بولتون الصقر المتطرف غادر منصبه مكسور الجناح !
من المفيد بداية ان نبين ان نهج الشك والريبة وعدم الثقة خلق مع ترامب وظل يحيطه طيلة حياته في ميادين المال والأعمال والإعلام ثم أخيرا السياسة حيث يعتقد جازما بأنه لا أصدقاء دائمين ولا مستشارين دائمين " خارج العائلة " وعلى هذه الخطى الحذرة ربى ووجه أبناءه وإفراد أسرته وقد بدا واضحا بعد حوالي ثلاث سنوات من ولايته الأولى أن الممثل السابق ورجل الأعمال المعروف والرئيس الأميركي الخامس والأربعين يبحث في عن البريق الإعلامي ويسعى إلى تحقيق عمل ما يخلده حتى لو كان على حساب مصالح الولايات المتحدة أو مصالح وأمن ومستقبل حلفائها وكأن حاله يقول بغرور وجنون ( ترامب أولا ) بدل ( أميركا أولا ) حسبما يدعي في كل مناسبة ويردد دائما.
لا زال ترامب يسير مستعجلا في الاتجاه ذاته من حيث الرغبة في تحقيق أي إنجاز حتى لو كان على مستوى توقيع اتفاقية سلام بسيطة مع حركة طالبان أو العودة إلى طاولة الحوار مع إيران بشكل مؤقت أو وضع يده في يد رئيس كوريا الشمالية في بروتوكول مجاملة أو تكرار سيناريو تسليم العراق لإيران وسوريا لروسيا دون اي احتساب لحجم المخاطر والتداعيات.
وعلى الطريقة ( الترامبية الدراماتيكية ) التي أصبحت ظاهرة مزاجية ومرضية مقلقة بعدما تفشت في أروقة البيت الأبيض وطالت العديد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية عسكريين ومدنيين وبطريقة مثيرة للجدل فقدأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء الماضي الموافق 10 / 9 / 2019 وعبر تغريدة له على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي إقالة جون بولتون مستشار الأمن القومي المتشدد حيث قال بكلمات مباشرة وصادمة " أبلغت جون بولتون أن خدماته لم تعد مطلوبة في البيت الأبيض ولم أوافق بشدة مع الكثير من اقتراحاته كما فعل الكثيرون في الإدارة لذلك طلبت منه الاستقالة وقدمها لي أشكره جزيل الشكر على خدمته وسأقوم بتعيين مستشار جديد للأمن القومي " وقد شكك بولتون في رواية الرئيس للأحداث بل وكذبها وأكد في عدة رسائل موجهة للصحفيين وعلى موقع تويتر نفسه أنه هو من قدم استقالته وقال في تغريدة له "اقترحت أن أستقيل الليلة الماضية فقال لي الرئيس دعنا نتحدث عن ذلك غدًا " وأضاف انه سلم صباح الثلاثاء رسالة من جملتين إلى مساعده ليحولها إلى الرئيس ترامب كتب فيها ( أنا أستقيل ) حيث تم تفعيل القرار على الفور.
بعد 17 شهرا من تعيين ترامب لبولتون مستشارا للأمن القومي الأمريكي ورغم التقائهما في البدايات حول فكرة رفض الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران في السنوات السابقة الا ان العلاقة بينهما كانت " جامدة وحذرة ومتناقضة " طغت فيها الخلافات بينهما حول مجموعة من القضايا بشأن كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران وأفغانستان وسلسلة أخرى من المسائل والتحديات العالمية إلا أن القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقال كانت جملة الخلافات حول التفاوض مع حركة طالبان مؤخرا حين عارض بولتون خطة وزارة الخارجية الأميركية للتوقيع على اتفاق سلام مع حركة طالبان معتقدا بأن قادتها لا يمكن الوثوق بهم مستقبلا الأمر الذي انتهى به إلى أللحاق بركب المسؤولين الراحلين الذين اختاروا مغادرة البيت الأبيض بسبب أسلوب ترامب المغاير لتوجهاتهم ومما زاد من الهوة والتنافر والتباعد بين الرجلين إصرار بولتون الشديد على التمسك بخلفيته السياسية التقليدية المحافظة في حين تغيرت مواقف وسياسات واليات ترامب حسب ظروف ومستجدات ومعطيات المرحلة.
لقد أثارت الإقالة الكثير من ردود الفعل الداخلية والخارجية وقد وجد فيها البعض خير مثال لطريقة التخبط والفوضى التي ميزت سنوات حكم ترامب حيث جاءت بشكل مفاجئ بإعلان البيت الأبيض قبل ساعة واحدة من القرار أن بولتون سيشارك في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير المالية ستيفن منوشين مما يطرح العديد من التساؤلات عن قدرة الاستمرارية داخل الإدارة الامريكية ومدى تجانس الفريق الإداري فيها مع الاستراتيجيات الأمريكية العليا بعدما كثرت الإقالات والاستقالات والتغييرات ودبت الخلافات والعداوات والانقسام.
لم تهدأ موجة الاستقالات في البيت الأبيض منذ بداية رئاسة ترامب بل تصاعدت يوما بعد يوم وقد سبقت استقالة بولتون استقالات عديدة ضمن ظاهرة لم يشهدها البيت الأبيض من قبل شملت عددا هاما من الموظفين المقربين من الرئيس ومستشاريه على غرار ستيف بانون مهندس حملته الانتخابية وشون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض وريان زينك وزير الداخلية وسكوت برويت وزير البيئة ومارك كورالو المسؤول عن التنسيق الإعلامي للفريق القانوني لترامب حول قضية روسيا ومايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق ثم جاءت استقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومدير مكتب التحقيق الفدرالي جيمس كومي ووزيرة الأمن الداخلي كيرستن نيلسن ونيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة والتي تعتبر أحد أشرس المدافعين عن تصورات ترامب في ما يتعلق بإيران وكوريا رغم اختلافها معه حول روسيا وكانت الاستقالة المثيرة للجدل استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس وباتريك شانهان وغيرهم وذكر مؤخرا أن ثلاث من كبار مساعدي بولتون هم غاريت ماركيز وسارة تينسلي وكريستين صامويليان استقالوا غداة إقالته.
جون بولتون البالغ من العمر 70 سنة هو ثالث مستشار للأمن القومي يقيله ترامب خلال فترة رئاسة حيث حل بولتون محل هربرت مكماستر الذي تم استقدامه بعد عزل مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأول لترامب بعد أن أمضى أقل من شهر في منصبه وقبل أن يصبح مستشارًا للأمن القومي كان بولتون معلقًا في قناة فوكس نيوز وقد شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ووكيل وزارة الخارجية وعمل مع إدارتي الرئيسين السابقين رونالد ريغان وجورج بوش الأب وهو من اتباع المدرسة التقليدية في السياسات الأميركية المتمسكة بعدم الحوار مع إيران والتشدد مع روسيا والكتلة الاشتراكية القديمة ولا مجال لديه للسلام مع بيونغ يانغ قبل تخليها عن السلاح النووي.
وقد كان أحد ابرز صقور إدارة جورج دبليو بوش المتشددين والمؤيدين لغزو العراق واشتهر بمعارضته وانتقاده للنظام الإيراني وتصريحات المطالبة بتغييره بشكل جذريّ وهو ما يخالف سياسات ترامب الذي بقي يتلاعب في الملف الإيراني ولم يحدد سياسة احتواء واضحة وترك باب الحوار مفتوح ما أدى الى حدوث انقسام في الولايات المتحدة بشأن إيران بدل أن يحدث انقساما في إيران نفسها حول الصراع مع امريكا.
لم ينتظر الرئيس الأميركي ترامب طويلا لتصفية حساباته مع جون بولتون فبعد يوم من إقالته من منصبه كمستشار للأمن القومي وصفه ترامب بالـكارثة في التعامل مع ملف كوريا الشمالية وخارج السياق فيما يتعلق بفنزويلا ولم يكن على توافق مع مسؤولين على قدر كبير من الأهمية ووصف أسلوبه بـالمتعنت الفظ وانه ارتكب أخطاء كبيرة منها الإساءة لزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون عندما طالبه بأن يحذو حذو " النموذج الليبي " ويسلم كل أسلحته النووية وقد كلف هذا التصريح أمريكا الكثير حيث هددت كوريا الشمالية في حينها بإلغاء أول قمة بين كيم وترامب بعدما وصفت بولتون بأنه "مولع بالحرب" ومن "حثالة البشر".
وللحقيقة انه جرى الإعداد لتهميش بولتون وإبعاده منذ فترة داخل البيت الأبيض فوزير الخارجية مايك بومبيو ومبعوثه زلماي خليل زاده أقنعا ترامب بتغييب بولتون عن اجتماعات أفغانستان كما جرى لومه في الفشل في مسألة الإطاحة بمادرورو في فنزويلا ثم اصطدم مع المستشار السابق لمدير الفريق الجديد ميك مولفاني وخسر داعما قويا في وزارة الدفاع باستقالة شانهان وقبل أن يتصادم مع العائلة ومكتب السيدة الأولى ميلانيا ومساعدتها السابقة والناطقة الجديدة للبيت الأبيض ستيفاني غريشام فعملية تحجيم دور بولتون وتحويله كبش ومحرقة جارية منذ فترة بعيدة لكنها تفاقمت في الأسبوع الأخير بالتسريبات حول أفغانستان ومعارضة بولتون علنا لاستراتيجية الانخراط مع طالبان ودعوتها إلى الولايات المتحدة للمفازضات.
ترامب وبولتون شخصيتان مختلفتان ومتناقضتان يسيران وفق خطين متوازيين لا يمكن ان يلتقيا في طريقة صنع السياسة ومقاربة الصفقات ترامب يريد الوهج الإعلامي سواء من خلال زيارته للمنطقة المنزوعة من السلاح بين الكوريتين أو باقتراحه دعوة طالبان إلى منتجع كامب ديفيد أو بدعوته وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الى البيت الأبيض أما بولتون فعكس كل ذلك تماما فهو سياسي محافظ صاحب أفكار متشددة وملتزم بالأساليب التقليدية لصنع السياسة يفضل الابتعاد عن أي حوار مباشر مع إيران وروسيا وفنزويلا ويرفض مكافأة النظام الكوري الشمالي بالتقارب الايجابي معه قبل تخليه عن سلاحه النووي واحترامه لسيادة الدول المجاورة.
ربما يكون في عزل داعية الحرب الأمريكي المنفلت جون بولتن من منصبه فرصة أخرى لدول المنطقة لحل إشكالاتها بالحوار وإبعاد الحروب عن حياتها والتي أكلت الأخضر واليابس وأرجعت بعض دول المنطقة عقودا الى الوراء تخلف ودمار وقد يفسح عزله أيضا المجال لتولي فريق أكثر تجانس في إدارة ملفات الصراع في العالم و خاصة كمطقة في الشرق الأوسط.
mahdimubarak@gmail.com
من المفيد بداية ان نبين ان نهج الشك والريبة وعدم الثقة خلق مع ترامب وظل يحيطه طيلة حياته في ميادين المال والأعمال والإعلام ثم أخيرا السياسة حيث يعتقد جازما بأنه لا أصدقاء دائمين ولا مستشارين دائمين " خارج العائلة " وعلى هذه الخطى الحذرة ربى ووجه أبناءه وإفراد أسرته وقد بدا واضحا بعد حوالي ثلاث سنوات من ولايته الأولى أن الممثل السابق ورجل الأعمال المعروف والرئيس الأميركي الخامس والأربعين يبحث في عن البريق الإعلامي ويسعى إلى تحقيق عمل ما يخلده حتى لو كان على حساب مصالح الولايات المتحدة أو مصالح وأمن ومستقبل حلفائها وكأن حاله يقول بغرور وجنون ( ترامب أولا ) بدل ( أميركا أولا ) حسبما يدعي في كل مناسبة ويردد دائما.
لا زال ترامب يسير مستعجلا في الاتجاه ذاته من حيث الرغبة في تحقيق أي إنجاز حتى لو كان على مستوى توقيع اتفاقية سلام بسيطة مع حركة طالبان أو العودة إلى طاولة الحوار مع إيران بشكل مؤقت أو وضع يده في يد رئيس كوريا الشمالية في بروتوكول مجاملة أو تكرار سيناريو تسليم العراق لإيران وسوريا لروسيا دون اي احتساب لحجم المخاطر والتداعيات.
وعلى الطريقة ( الترامبية الدراماتيكية ) التي أصبحت ظاهرة مزاجية ومرضية مقلقة بعدما تفشت في أروقة البيت الأبيض وطالت العديد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية عسكريين ومدنيين وبطريقة مثيرة للجدل فقدأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء الماضي الموافق 10 / 9 / 2019 وعبر تغريدة له على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي إقالة جون بولتون مستشار الأمن القومي المتشدد حيث قال بكلمات مباشرة وصادمة " أبلغت جون بولتون أن خدماته لم تعد مطلوبة في البيت الأبيض ولم أوافق بشدة مع الكثير من اقتراحاته كما فعل الكثيرون في الإدارة لذلك طلبت منه الاستقالة وقدمها لي أشكره جزيل الشكر على خدمته وسأقوم بتعيين مستشار جديد للأمن القومي " وقد شكك بولتون في رواية الرئيس للأحداث بل وكذبها وأكد في عدة رسائل موجهة للصحفيين وعلى موقع تويتر نفسه أنه هو من قدم استقالته وقال في تغريدة له "اقترحت أن أستقيل الليلة الماضية فقال لي الرئيس دعنا نتحدث عن ذلك غدًا " وأضاف انه سلم صباح الثلاثاء رسالة من جملتين إلى مساعده ليحولها إلى الرئيس ترامب كتب فيها ( أنا أستقيل ) حيث تم تفعيل القرار على الفور.
بعد 17 شهرا من تعيين ترامب لبولتون مستشارا للأمن القومي الأمريكي ورغم التقائهما في البدايات حول فكرة رفض الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران في السنوات السابقة الا ان العلاقة بينهما كانت " جامدة وحذرة ومتناقضة " طغت فيها الخلافات بينهما حول مجموعة من القضايا بشأن كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران وأفغانستان وسلسلة أخرى من المسائل والتحديات العالمية إلا أن القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقال كانت جملة الخلافات حول التفاوض مع حركة طالبان مؤخرا حين عارض بولتون خطة وزارة الخارجية الأميركية للتوقيع على اتفاق سلام مع حركة طالبان معتقدا بأن قادتها لا يمكن الوثوق بهم مستقبلا الأمر الذي انتهى به إلى أللحاق بركب المسؤولين الراحلين الذين اختاروا مغادرة البيت الأبيض بسبب أسلوب ترامب المغاير لتوجهاتهم ومما زاد من الهوة والتنافر والتباعد بين الرجلين إصرار بولتون الشديد على التمسك بخلفيته السياسية التقليدية المحافظة في حين تغيرت مواقف وسياسات واليات ترامب حسب ظروف ومستجدات ومعطيات المرحلة.
لقد أثارت الإقالة الكثير من ردود الفعل الداخلية والخارجية وقد وجد فيها البعض خير مثال لطريقة التخبط والفوضى التي ميزت سنوات حكم ترامب حيث جاءت بشكل مفاجئ بإعلان البيت الأبيض قبل ساعة واحدة من القرار أن بولتون سيشارك في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير المالية ستيفن منوشين مما يطرح العديد من التساؤلات عن قدرة الاستمرارية داخل الإدارة الامريكية ومدى تجانس الفريق الإداري فيها مع الاستراتيجيات الأمريكية العليا بعدما كثرت الإقالات والاستقالات والتغييرات ودبت الخلافات والعداوات والانقسام.
لم تهدأ موجة الاستقالات في البيت الأبيض منذ بداية رئاسة ترامب بل تصاعدت يوما بعد يوم وقد سبقت استقالة بولتون استقالات عديدة ضمن ظاهرة لم يشهدها البيت الأبيض من قبل شملت عددا هاما من الموظفين المقربين من الرئيس ومستشاريه على غرار ستيف بانون مهندس حملته الانتخابية وشون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض وريان زينك وزير الداخلية وسكوت برويت وزير البيئة ومارك كورالو المسؤول عن التنسيق الإعلامي للفريق القانوني لترامب حول قضية روسيا ومايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق ثم جاءت استقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومدير مكتب التحقيق الفدرالي جيمس كومي ووزيرة الأمن الداخلي كيرستن نيلسن ونيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة والتي تعتبر أحد أشرس المدافعين عن تصورات ترامب في ما يتعلق بإيران وكوريا رغم اختلافها معه حول روسيا وكانت الاستقالة المثيرة للجدل استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس وباتريك شانهان وغيرهم وذكر مؤخرا أن ثلاث من كبار مساعدي بولتون هم غاريت ماركيز وسارة تينسلي وكريستين صامويليان استقالوا غداة إقالته.
جون بولتون البالغ من العمر 70 سنة هو ثالث مستشار للأمن القومي يقيله ترامب خلال فترة رئاسة حيث حل بولتون محل هربرت مكماستر الذي تم استقدامه بعد عزل مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأول لترامب بعد أن أمضى أقل من شهر في منصبه وقبل أن يصبح مستشارًا للأمن القومي كان بولتون معلقًا في قناة فوكس نيوز وقد شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ووكيل وزارة الخارجية وعمل مع إدارتي الرئيسين السابقين رونالد ريغان وجورج بوش الأب وهو من اتباع المدرسة التقليدية في السياسات الأميركية المتمسكة بعدم الحوار مع إيران والتشدد مع روسيا والكتلة الاشتراكية القديمة ولا مجال لديه للسلام مع بيونغ يانغ قبل تخليها عن السلاح النووي.
وقد كان أحد ابرز صقور إدارة جورج دبليو بوش المتشددين والمؤيدين لغزو العراق واشتهر بمعارضته وانتقاده للنظام الإيراني وتصريحات المطالبة بتغييره بشكل جذريّ وهو ما يخالف سياسات ترامب الذي بقي يتلاعب في الملف الإيراني ولم يحدد سياسة احتواء واضحة وترك باب الحوار مفتوح ما أدى الى حدوث انقسام في الولايات المتحدة بشأن إيران بدل أن يحدث انقساما في إيران نفسها حول الصراع مع امريكا.
لم ينتظر الرئيس الأميركي ترامب طويلا لتصفية حساباته مع جون بولتون فبعد يوم من إقالته من منصبه كمستشار للأمن القومي وصفه ترامب بالـكارثة في التعامل مع ملف كوريا الشمالية وخارج السياق فيما يتعلق بفنزويلا ولم يكن على توافق مع مسؤولين على قدر كبير من الأهمية ووصف أسلوبه بـالمتعنت الفظ وانه ارتكب أخطاء كبيرة منها الإساءة لزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون عندما طالبه بأن يحذو حذو " النموذج الليبي " ويسلم كل أسلحته النووية وقد كلف هذا التصريح أمريكا الكثير حيث هددت كوريا الشمالية في حينها بإلغاء أول قمة بين كيم وترامب بعدما وصفت بولتون بأنه "مولع بالحرب" ومن "حثالة البشر".
وللحقيقة انه جرى الإعداد لتهميش بولتون وإبعاده منذ فترة داخل البيت الأبيض فوزير الخارجية مايك بومبيو ومبعوثه زلماي خليل زاده أقنعا ترامب بتغييب بولتون عن اجتماعات أفغانستان كما جرى لومه في الفشل في مسألة الإطاحة بمادرورو في فنزويلا ثم اصطدم مع المستشار السابق لمدير الفريق الجديد ميك مولفاني وخسر داعما قويا في وزارة الدفاع باستقالة شانهان وقبل أن يتصادم مع العائلة ومكتب السيدة الأولى ميلانيا ومساعدتها السابقة والناطقة الجديدة للبيت الأبيض ستيفاني غريشام فعملية تحجيم دور بولتون وتحويله كبش ومحرقة جارية منذ فترة بعيدة لكنها تفاقمت في الأسبوع الأخير بالتسريبات حول أفغانستان ومعارضة بولتون علنا لاستراتيجية الانخراط مع طالبان ودعوتها إلى الولايات المتحدة للمفازضات.
ترامب وبولتون شخصيتان مختلفتان ومتناقضتان يسيران وفق خطين متوازيين لا يمكن ان يلتقيا في طريقة صنع السياسة ومقاربة الصفقات ترامب يريد الوهج الإعلامي سواء من خلال زيارته للمنطقة المنزوعة من السلاح بين الكوريتين أو باقتراحه دعوة طالبان إلى منتجع كامب ديفيد أو بدعوته وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الى البيت الأبيض أما بولتون فعكس كل ذلك تماما فهو سياسي محافظ صاحب أفكار متشددة وملتزم بالأساليب التقليدية لصنع السياسة يفضل الابتعاد عن أي حوار مباشر مع إيران وروسيا وفنزويلا ويرفض مكافأة النظام الكوري الشمالي بالتقارب الايجابي معه قبل تخليه عن سلاحه النووي واحترامه لسيادة الدول المجاورة.
ربما يكون في عزل داعية الحرب الأمريكي المنفلت جون بولتن من منصبه فرصة أخرى لدول المنطقة لحل إشكالاتها بالحوار وإبعاد الحروب عن حياتها والتي أكلت الأخضر واليابس وأرجعت بعض دول المنطقة عقودا الى الوراء تخلف ودمار وقد يفسح عزله أيضا المجال لتولي فريق أكثر تجانس في إدارة ملفات الصراع في العالم و خاصة كمطقة في الشرق الأوسط.
mahdimubarak@gmail.com
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |