الرئيس ماكرون وإعادة استخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي ! 


في تكرار مماثل للخطأ الذي وقع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمستشارة الأمريكية أنغيلا ميركل قبل ذلك عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جديد الى استفزاز مشاعر المسلمين حينما ارتكب خطيئةً فادحةً عندما تعهد بشن معركة دون هوادة في مواجهة ما سماه بالإرهاب الإسلامي وذلك خلال مشاركته في مراسم تكريم أربعة من عناصر الشرطة كانوا قد قتلوا في هجومٍ شنه الشرطي الفرنسي " ميكايل أربون " الذي اعتنق الإسلام قبل عَشر سنوات وتبنى أفكارا متشدّدةً والأمر لا ينحصر فقط في استخدام الرئيس الفرنسيّ تعبير الإرهاب الإسلامي الذي لا ينطوي على ظهور نوازع عنصرية لديه وإنما الاخطر دعوته للتحريض على الديانة الإسلاميّة وملايين المواطنين الفِرنسيين الذين يعتنقونها ويتصفون بالاعتدال ويدينون كل من يرتكِب جرائم إرهابية بغض النظر عن دينهِ وأصلِه .

ليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الرئيس الفرنسي هذا المفهوم ففي زيارة سابقة له الى مصر وخلال المؤتمر الصحفي الذي وصف يومها بـ"الدراماتيكي" مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي بقصر الاتحادية تلفظ ماكرون بمصطلح " الإرهاب الإسلامي " مرتين حين تحدث عن أن الدولتين المعنيتان بالأوضاع في سوريا ومحاربة هذا النوع من الإرهاب وقد ثمن الجهود المصرية في مكافحته وفي تغريدة له على حسابه الرسمي على تويتر تحدث فيها عن تعرض فرنسا ومصر لما وصفه بـ"الإرهاب الإسلامي" أيضا وبذلك تكون المرة الثالثة التي يردد فيها نفس المصطلح .

إن فكرة الحرب ضد الإرهاب الإسلامي التي بدأ يعزف على وترها الرئيس الفرنسي تسير وتندرج في ثلاث مسارات الأول يتعلق بالشق الأمني الداخلي وهو ما يتضح من خلال تزايد الحملات العنصرية ضد المسلمين وكتابة العبارات المسيئة لهم وتدنيس المساجد والتهديد بطرد العرب والمسلمين من البلاد والثاني يتعلق بالخارج وهو عسكري في المقام الأول كما هو الحال في العراق وليبيا وذلك بهدف تحقيق بعض المكاسب السياسية والاقتصادية أما الثالث فهو دبلوماسي كما واقع الحال في لبنان ومن بعدها سوريا .

في 29 / 8 / 2017 قال ماكرون في أول خطاب له في السياسة الدولية أمام سفراء فرنسا ان مكافحة الإرهاب الإسلامي تتصدر أولويات سياستنا الخارجية وأكد أنا أتكلم بالتحديد عن إرهاب إسلامي وأنا أتحمَّل تماما مسؤولية استخدام هذا التعبير وأضاف ان ضمان أمن مواطنينا يجعل من مكافحة الإرهاب الإسلامي أولى أولوياتنا .

لقد أثارت تصريحات ماكرون الأخيرة الكثير من الاستغراب والجدل داخل الشارع الفرنسي ولدى بعض النخب والسياسيين والمراقبين الذين وجدوا بأن الخطاب السياسي الفرنسي في عهد ماركون قد تميز عن الخطاب الغربي العام الذي ظلّ في كل حوادث الإرهاب التي شهدها العالم يفصل ما بين الدين الإسلامي والأعمال الإرهابية بما في ذلك خطاب ماكرون نفسه أثناء حملته الانتخابية الرئاسية أم أن الرئيس الفرنسي أصبح يمهد لتغير الخطاب الأوروبي العام لجهة توصيف الإرهاب الذي تقوم به الجماعات الإرهابية المسلمة واعتباره ( نتاج دين ) يدعو إليه انطلاقًا من ميراث ديني قديم رسّخته مبررات الحروب الصليبية .

ماكرون بموقفه هذا اختلف عن معظم سابقيه من رؤساء العالم وهو ما دفع البعض للقلق الشديد بشأن استحداث مصطلح لم تشهده الساحة الدولية حتى في مرحلة الشك والارتباك واهتزاز العلاقة بين المسلمين والغرب أي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 فهذا المصطلح الذي تكرر استخدامه يتجاوز في مضمونه العمل الدموي للجماعات المصنفة إرهابية إلى ( منظومة الفكر والأيديولوجيا العقائدية ) ما يعني الانتقال إلى مرحلة النصوص الدينية ذاتها وهي ميدان يعد الاقتراب منه لعبا بالنار وغوص في المحرمات لدى الكثير من المنتسبين للإسلام .

تشدد ماكرون في استخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي أرجعه البعض إلى عدة أسباب على رأسها محاولة إلهاء الرأي العام الفرنسي المشتعل ضده بقضية الأمن ومحاولة تصدير فزاعة التطرف والإرهاب في محاولة منه لغض الطرف عن مطالب ذوي السترات الصفراء التي تنادي بتنحيته واسقاطه .

ومن الواضح جدا أن المستفيد الوحيد من تصنيف ماكرون للإرهاب بهذا الشكل وإلصاقه بالإسلام هي ذاتها الجماعات المتطرفة التي من المتوقع أن توسع دائرة نفوذها داخل العالم الإسلامي حال استمرار العزف على هذا الوتر الحساس جدا حيث تجد الجماعات مع هذه الظاهرة أرضا خصبة لنمو أفكارها وتحقيق العديد من المكاسب وهو ما سبق ان حدث بالفعل ويكفي أن ممثلة هذا التيار " مارين لوبان" وصلت إلى المرحلة النهائية في ماراثون الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة هذا بخلاف خطورة الانزلاق نحو حروب أصوليات مستجدة قد يطول مداها ويستنهض فيها التاريخ الدموي بين أتباع الكتب السماوية في الماضي البعيد والقريب وهنا نسال الرئيس ماكرون هل المتطرفين من ( أصول مسيحية ) لا يشترط أن تكون الديانة هي المتهم الرئيسي وراء العمليات التي يقومون بها ضد المسلمين وغير المسلمين .

أين الرئيس ماكرون عن مشاهدة ممارسات الإرهاب اليهودي الفعلي في الضفة و قِطاع غزّة بحق المدنيين والشيوخ والأطفال والنساء وأين هو من قانون يهودية الدولة الذي أزال الفصل بين الديانة اليهودية والمواطنة الإسرائيليّة واعتبر فِلسطين المحتلة أرض لليهود فقط في واحدة من أبشع السّوابق العنصرية في التاريخ ولماذا لم يصِف المجازر التي ارتكبتها القوات الأمريكية في العِراق وما زالت ترتكبها في أفغانستان وليبيا ( بـالإرهاب المسيحي ) .

نقول الحقيقة المرة يا سيد ماكرون ان من ارتكب الجريمة وقتل عناصر الشرطة الأربعة هو فرنسي الأصل والمربى اعتَنق الإسلام لأنه وجد فيه دين التسامح والمساواة وقد سبق له العَمِل في جهاز المخابرات الفِرنسيّة السري وحصَل على تصريح أمني من أعلى المُستويات وعليكم قبل ( اتهام الآخرين والحاق التهمة بالمسلمين ) عليكم البحث والتحري عن الدوافع الحقيقيّة التي دفعته للاقدام على هذاالعمَل الإرهابي المرعب في حق زملائه في العمل .

يعلم الرئيس ماكرون جيدا وقبل غيره انه إذا كان هناك طرف ما أيد الإرهاب ودعمه وعززه وكبره ورعاه ونظمه في سورية فهي الحكومة الفرنسيّة التي سانَدت الجماعات المسلحة المتشددة إسلاميا حسب مصطلحك وتعبيرك وانتم أول من دربتها وسلّحتها للجهاد في سورية للإطاحة بالنظام و قد كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون هما الوحيدان اللّذان ذهَبا إلى اجتماع بروكسل لاستصدار قرار من الاتّحاد الأوروبي برفع الحَظر عن إرسال السلاح لسورية من أجل هذا الغَرض المبيت عندكم .

لقد زادت تصريحات ماكرون العنصرية هذه من مخاوف المسلمين داخل فرنسا و خارجها جراء ما قد تحمله الأيام القادمة من خوف وقلق بشأن إستراتيجية فرنسا المقبلة في التعامل مع الجاليات الإسلامية حتى وإن كان الدافع ورائها محاولة ماكرون ( استعادة شعبيته المفقودة وتثبيت أركان حكمة ) مؤكد ونحن على يقين ان ما قاله الريس الفرنسي ماكرون لم يكن مجرد زلّة لسان طارئة وإنّما كشَفت عن ( نوايا عنصريّة ) بغيضة ومرفوضة في فرنسا بلد الحريّة والمساواة والإخاء وعلى ماكرون تحمل مسؤولية خطئه الجسيم والتراجع والاعتذار لجميع المسلمين وتطمينهم على حياتهم ومستقبلهم وأمنهم وخاصة اولئك المقيمين على الأراضي الفرنسية .

لا شك أن قضية الأمن باتت تمثل هاجسا قويًا للفرنسيين في السنوات الأخيرة لا سيما بعد وقوع العديد من الحوادث التي تم إلصاقها إلى منتسبين للإسلام من جماعات متطرفة ولكن رغم وقوع العديد من الجرائم الأخرى بأيدي متطرفين ( غير مسلمين ) فإن التركيز الإعلامي والسياسي الفرنسي بقي منصبا بشكل أكبر على تلك التي قام بها مسلمون .

يقدر عدد المسلمين في فرنسا بأكثر من خمسة ملايين من مجموع سكان يناهز 67 مليون نسمة حيث ازداد عددهم بشكل كبير منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية واعتمدت فرنسا عام 1905 قانون تشريعي ينص على الفصل بين الكنيسة والدولة بإنشاء جمهورية علمانية .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات