من بين الظلام يولد النهار


ما هذا الداء الذي فتك في العالم ولم يترك كبيرا ولا صغيرا إلا قتله، ما هذا الداء الذي عطل الحياة اليومية وهوى بالإقتصاد العالمي وأوقف دور العبادة وأغلق الحدود ومنع السفر ، ولم يسمح لأحد بالهروب إلى أي مكان ، ما هذا الداء الذي استنفر الجيوش في الميادين واعلن حالة الطوارىء القصوى ، ما هذا الداء الذي حصد أرواح الألوف من البشر دون أن نراه أو أن نقاتله رجل لرجل بل لم نستخدم رصاصة لقتله.
لقد وقف العالم عاجزاً أمامه لا يحرك ساكناً برغم التطور الهائل في مجال الطب ،وبرغم رقي الحضارات البشرية فأصبح كورونا لا يملك جواز سفر ولا جنسية، ولا يعترف بالحدود السياسية و الجغرافية فأصبحت المعقمات والمطهرات والكمامات والقفزات هي خط الدفاع الأول لمكافحته دون قتله ، فلم يعد العالم يطور من أساليبه الهجومية بل عاد إلى تطوير أساليبه الدفاعية ورفع رايته البيضاء واستسلم بحجره الملاين وعزله الألوف المؤلفة ،ووقفت الصراعات الدولية الهمجية في ممارسة أساليب القتل والتعذيب وحولت هذه الصراعات للبحث عن كورونا .
ربما جاء كورونا ليعلن هدنة لفض النزاعات العالمية ويمحو النزاعات العميقة بين الأفراد وحكومتها ويغير ملامح العالم التقدلية رمبا كما قال المثل القائل رب ضارة نافعة ،التي ضُرب بها المثل تعود إلى رجلٍ كان على متن سفينة مع آخرين. فهبت عاصفة قوية أغرقت السفينة ولم ينجُ سوى بعض الركاب، من بينهم رجل واحد ، تلاعب الأمواج بجسد هذا الرجل حتى رمته على شاطئ جزيرة نائية ومهجورة. فعندما أفاق من غيبوبته، سأل الله أن يُرسل له المعونة ويُنقذه من هذا الحال الصعب والأليم، خلال تواجده في الجزيرة، أصبح يقتات على ثمار الشجر وما يصطاده من أرانب، وبنى له كوخًا من أعواد الشجر ليحميه برد الليل وحر النهار،.وذات يوم وبينما هو يتجول حول كوخه بانتظار طعامه أن ينضج، شبَّت النار في الكوخ وما حوله فأحرقته. فأصبح يبكي بحرقة ويصرخ: “حتى الكوخ احترق ولم يتبقَ لي شيء، لم يحدث هذا معي يا رب؟
ونام ليلته تلك وهو جائع وحزين. لكنه في الصباح استيقظ على مفاجأة سارة للغاية، فقد اقتربت سفينة من شاطئ الجزيرة وأرسلت للرجل قارب صغير لتُنقذه. وعندما صعد الرجل إلى السفينة، سأل طاقمها كيف عثروا عليه، فأجابوه: “لقد رأينا دخانًا، فعرفنا أن شخصًا ما يطلب المساعدة”.
فاحتراق كوخه كان سببًا في إنقاذه، ولولا النار لبقي في الجزيرة إلى الأبد. وهكذا، أصبح هذا المثل يُضرب في عدم الخوف من الجزع في الظروف السيئة لأن لله حكمة في تدبير الأمور ومن بين ظلام الليل يُولد نهارٌ جديد.


.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات