علاج مرتقب للسرطان


جراسا -

نُشرت دراسة في دورية “نيتشر نانوتكنولوجي” تفيد بأن فكرة تطوير لقاح ضد مرض السرطان باتت قريبة جدًّا بفضل تكنولوجيا النانو التي ساعدت في التغلُّب على بعض عيوب وعوائق تطوير اللقاحات العادية، وحسَّنت من نتائج بعض العلاجات الأخرى مثل العلاج المناعي. ويواجه مطوري اللقاحات المشاكل إذ تهدف اللقاحات حسب مجلة “للعلم” إلى تنشيط الجهاز المناعي لمهاجمة المرض، ولكن قد لا يتم ذلك التنشيط بقدرٍ كافٍ في حالة اللقاحات التقليدية، كما أنها تكون غير مستقرة بدرجة كبيرة داخل الجسم، وربما تكون سامة وغير آمنة أيضًا. كما تتطلب اللقاحات التقليدية تأمين ظروف معينة في “النقل والتخزين مثل الحفاظ على درجة حرارة معينة، وتطلب أكثر من جرعة. من أجل التغلب على هذه العوائق اتجه العلماء إلى اللقاحات النانوية“.

أما جسيمات النانو، فتتميز بحجمها الصغير، إذ تتشابه في الحجم مع معظم الميكروبات، ما يجعل مهمة التعرُّف عليها والاستجابة لها من قِبَل الجهاز المناعي أسهل وأفضل من اللقاحات التقليدية. كما أنها أكثر استقرارًا، ما يضمن، حسب الباحثة سمر أشرف في “للعلم” دوام وجودها في الدم لوقت أطول “ولا تتطلب ظروف نقل وتخزين صعبة، كذلك لا يحتاج المريض إلى أكثر من جرعة، ويمكن توجيهها لاستهداف أجزاء معينة في الجسم”. وتضيف أنه “نظرًا إلى هذه المميزات جذبت اللقاحات النانوية انتباه العديد من الباحثين، حاملةً معها الآمال تجاه تطوير لقاحات أكثر فاعليةً وأقل سُمِّيَّةً لعلاج الكثير من الأمراض، من ضمنها السرطان. وشرع الباحثون في استخدامها إلى جانب علاجات أخرى كالعلاج المناعي”.

وتشير أشرف إلى أنه “يعمل العلاج المناعي عبر تثبيط نقاط التحقق الخاصة بدورة حياة الخلية، وهي نقاط تستغلها الخلايا السرطانية بعدة طرق للهرب من الجهاز المناعي” إلا أن هذه الآلية العلاجية اتسمت ببطء استجابة الجسم له و”اكتسابه مقاومةً ضد العلاج مع العديد من الآثار الجانبية”.

ويقول جواو كونيو، وهو باحث رئيسي في الدراسة: “إن الجسيمات النانوية التي استخدموها مصممة لاستهداف الخلايا ذات الزوائد وتحسين أدائها. وتُعد الخلايا ذات الزوائد نوعًا من الخلايا المناعية تقوم بالتعرُّف على الخلايا الغريبة عن الجسم وتقديم أجزاء منها تسمى المستضد للجهاز المناعي، لتعريفها لباقي الخلايا المناعية على أنها هدف يجب القضاء عليه”.

وأضاف كونيو في حديثه مع “للعلم” أن “اللقاحات النانوية تقوم بإعادة تشكيل التكوين المناعي في محيط الورم، إذ يؤدي اللقاح إلى زيادة عدد الخلايا التائية المضادة للميلانوما داخل منطقة الورم، ويقوم بتحسين استجابة الجهاز المناعي للعلاجات المناعية الأخرى”.

ووجد الباحثون أن الجمع بين اللقاحات النانوية والمضادات لم يقلل من نمو الورم بالشكل المتوقع، واستمرت الخلايا الكابتة المشتقة من النخاع بالتدفق إلى خلايا الورم. وتُعد الخلايا “إم دي اس سي” الورمية خلايا غير مُرحب بوجودها، حسب أشرف، إذ “تعمل على زيادة مقاومة الخلايا السرطانية للعلاج، وتؤثر على نضج الخلايا ذات الزوائد وكفاءتها الوظيفية”.

وأضافت أنه “للتغلب على ذلك، استخدم الباحثون عقار الإیبروتینیب، وهو عقار مثبط للخلايا الورمية، ويقوم أيضًا بتحفيز نضج الخلايا ذات الزوائد وزيادة تدفق الخلايا التائية إلى منطقة الورم، مما يُفسح الطريق للقاحات النانوية كي تعمل بكفاءة أكبر. أدى ذلك إلى تحسُّن مستوى استجابة الفئران بشكل كبير وزيادة معدل نجاتها من سرطان الميلانوما”.

وأشار إسلام خليل، باحث من جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، أن ما يميز هذه الدراسة عن غيرها هو تحميل اللقاحات النانوية بالعديد من المركبات الدوائية واستهدافها للخلايا ذات الزوائد. ويضيف أن “العلاج المناعي عن طريق تثبيط نقاط التحقق الخاصة بدورة حياة الخلية أحدث ثورةً في علاج السرطان، ولكنه اتسم بانخفاض معدل الاستجابة ومقاومة الخلايا له، وكذلك ظهور العديد من الآثار السلبية”.

ولكنه أشاد بنتائج هذه الدراسة، موضحًا أن “استخدام اللقاحات النانومترية – التي تتميز بقدرتها على تعزيز الخلايا المناعية التائية- أدى إلى ارتفاع مستوى حساسية الجسم تجاه الخلايا السرطانية، وكذلك ازدادت قدرة الجهاز المناعي على التعرُّف على تلك الخلايا السرطانية ومهاجمتها على المدى البعيد”.

واستهدف الباحثون في الدراسة علاج سرطان الخلايا الصبغية، وهو من أخطر أنواع سرطان الجلد. وقاموا بذلك عبر استخدام جسيمات نانوية حجمها 170 نانومترًا مصنوعة من “بوليمر قابل للتحلُّل الحيوي داخل الجسم”. ووضع الباحثون على هذه الجسيمات النانوية “ببتيدات – سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية المكونة للبروتينات – مطابقةً لتلك التي تنتج على الخلايا السرطانية الصبغية”.

وتشرح أشرف استخدم الباحثون “ثلاث مجموعات من الفئران، وحقنوها بتلك اللقاحات النانوية. المجموعة الأولى كانت تضم فئرانًا سليمة تم حقنها باللقاح، ثم بخلايا الميلانوما بعدها ولم تمرض، مما يعني أن اللقاح أسهم بشكل فعال في الوقاية من المرض. أما المجموعة الثانية فكانت تضم فئرانًا مصابة بورم ميلانوما أولي. وأدى استخدام اللقاحات النانوية مع العلاج المناعي إلى تثبيط انتشار السرطان وتطوره، وزيادة عمر الفئران. أما في المجموعة الثالثة كانت الفئران تعاني من ميلانوما في مرحلة متأخرة أدت إلى انتشار السرطان إلى المخ، واستخدمت اللقاحات النانوية كعلاج بعد استئصال الورم”. وتم تأكيد النتائج بعينات مأخوذة من نسيج سرطاني منتشر في المخ لدى مرضى الميلانوما. من هذا المنطلق، تقترح الدراسة أن العلاج الثلاثي الجامع بين اللقاحات النانوية والإيبوترينيب مع المضادات قد “يكون فعالًا وبديلًا أفضل للعلاج المناعي الذي يقتصر على تثبيط نقاط التحقق لمكافحة الأورام السرطانية”.

وتشير أشرف إلى أنه تعود “فعالية العلاج الثلاثي إلى تحفيز نشاط الخلايا المناعية في منطقة الورم، وليس استهداف الخلايا السرطانية بشكل مباشر”. ويوضح خليل أن “الدراسة تعتبر بداية قوية لأبحاث تهدف إلى تحسين العلاج المناعي عن طريق تثبيط نقاط التحقق الخاصة بدورة حياة الخلية، خاصةً في الأورام الصلبة، من خلال تنظيم الاستجابة المناعية للجسم باستخدام اللقاحات النانوية”.

فيما يبدو أن اللقاحات النانوية سوف تفتح الطريق لعلاج أمراض أخرى، وليس فقط الميلانوما، فقد أشار كونيو إلى أنهم قاموا بتكييف تلك اللقاحات لتعمل مع سرطان الثدي وسرطان القولون أيضًا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات