بعد سنوات عجاف .. ماذا تعلمنا؟


عانى الأردن لسنوات من فوضى الأولويات الوطنية، أو لنقل بدقة أكثر ان السنوات الثماني الأخيرة التي عاشها الإقليم حالت دون التفكير والتخطيط للمستقبل، وفرضت على الدولة سياسات طارئة وإجراءات إضطرارية، بنفس الوقت الذي أصيب فيه القطاع الخاص بالشلل مع تراجع فرص التصدير للخارج، وانخفاض مردود قطاعات أساسية كالسياحة والخدمات اللوجستية.

برامج الاصلاح المالي والاقتصادي كانت الخيار الوحيد لمعالجة الاختلالات العميقة في موازنة الدولة وأبرزها العجز والمديونية المتفاقمة ونسب النمو المتواضعة جدا. وكان لهذه البرامج كلف اجتماعية واقتصادية باهظة، سيستمر أثرها السلبي لسنوات قليلة مقبلة.

لكن الانفراج النسبي للأوضاع الإقليمية واستقرار الحالة الأمنية في دول الجوار، مع الخبرة المكتسبة في التكيف مع الظروف المحيطة، منحت الأردن فسحة من الوقت للتخطيط وترتيب الأولويات للفترة المقبلة.

لقد علمتنا تجربة السنوات الماضية مدى الحاجة للاعتماد على الذات وتطوير قدراتنا الوطنية لتحقيق التنمية وخلق فرص العمل ومواجهة تحديات مثل الفقر والبطالة برؤية جديدة تعتمد بالدرجة الأولى على تنمية المهارات لدى الشباب،واستعادة بريق الموارد البشرية الأردنية التي ظلت لعقود طويلة ميزة في المحيط العربي.

لفترة سابقة تمسكنا بسياسة مفادها أن التغلب على مشكلة البطالة مرهون بقدرتنا على جذب استثمارات أجنبية للسوق الأردني. ليس هناك خلاف على صحة هذا التوجه، فهو مايزال مطلوبا ولايجوز التخلي عنه كاستراتيجية دائمة. لكن كان علينا اختبار سياسات وطنية تساهم إلى حد كبير في تحقيق التنمية والتشغيل وتخفيض معدلات البطالة، وهو مابدأنا بفعله حاليا، وأعني تطوير قطاع المشاريع الصغيرة والمبادرات الريادية والشبابية، ودعم الأعمال الإنتاجية الموجهة في قطاعات زراعية وصناعية وخدمية، خاصة في المحافظات.

وإضافة إلى ذلك الدخول في تحد طالما تناولناه بالتنظير دون أفعال، وهو العمل بشكل جدي لإحلال العمالة الوطنية مكان الوافدة في مهن وقطاعات يمكن للشباب الأردنيين العمل فيها دون شعور بالحرج أو قلة العائد المادي.

كان مرد الفشل المزمن، سياسات التعليم التي توسعت بشكل هائل في المسار الأكاديمي على حساب المسار المهني. في الآونة الأخيرة فقط بدأنا العمل جديا على كسر هذا النمط القاتل من التعليم عن طريق برامج التدريب المهني التي تبنتها الحكومة. لكن هذه البرامج على أهميتها لاتكفي لاحتواء المشكلات إذا لم تواكبها تغييرات جذرية في سياسات التعليم العالي والقبول الجامعي.

المهم في الأمر أننا وبعد نقاش طويل ومخاض عسير، حققنا مايشبه التوافق الوطني على برنامج عمل للمستقبل يعالج قضايا البطالة والتشغيل، وتخطي ثقافة الوظيفة الحكومية، وتنمية المهارات، وكسب الاحترام والتقدير لثقافة الشغل والعمل الحر والتأهيل المهني. ولغاية الآن تبدو الاستجابة الاجتماعية لهذه التحولات مقبولة ومبشرة.

على مستوى القطاعات الكبرى، انفتحت آفاق واعدة أمام الصناعات والزراعة الأردنية مع إعادة فتح أسواق العراق وسورية وتنشيط أسواق خليجية واعدة. وفي الأفق تعاون مثمر بين الثلاثي الأردني المصري العراقي.وتحسن فرص التجارة مع أوروبا بعد تعديل اتفاقية المنشاة لزيادة حجم الصادرات الأردنية.

الاستقرار النسبي في المنطقة العربية، وقدرة الأردنيين على اختبار الفرص وسط الأزمات، مصحوبا بتخطيط سليم، أعطانا قدرا من التفاؤل بالمستقبل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات