صفقة القرن .. رفض لم يرق لمستوى الغضب


يبدو أن صفقة القرن التي وصفتها صحف إسرائيلية بصك انتداب جديد، قد فتحت بابا واسعا للجدل في الأوساط الفلسطينية تحديدا أكثر مما أثارت الغضب الشعبي.

كان العالم في انتظار يوم الجمعة الذي تلا إعلان الصفقة لقياس رد الفعل العربي والفلسطيني، اللافت أن الفعل جاء بأقل من التوقعات، مدن أردنية عديدة شهدت مسيرات ووقفات احتجاجية بمشاركة متواضعة، وباستثناء ذلك مسيرات مشتتة في عدد قليل من المدن العربية.

في فلسطين حيث مركز القضية، لم تكن المسيرات بالزخم المتوقع. صلاة الجمعة في المسجد الأقصى مرت بهدوء، قابلها تجمعات احتجاجية محدودة في عدد من نقاط التماس بمدن الضفة الغربية المحتلة.

كان هناك رفض واسع للصفقة، لكنه لم يترجم لغضب شعبي متواصل وصدام مفتوح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت في حالة تأهب قصوى. حتى الآن لا بوادر على انتفاضة فلسطينية ثالثة.

مستوى رد الفعل هذا يتوافق مع تقديرات أميركية وإسرائيلية، لم تعد قلقة من الشارع بعد أن مررت في السابق قرارات بخطورة الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل وضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وشرعنة الاستيطان الإسرائيلي رغم مخالفته القرارات الدولية كافة.

والمقلق أكثر أن هناك نوعا من السجالات في الداخل الفلسطيني، لا تحفل بها وسائل الإعلام العربي، تدور في معظمها حول مصير السكان الفلسطينيين في القدس ومناطق المثلث الفلسطيني وبعض مدن الضفة الغربية، بعد نشر خريطة الدولة الفلسطينية الموعودة.

ماهو مصير المقدسيين المقيمين في أبوديس وشعفاط وجوارها، وهي التجمعات المقترحة كعاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة في صفقة القرن؟علاقتهم مع القدس”الموحدة” ومستقبل أعمالهم هناك وغيرها من الاهتمامات الحياتية. وثمة أسئلة أيضا من جانب المقدسيين تحت السيادة الإسرائيلية، هويتهم الوطنية وحقوقهم السياسية والمدنية وغيرها من الأسئلة الحياتية.

في الداخل الفلسطيني”عرب 48″، هناك رفض واسع لفكرة سلخ بلدات وقرى المثلث وضمها لأراضي الدولة الفلسطينية مستقبلا، وإصرار على بقاء الوضع القائم حاليا.

هل يعكس هذا التباين في المواقف، الانقسام العربي حول صفقة القرن؟ لقد كان لافتا بحق أن رؤساء حكومات سابقين في إسرائيل يرفضون صفقة ترامب نتنياهو أكثر من بعض القادة العرب الذين سارعوا إلى الترحيب بها كأساس لمفاوضات جادة، مع أن الصفقة تقوم على نسف الأسس التي قامت عليها عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية.

رفض الفلسطينيون على المستوى الرسمي”السلطة” صفقة القرن، وهم على حق، لأنها أسوأ عرض للتسوية يقدم للفلسطينيين والعرب، وبنيت على سردية مزيفة لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن بصيغتها الحالية أن تحقق السلام العادل والشامل.

لكن ما الذي يجعل الشارعين العربي والفلسطيني أقل اكتراثا بقضايا الصراع الجوهرية ومسائل الحل النهائي، وأكثر اهتماما بالقضايا المعيشية والمصير الفردي؟

خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ستمضي حكومة الاحتلال في تطبيق الشق الخاص بها في الصفقة، وستشرع في ضم مناطق غور الأردن والمستوطنات، وفرض السيادة الإسرائيلية في القدس الشرقية. والمرجح أن هذه الخطوات لن تلقى مقاومة شعبية واسعة، وذلك بالنظر إلى رد الفعل المحدود بعد إعلان الصفقة.

بمعنى آخر، الرفض الفلسطيني للصفقة لن يعيق تطبيقها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات