الطيور على أشكالها تقع .. والتحالفات الجديدة


كثير من الامثال العربية التي سارت عليها الاجيال الماضية باتت لا تصلح اطلاقا للزمن الذي نعيش فيه هذه الايام, فالمثل العربي الجميل القائل:(الطيور على أشكالها تقع) كان صحيحا وصالحا لفترة طويلة من الزمن, اما اليوم فلم يعد هذا المثل واقعا ملموسا, ويمكن ان نضع امامه العديد من اشارات الاستفهام, فقد توقف علماء اللغة الكبار عند كلمة (تقع) طويلا حائرين محتارين, حيث ذهب بعضهم على انها تعني انه مهما كان نوع وشكل الطير فانه في نهاية الامر سيصطدم بالأرض اثناء التدرب والتدريب على الطيران, وذهب اخرون الى ان كلمة تقع تعني ان كل شكل وكل نوع من انواع الطيور تطير وتغرد مع صنفه ونوعه من الطيور,...مع كل ذلك ما زال هؤلاء العلماء في حيرة من امرهم في واقع هذا الكلمة وفي واقع هذا المثل.

المفارقة الغريبة العجيبة التي وقف عندها خبير الطيور الامريكي الدكتور«جون زيمر», فقد لاحظ يوما من الايام وفي احدى الغابات الامريكية لاحظ تشكيلة غريبة من الطيور المختلفة الاشكال والانواع والانماط تطير بعيدا وتُغرد معا ثم تحط قريبا هنا هناك, وان هذه التشكيلة الجديدة قد خالفت واستقلت بمحض ارادتها عن المثل القائل:(الطيور على أشكالها تقع), عند هذا المشهد طرح الاستاذ الدكتور «جون زيمر» اسئلة سلوكية خطيرا كان من بينها, هل يمكن للطيور لاحقا ان تشكل تحالفات جديدة من الاصناف المختلفة خلافا لأشكالها وانواعها وانماطها المعتادة؟

لم يعد المثل القائل بان الطيور على أشكالها تقع ينسحب على كثير من الامور, فقد لوحظ في الآونة الاخيرة وعلى ارض الواقع تجمعات حزبية معروفة للجميع قد اتت بتشكيلات متنوعة من الاعضاء الذين يحملون مبادئ وافكار من الوسط وافكار من اليسار وأخرى من اليمين, وان كثير من الحزبيين الكبار المعروفين باتوا يطالبون ويدعون احزابهم وتياراتهم من تحت الطاولة ان تضم اليها مزيد من الاعضاء الجدد من ذوي الافكار والتوجهات والالوان المختلفة, من اجل ان تنجح وتستمر احزابهم وتياراتهم مستقبلا, وقد اصبح الهدف المخفي من كل ذلك هو عدم الانقراض والذوبان حتى لو كان ذلك على حساب الافكار والتوجهات والمبادئ التي تتبناها تلك الاحزاب.

الطيور نفسها قد خالفت طبيعتها الفطرية في مبدأ الطيور على أشكالها تقع كما لاحظ الدكتور«جون زيمر» في احدى الغابات حيث تشكلت اسراب متنوعة جديدة من الطيور لأهداف خاصة بها لا يعلمها الا الله, ثم ان بعض الاحزاب والتيارات بكافة افكارها وتوجهاتها قد قلبت هذا المثل العربي رأسا على عقب وتشكلت بقالب جديد لأهداف خاصة, واليوم نحن امام تحالفات دولية جديدة بين الدول تتشكل ايضا من جديد لأهداف معينة جديدة, والسؤال هنا, كيف ستكون خارطة التحالفات والتشكلات الجديد بين الدول, اعتقد انها ستكون في ضوء تحديد من هو العدو ومن هو الصديق في اطار جديد,..ففي الوقت التي تثار فيه زوبعة العدو والصديق, نجد ان اطرافا تدّعي ان العدو الوحيد ايران, وان اسرائيل صديق جديد متوقع لهذه الاطراف, مطالبة بتحالفات اقليمية جديدة تنضم اليها, ونجد في المقابل ان اطرافا اخرى تدّعي ان العدو الوحيد اسرائيل, وان ايران صديق جديد لهذه الاطراف, مطالبة بتحالفات اقليمية جديدة تنضم اليها.

عالمنا العربي هذه الايام يعيش اضطراب هستيري عميقا, وينطبق على هذا العالم ما قاله « ابوالعصا» في قصته المعروفة للجميع, فقد كان «ابوالعصا» رحمه الله متزوجا من اثنتين, الاولى تدعى «حانا», والثانية تدعى «مانا»..., واخر التعليلة تآمرن عليه ونتفا لحيته كاملة, ليقول نادما: (بين حانا ومانا ضاعت لحانا), وخرج يبحث عن عصاه التي كان يسند بها ظهره, ويتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، فقالت له احداهن تجدها حطبا على موقد نار غدانا.

كل شيء في هذا الكون متغير ومتبدل وغير ثابت, فالطيور لم تعد على اشكالها تقع, والافراد والجماعات لم تعد على اشكالها تقع, والاحزاب لم تعد على اشكالها تقع, والدول لم تعد على اشكالها تقع,...والعامل المشترك والمسبب لهذه التغيرات والتحولات والتبدلات كلها هو فقط مبدأ المصالح الضيقة, وهنا ادعوا تلاميذ خبير الطيور الامريكي الدكتور«جون زيمر», ادعوهم الى ان يبحثوا فيما اذا كانت النباتات ما زالت متمسكة بمبدأ الطيور على أشكالها تقع, ام لا.

بقي ان نقول: إذا قرأت يوما(كل من عليها فان)، فلا تسكت حتى تقرأ: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات