اللي من الله يا محلاه


تملك نظرات ثابتة وواثقة وهي تجلس على أبواب أحدى الأسواق الكبيرة في احدى المناطق الراقية ، هذه السيدة المحتشمة والتي تبدع في القرفصاء وترتب أكياس الخضار أمامها وتبدأ في رفع أحد الاكياس كلما هل أحد الزبائن على منطقتها كأعلان تجاري ... لا تقبل الفصال ولا المجادلة ...
كان فضولي يدفعني لكي اشاركها البيع قليلا لعلي اشعر ببعض الثقة التي تحياها متحدّية للفقر وللمظاهر ، ولكن ترددي قاطعته نظراتها المستهجنة لوقوفي متجمدا امامها ، فخاطرت وقرفصت مقابل لها وكان الحوار التالي حيث كانت مني البداية :
- كيف حالك يا أختي ؟
- الحمدلله اللي من الله يا محلاه ... اه يا خوي أعطيك ملوخية ولا بامية ؟
- شكرا يا أختي بس حاب أدردش معاكي شوية .
- اجابت : خير يا استاذ أنت من الأمانة ؟
- لآ تخافيش انا مش من الأمانة ، أنا على باب الله وخطر بالي اسألك كيف شايفة الوضع ؟
- قصدك وضع السوبرماركت اللي وراي ، ما شاء الله ببيع احسن من المؤسسة الاستهلاكية مية مرة والله ياخوي قاعدين الزباين بطلعوا عربايات متلتلة وكل واحد من الزلام ماشي ومرته قدامه كأنها رابطيتوا بحبل زي السخلة .
- طولي بالك فهمتيني غلط بس مش مشكلة طيب والقضية شايفة في امل تنحل ؟
- اجابت بغرابة وشو عرفك بقضية النفقة تبعت ابو ولادي الله يهديه يا يهدّه ؟؟؟
- حاولت ان لا أحرجها فغيرت سؤالي ( طيب كيف شايفه مستقبل البلد والمجتمع والانتخابات و .. )
- قوم يا استاذ ... الله يرضى عليك .... قوم فزّ.... وأنا شو دخلني ما هيني قاعدة وساترة حالي وبصرف على قطاقيط اللحم اللي بالدار ، ناوي تخرب بيتي ... قوم الله يستر عليك شكلك فاضي أشغال ، وروحوا امسكوا الحرامية والمجرمين قبل ما تتشاطروا على حرمة زي حالاتي وتعملوا فيها بوليس وتسحبوا إجر المسخمين ...

طبعا كان لا بد من إنسحاب تكتيكي من قبلي ... بعد ما سحبت كيس الملوخية من يدي وهي تقول (الله الغني عن بيعتك ... جاي تتخوث علي بليرة مصاري ...) .

ما زال هناك من يرضى بقليل من خبز الحلال وملح تصنعه قرفصاء سيدة تجذرت في الكرامة والشرف ، لا يعنيها ان يكون غيرها يملك من المال أضعافها ولكن يعنيها بشدة أن لا يملك غيرها قرارها .

ولكن عندما يبدء الوضع بالأنحسار بالحيز الجغرافي لكل فرد منا عند موقع قدميه فقط ويكون مستقبلنا محصورا بتمام يومنا الذي نحياه ، وتصبح أمالنا تتجلى في أن نعود بيوتنا بدون ان نفقد شيئا من كرامتنا .... عندها فقط ندرك أننا الفقراء في هذا الوطن قد أخرجنا من اللعبة باكرا وأصبح واجبنا محصورا في أن نبقي على ماء الحياة لعروق تمردت علينا وخرجت من جلدنا تعبا اوغضبا او ربما براءة منا .

لا ندري كيف أصبحت بيوتنا مجرد جدران تزينت بالشقوق بأنتظار المعيل لكي يطرح خبزه المغموس بالقهر امام اطفاله كانجاز قد تحقق ..... بعد أن كانت بيوتنا وقلوبنا معاقل لكل طروحات الفرح والامل والمستقبل ...... !!

وأبواب الأسواق كيف اصبحت مسرحا للتناقضات حين كنّا فيها للفرجة فأصبحنا نحن الفرجة ........ !!

أين الأصل في الموضوع ، هل وجب عدم السؤال من البداية ........ أو هل فقدنا حق السؤال ؟ أم الأصل في الجدلية هو البحث عمّن فتح الباب للسؤال عن لا جواب في كيف تباعدت المسافات بين الحاجة والمتاح ......

اذا سنعلن السكوت طالما أن كل المواضيع اصبحت قابلة للقبول بلا جدال ولا شيء ثابت ولم يبقى شيء يقال...!! .

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات