمنع المطالبة بما لم يسدد منها، وإذا كان لي أن أدلي برأيي المتواضع في هذه المسألة، فسوف أسلط هذه المقالة الضوء على عدد من المسائل التي أثارها الانتقال لنظام التدريس عن بعد، على النحو التالي:
أولاً: ميز القانون المدني، بين نوعين من الظروف التي تطرأ على تنفيذ العقود، أولاهما: القوة القاهرة التي تؤدي لاستحالة التنفيذ او وقفه، والظروف الطارئة التي تؤدي لان يكون تنفيذ الالتزام مرهقاً بحق المدين لا مستحيلاً. وإذا كانت المدارس الخاصة لا مسؤولية عقدية عليها في عدم تنفيذ التزامها المتفق عليه ابتداء بمنح الخدمة التدريسية المباشرة على نحو ما تم الاتفاق عليه قبل جائحة كورونا، بسبب القوة القاهرة المتمثلة بقرارات الحكومة حظر التدريس المباشر وفرض أسلوب التدريس عن بعد كوسيلة بديلة للتنفيذ خلاف المتفق عليه بموجب العقد؛ فإن ذلك لا يعني بحال استحقاقها –في مقابل ذلك- لكامل أقساط التدريس، والتي تتوجب معالجتها إما بشكل مباشر بقرار من الحكومة وهذا الأفضل، تحقيقاً للعدالة ودرئاً لكثرة النزاعات حولها والتي قد يثقل كاهل المحاكم بها، رغم وحدة المعالجة في خصوصها، تبعاً لما نذكره تباعاً في هذا المقال.
ثانياً: من المعلوم أن للعقد أركان ثلاثة، الرضا والمحل والسبب، ومن الممكن ان نتخذ من هذه الأركان الثلاثة سبيلاً لتحليل توزيع تبعة جائحة كورونا بين المدارس الخاصة وأولياء أمور الطلبة، كما يلي:
أ- ففيما يتعلق بركن الرضا، نجد أنه لا يثير إشكالاً ولا يلعب دوراً في توزيع تبعة الأقساط الدراسية، كون الإشكال ينحصر في العقود المبرمة قبل جائحة كورونا أصلاً، ما يعني استنفاد هذا الركن قبل ظهور هذه الجائحة ابتداء، وهو ركن كما نعلم يقوم عند إبرام العقد. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الرضا قد يلعب دوراً في تسوية الخلاف بين المدارس الخاصة وأولياء الأمور، سيما حين تسعى الأطراف المذكورة إلى حفظ الطابع الودي للعلاقات فيما بينها طمعاً في استمرار هذه العلاقات في السنوات الدراسية المقبلة. حينئذ، لن يبق لتوزيع تبعة هذه الأقساط وفقاً للركنين الآخرين أي دور، إلا فيما يتعلق بالاسترشاد بما سنذكره تباعاً في أي تسوية ودية ورضائية بين الأطراف المختلفة.
ب- أما فيما يتعلق بركن المحل، فنجد أنه ينقسم إلى أنواع عدة، هي التالية:
1. محل أصيل يتمثل الخدمة التدريسية المتفق عليها بالعقد ابتداء، والتي تلتزم بها المدرسة الخاصة كأصل عام، وتحللت من التزامها هذا بسبب القوة القاهرة وفقاً للوصف متقدم الذكر.
2. محال تبعية (توابع عقد التدريس وملحقاته): وتتمثل في الكتب المدرسية التي تملكها أولياء الأمور، فلا مجال لإعاجة شيء من أثمانها لأولياء الأمور، إضافة بعض الأنشطة المساندة للعملية التعليمية المذكورة في النقطة السابقة، كأقساط النقل، وأقساط بعض النشاطات، وهذه لا تطالها القوة القاهرة، ويتوجب على المدارس الخاصة إعادتها، لكن ليس بالكامل، بل يتوجب خصم أجر سائقي باصات المدرسة منها، ببساطة لطونهم ما تم التعاقد معهم إلا خدمة لتلك العقود.
واحتساب أقساط النقل ليس صعباً، بل من الممكن أن يتم وفقاً للمعادلة التالية: لنقل أن كل باص مدرسي يخدم عدداً من الطلبة ولنقل خمسين طالباً مثلاً، في هذه الحالة يتوجب أن تخصم من مجموع أقساط النقل للطلبة الخمسين أجر السائق عن نصف عام هو المقابل للفصل الثاني والذي تحققت الجائحة به، إضافة لترخيص الباص المذكور.
فعلى سبيل المثال، لو كان مجموع أقساط النقل هي 150 ديناراً بالمتوسط عن كل طالب، فتكون عن خمسين طالب يخدمها الباص المعني 7500 دينار, وإذا كان أجر السائق مثلاً 400 دينار شهرياً، فيكون عن ستة أشهر 2400 دينار، ولو أضفنا لها مثلاً مئتي دينار هي نصف ترخيص الباص المدرسي للسنة الواحدة (وهو النصف المقابل للفصل الدراسي الذي تحققت الجائحة المذكورة به) فيكون مجموع ما يخصم 2600 ديناراً من أصل 7500 مجموع أقساط النقل للطلبة المستفيدين من الباص الواحد بالمتوسط، ما يبقى معه بالتالي مبلغ (2200) دينار تتوجب إعادتها لأولياء أمور الطلبة، ولا حق للمدارس الخاص بها، حيث تعاد لهم بما متوسطه بالتالي "98" ديناراً (4900/50) تتوجب إعادتها بالمتوسط لكل ولي أمر مما يتبقى من أقساط النقل وفقاً لمعطيات المثال السابق.
ج- وأما فيما يتعلق بركن السبب: فمن الممكن بيان أثره على الالتزامات المتبادلة لطرفي العقد بالقول بأن سبب استحقاق الرسوم الدراسية هو الخدمة التدرسيسة المتفق عليها بالعقد والتي لم تؤد على النحو المتفق عليه، فيتوجب توزيع تبعتها بالتالي بشكل عادل بين طرفي العقد على النحو التالي:
1. لا بد ابتداء من تقسيم القسط الدراسي بين تكاليف وأرباح، ففيما يتعلق بالتكاليف فلما كان سبب دفع المدرسة الخاصة لها ابتداء هو تأدية الخدمة التدريسية للطلاب، فمن العدالة عدم خسارتها، كون المدارس الخاص تكلفتها خدمة لعقود التدريس المبرمة او المزمع ابرامها مع أولياء امور الطلبة، وبالتالي فيتم خصم هذه التكاليف من مجموع الأقساط التدريسية، والتي على رأسها أجور المدرسين والمشرفين وباقي العاملين بالمدرسة (باستثناء سائقي الباصات التي تمت معالجة أجورهم في النقطة السابقة)، حيث يتم خصم مجموع أجورهم عن نصف سنة تقابل الفصل الدراسي الثاني الذي تحققت الجائحة به، من مجموع الأقساط التدريسية للطلبة، فلو كانت مجموعها مثلاً 200 ألف دينار، وكانت أجور المدرسين والعاملين بالمدرسة 100 ألف، فلا بد من خصمها من مجموع أقساط الطلبة، ببساطة لكون المدارس الخاصة قد تكبدتها فلا تصح خسارتهم إياها، كون السبب من وراء دفعها هو تقديم الخدمة التدريسية التي أزمعت ابتداء تقديمها وفقاً لما اتفق عليه، وحالت جائحة كورونا دونه.
الا ان علينا الإشارة في هذا المقام إلى مسالة هامة جداً، تتعلق بعدم جواز خصم المدرسة لأي تكاليف مدعىً بها لم تثبت انها دفعتها بالفعل، فلا بد لخصم اجور العاملين فيها أن تثبت أنها دفعتها فعلياً، أو ان تخصم ما تم دفعه فعلياً اليهم، فقد يتم خصم جزء من هذه الاجور، بناء على اوامر الدفاع أو تسويات معينة بين ادارة المدرسة وبينهم، ففي كل هذه الحوال تكون العبرة بما دفع فعلياً من قبلها لا بما هو مستحق عليها دفعه بموجب عقود هؤلاء معها.
2. تبقى لدينا أرباح المدرسة، ولنقل هي المائة ألف الثانية المتبقية من أقساط الطلبة بعد خصم أجور العاملين بها، فهذه هي المسألة الأصعب، والتي ليس من العقل والمنطق أن يتحملها أولياء الأمور بالكامل وتحققها المدرسة الخاصة كما لو لم تكن هنالك ظروف على الجميع المشاركة في تحمل تبعتها.
ولكن، كيف يمكننا احتساب توزيع الأرباح المذكورة؟ يمكن ذلك من خلال ركن المحل في عقد التدريس، فهل حصل الطلبة من خلال التعليم عن بعد، على المنفعة ذاتها التي كانوا ليحصلوا عليها من خلال التعليم التقليدي أو المباشر؟ الإجابة لا بالقطع، بل يتنازعه اعتباران هما ما يلعبا الدور الحاسم في تقسيم تلك الأرباح بين ما تحققه المدرسة وما يستعيده أولياء أمور الطلبة.
- فأما الاعتبار الأول، فهو مقدار ما تحمله أولياء الأمور من تدريس لأبنائهم، في ظل هذه الجائحوة، حيث ألقي على كاهلهم بطبيعة الحال العبء الأكبر في هذا الخصوص.
- وأما الاعتبار الثاني، فهو مقدار ما قدمه المدرسون من خبرة فنية في توجيه أولياء الأمور لتدريس أبنائهم، من أوراق تعليمية، وعملية تصحيحية، إضافة لتنظيم عملية إصدار الشهادات الدراسية للطلبة بنهاية الفصل الدراسي المذكور والعام الدراسي ككل. وفي هذه الحال لا بد قطعأً من التفرقة بين فرضين: الاول: وهو أن يتم اعطاء الدروس الافتراضية بشكل منتظم للطلبة وبشكل تفاعلي معهم، وحينها يتحمل المدرسون العبء الاكبر من العملية التعليمية. والثاني: أن يكتفى بإرسال بعض الاوراق التوجيهية والتدريبات العملية واجراء بعض الاختبارات الافتراضية، والتي يغيب بها دور المعلم التفاعلي بالكامل، وحينها سيتحمل أولياء الامور العبء الأكبر من الجهد التدريسي.
هذه الحسبة الأخيرة، لا تحتاج لمجرد خبير عادي، يلم بأبسط علوم الرياضة والحساب، بل تتطلب خبيراً تربوياً متخصصاً، يمكنه –بعد القسم بأن يؤدي مهمته بكل أمانة وإخلاص، أن يوزع تبعة الأقساط الدراسية فيما تبقى من أرباح حسب ما تقدم ذكره، بين المدارس الخاصة وأولياء أمور الطلبة فيها.
صحيح أن قوة قاهرة هي ما حال دون أن توفي المدارس الخاصة بالتزاماتها في تقديم الخدمة التدريسية، إلا أن ذلك إذا كان يقتضي عدالة ألا تخسر ههذ المدارس، لكنه لا يمكن بحال أن يصل إلى درجة تحقيق هذه المدارس أرباحها بشكل واف وكامل كما لو أنها لم تتعرض لأي جائحة كانت!!! إن أبسط مقتضيات العدالة والمنطق السليم والقويم، أن يتم توزيع الأرباح المذكورة بين تلك المدارس وأولياء أمور الطلبة فيها، بمعنى أن تعيد جزءاً معتبراً من أرباحها، يوازي الاعتبراين السابقين، وهما مقدار الجهد الذي تحمله اولياء الامور عن المدرسة في العملية التعلمية بسبب غياب التدريس التفاعلي المباشر، ومقدار المنفعة العائدة على الطلبة من خلال المدرسة، اي القيمة المضافة التي قدمتها لهم خلال الفصل الدراسي الذي تحققت هذه الجائحة به، باعتبار أن سبب العقد التدريسي وسبب استحقاق الأقساط الدراسية بالتالي يدور بين الجهد الذي قدمته المدرسة والمنفعة التي عاجت للطلبة من ورائه. ومن الممكن بالتالي تقسيم الأرباح المتبقية كما يلي:
1. نصف الأرباح يخصم منه ما تحمله أولياء الأمور من عبء إضافي في تدريس أبنائهم بسبب تلك الجائحة، وهو جهد تحمله أولئك عن تلك المدارس بكل تأكيد، فتقتضي العدالة والمنطق أن تتم استعادتها بالنسبة المذكورة منها، إلا أن الإشكال الذي يترك للخبرة هو نسبة هذا الجهد الذي تحمله أولياء الأمور عن المدارس الخاصة، ما يعني معه أن المسألة ليست في مبدأ انتقال الجهد لأولياء الأمور، بل في تحديد مقداره ونسبته. ولو كنت خبيراً لقدرتها بنحو (40%) من الجهد تحمل أولياء الأمور عن المدرسة الخاصة في حالة التعليم التفاعلي (الدروس الافتراضية المنتظمة) و(90%) في غيرها . ولا نتحدث هنا عن الجهد المبذول فعلياً، فهو متفاوت من ولي أمر لآخر، بل نتحدث عن متوسط الجهد الذي ينبغي على ولي الأمر العادي بذله لتعويض عملية تحول العملية التدريسية لنظام التعليم عن بعد.
2. اما النصف الثاني فيخصم منه ما انتقص من مستوى كفاءة العملية التعليمية ومستوى إفادة الطلبة منها، بسبب الانتقال لعملية التعلم الالكتروني، وهي حقيقة واقعة لا تقبل الجدل، إلا أن الإشكال الذي يترك للخبرة هو نسبة هذا الانتقاص، ما يعني معه أن المسألة ليست في مبدأ انتقاص الفائدة من العقد، بل في تحديد مقداره ونسبته. ولو كنت خبيراً لقدرتها بنحو (50%) نسبة ما انتقص من مستوى كفاءة العملية التعليمية بسبب الانتقال لنظام التعليم الالكتروني. ولا نتحدث هنا عن الانتقاص الفعلي من الكفاءة التدريسية بسبب عملية التحول لنزام التعلم عن بعد، فهو متفاوت من ولي أمر لآخر، بحسب الجهد المبذول في النقطة السابقة لتعويض هذا الانتقاص، بل نتحدث عن متوسط النقص الذي يفترض وقوعه مع ولي الأمر العادي (الذي يبذل جهداً معقولاً وبمستوى فني متوسط في العملية التعليمية) بسبب عملية تحول العملية التدريسية لنظام التعليم عن بعد.
ولو قلنا في المثال السابق، أن أرباح المدرسة كانت 100 ألف، فيسترد أولياء الأمور ما يلي:
- من الخمسين ألف الأولى، يسترد أولياء الأمور 20 ألفاً بأحوال التعليم التفاعلي أو 45 ألفاً في غيرها.
- ومن الخمسين ألف الثانية، يسترد أولياء الأمور 25 ألفاً.
- فيكون مجموع ما يستحقون استرداده 45 ألفاً من أصل 100 ألف، أي 45% من الأرباح تتوجب إعادتها بحالة التعليم التفاعلي أو 70 ألفاً في غيرها أي 70% من قيمة الأرباح التي تحققها المدرسة الخاصة، بحيث توزع على أولياء الأمور كل بنسبة ما دفعه من القسط الدراسي.
أخيراً، فأؤكد على دعوتي للأخوة في حكومات الدول المختلفة، للتصدي لهذه الإشكالية، درءاً للنزاعات والخصومات التي قد تثقل كاهل القضاء، وذلك بأن تفرض على المدارس الخاصة نسبة معينة يتوجب عليها إعادتها لأولياء أمور الطلبة، لكن مع أخذ العناصر الني تقدم ذكرها بعين الاعتبار، منعاً لوقوع أي ظلم أو إجحاف لأي من أطراف العلمي التعليمية.
كذلك، فأؤكد على أن ما تقجم ذكره لا ينطبق بحرفيته ولا بالقياس عليه على الجامعات الخاصة، ذلك أن من الملعوم أن المرحلة الجامعية أصلأً يكون العبء التدريسي فيها على الطالب، ويقتصر دور الأستاذ الجامعي فيها على التوجيه والتنوير، فلا يمكن قياس العملية التدريسية والضرر الذي لحق بها في المراحل ما قبل الجامعية، على المرحلة الجامعية التي تختلف بها أساليب التدريس ومناهجه وفلسفته عنها بالكلية.
ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد، والله من وراء القصد، وشكراً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات