دوامة التعديلات القانونية


كثيرا ما نعاني من نفس المشكلة؛ نستعجل إقرار التشريعات في البرلمان، ثم نكتشف بعد فترة وجيزة أن فيها نواقص تستدعي تعديلها مرة أخرى.

الشواهد القانونية على ذلك عديدة، ولعل ذلك أحد اهم الأسباب التي تجعل من حالة عدم الاستقرار صفة ملازمة للبيئة التشريعية، ومدعاة لشعور المستثمرين الأردنيين والأجانب بالارتباك والتردد، وهي الشكوى التي نسمعها على كل لسان.

القوانين الاقتصادية على وجه التحديد هي الضحية الدائمة لحالة الارتباك التشريعي. قانون الاستثمار على سبيل المثال محل انتقاد دائم رغم تعديلاته المتكررة، ومثله قانون الضريبة، وما يلازم تعليماته وأنظمته من جدل لا يتوقف.

الدورات الاستثنائية للبرلمان كالدورة المنعقدة حاليا، تشهد في معظم الأحيان مناقشات متسرعة لتعديلات تشريعية غاية في الأهمية، ونظرا لضيق الوقت، يضغط النواب والحكومة باتجاه توافقات عاجلة ومتسرعة لضمان إقرار القانون، وبالنتيجة يكتشف الطرفان أن في التشريع ثغرات تستدعي فتحه من جديد. او أن أطرافا ذات مصلحة لم ترضها التغييرات، فتضطر الحكومة لمراجعة القانون مرة أخرى.

أغلب التشريعات المعروضة على دورات البرلمان هي تعديلات على قوانين نافذة، في مؤشر واضح على الاستعجال في إقرار القوانين، وعدم ضمان الحد الأدنى من توافق الأطراف المعنية عليها.

في الدورة الحالية للبرلمان يحتدم السجال حول تعديلات قانون الضمان الاجتماعي، وهو قانون غاية في الأهمية بالنسبة لعموم الأردنيين. والتعديلات المقترحة تمس مواد جوهرية فيه، حسم الجدل حولها يتطلب مراجعات دقيقة مع خبراء وأهل اختصاص، ودراسات متأنية للمقترحات المعروضة، لكن كما هو الحال دائما، عامل الوقت يضغط على الجميع ويفرض تسويات يتبين لاحقا أنها غير كافية لتحقيق المصلحة العامة.

وعلى جدول اعمال الدورة أيضا مشروع قانون عملاق للأسلحة والذخائر يحتاج لنقاش وطني واسع ودراسة عميقة من طرف أهل القانون في البرلمان، بينما مدة الدورة الاستثنائية لا تكفي لمراجعة بضعة تعديلات محدودة على قوانين معروضة بصفة الاستعجال.

قبل أشهر قليلة فقط أنجزنا قانون ضريبة الدخل، بعد جدل طويل أودى بحياة حكومة وأتى بحكومة جديدة، كافحت طويلا لتمريره. لكن ذلك كله لم يكن كافيا للوصول إلى تشريع مقبول من مختلف الأطراف. قد لا يكون هذا هدفا ملزما للحكومة والبرلمان، لكن المناقشات الطويلة لم تكن كافية لسد بعض الثغرات التي ظهرت عند التطبيق، ما يعني الحاجة لطرحه للتعديل مرة أخرى على ما ألمحت مصادر حكومية.

يقول خبراء التشريع إن الالتزام بتطبيق تشريع ناقص لفترة كافية من الوقت أفضل للمصلحة العامة من إخضاعه للتعديل المستمر. مشكلتنا أننا نميل للتعديل الدائم على التشريعات ومع ذلك لا نحظى بقوانين ترضي المعنيين وأصحاب المصلحة، فنبقى ندور في حلقة مفرغة من التشريعات المعدلة، دون أن نكسب رضى أحد.

وفي حالات كثيرة نشهد مثلها حاليا، تفتح التعديلات المثيرة للجدل بابا لكيل الاتهامات للحكومة ونواياها من وراء التعديل، وفي المحصلة لا نجني تشريعا مقنعا، ولا رضى شعبيا على الحكومة والبرلمان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات