الصراع مع اليهود صراع وجود وصراع حدود


منذ أن ظهرت كلمة إسرائيل في حياة الشعوب العربية وراحت تتردد على ألسنة العرب، خوفاً أو حذراً أو اشمئزازاً، والعرب في صراع مستمر يمكن أن نفسره بمثابة صراع على الحياة، وصراع على الوجود، وصراع على المصالح؛ هي مجموعة من الصراعات حدثت وما زالت تحدث في منطقتنا العربية؛ أصبح الرابح الأكبر فيها: إسرائيل، وأصبح العرب هم الطرف المهزوم، على مر التاريخ القديم والحديث، وكانت الخسائر العربية تتمثل فيما يأتي:

أولاً: ضياع فلسطين عام (1948)، وقيام إسرائيل على أشلاء المدن والقرى الفلسطينية.

ثانياً: تمدد إسرائيل كالسرطان في العمق الفلسطيني، واحتلال ما تبقى من أرض فلسطين عام (1967)، وإصرار قيادات اليهود على التفاوض المباشر لتحقيق السلام دون تطبيق قرارات الشرعية الدولية، ما أفرز حالة من التطبيع جاءت مع مرور الوقت.

ثالثاً: التوسع والتمدد السرطاني اليهودي قبل أن تنتبه الشعوب العربية؛ جاء عن طريق الإحتلال العسكري، أو شراء الأراض، أو الإحتلال الناعم.

معروف أن إسرائيل وبحجة المحافظة على كيانها من العمليات الفدائية، أو من عمليات التسلل؛ تمددت عسكرياً عبر بوابة الحروب السريعة والخاطفة، فاحتلت الجولان عسكرياً، وجنوب لبنان، وسيناء في حرب كانت أمريكا على رأس الغرب في مساندة ذا المرض السرطاني المتوحش، وكانت عمليات وقف إطلاق النار التي كان يقوم بها الجيش الإسرائيلي بمساعدة أمريكا أو مجلس الأمن الدولي، أو الضغط الدولي بشكل عام في كل معركة؛ بمثابة تثبيت قواعد عسكرية في عمق المعركة دون العودة الى الوراء، مما سمح لإسرائيل بالتواجد الدائم للتفاوض على ما اكتسبه اليهود من المعركة.

مفاوضات تعجيزية الهدف منها نسيان القديم والتفاوض على الجديد مع ضغط ناعم من قبل الغرب بمساعدات لا تسمن ولا تغني.

عملية شراء الأراضي ساعدت إسرائيل على فضح العرب، وإقناع العالم بأن العرب يمكن التعامل معهم تجارياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وأن التطرف الإسلامي تحديداً هو الذي يقف حجر عثرة في طريق مستقبل آمن يكون فيه العرب واليهود على طاولة واحدة، هدفها رسم سياسة منطقة الشرق الأوسط.

ما شاهدناه في بداية الألفية الثالثة من ثراء فاحش يصل الى حد الكفر، وأموال بالمليارات تدخل وتخرج من العواصم العربية، ومشاريع اقتصادية ظهرت فجأة؛ لم يكن من فراغ، بل كانت هناك أذرع يهودية وسرطانية خلف ما يجري في كثير من العواصم العربية ومنها عمان بطبيعة الحال، ومن يقرأ هذا النص لا يحتاج الى تفسير القصد أو ما أرمي إليه، فالمواطن العربي والأردني بالذات على قدر كبير من الفهم والوعي ليدرك طبيعة الأمور، أو خفايا ما يجري.

أما الإحتلال الناعم، فقد جاء عن طريق الاستثمار الإقتصادي والسياحي والزراعي في مصر والأردن، وسيتم تعميمه على بقية الدول العربية والخليجية، استفادت منه إسرائيل دون أن تُطلق طلقة واحدة، أو تخسر شيئاً، بل على العكس من ذلك؛ وقعت اتفاقيات سلام وتطبيع على كل المستويات بعيداً عن تطبيق قرارات الشرعية الدولية...

لو نظرنا الى ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن كل الأنظار تتجه الى ما تفعله إسرائيل، إذ تجدها بما تحمله من كراهية للعرب والمسلمين تتلاعب بمجموعة من الأوراق؛

الورقة الأولى تتعلق بالتطرف والإرهاب، وكانت أقنعت العالم بأن التطرف مصدره وأصله من الإسلام، وأن أكثر من يتعامل معه هم العرب، ونسي الغرب مجازر اليهود في فلسطين، ومصر، ولبنان، وغيرها من الدول...

الورقة الثانية: إسرائيل أقنعت العالم بضرورة توفير حماية لشعبها من الوحوش العربية، ونسي العالم توفير حماية للعرب مما تفعله وتقوم به إسرائيل عبر تاريخها الوحشي الملطخ بدماء الامة العربية، وأول الاعتداءات كانت في فلسطين، وليس آخرها في لبنان وسوريا.

كل هذه المقدمة الهدف منها تنبيه العرب والأردن بالذات بأننا يمكن أن يكون لنا تأثير مباشر وغير مباشر على السياسة الدولية، أن نكون من صنًاعها، ويمكن قيادة المرحلة المقبلة عن طريق اتخاذ قرارات مصيرية تقلب السحر على الساحر، يمكن أن تُعيد رسم خارطة المنطقة من جديد، ووضع حد لإسرائيل دون استخدام منطق القوة، بل يمكن استخدام قوة المنطق، لكن يجب أن تعتمد الحكومات على الشعوب في تنفيذ ما يلزم تنفيذه.

تعلم أمريكا ومعها إسرائيل وبريطانيا أن الشعوب العربية لها حسابات ربما لا تتفق مع سياسة العصا والجزرة المتبعة منذ قيام إسرائيل، وأن المساعدات الغربية التي تقدمها أمريكا وبريطانيا وأوروبا لن تجدي نفعاً مع تحرك الشعوب ضد سياسات أجنبية أكل عليها الدهر وشرب، وأن العرب بإسلامهم يستطيعون أن يصنعوا النصر، أو على أقل تقدير؛ صناعة التوازن بما تملكه الأمة العربية والإسلامية من ثقل دولي، وثروات، وشعوب جاهزة للتحرك.

على سبيل المثال وكنوع من التحرك على المستوى المحلي؛ السماح للشعب الأردني بالتظاهر بالقرب من نهر الأردن، وعلى طول الحدود مع فلسطين. هذا أولاً، ثانياً، إعادة النظر والعمل على مراجعة اتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل منذ عام (1994)، فيما يُعرف باتفاقية وادي عربة.

إن إعادة تقييم اتفاقية وادي عربة يعتبر بمثابة رسالة الى الغرب وعلى رأسهم الثور الأمريكي الذي يناطح دون أن يحسب حساب وجود قيادات وحكومات وشعوب عربية، رسالة قوية وواضحة يمكن أن يكون لها تأثير أقوى من حروب مستقبلية لا طائل منها.

ثالثاً: إن إعادة تقييم عملية السلام العربية الإسرائيلية، أيضاً سيكون له تأثير كبير، لأن وجود تحركات عربية من خلال اجتماعات الجامعة العربية سيكون لها فعل مباشر على سياسة أمريكا، وطريقة تعاملها مع العرب وكأنهم صبيان يجلسون على مقاعد الدرس، ويتلقون تعليمات لتنفيذها دون نقاش، أو اعتراض، أو حتى مجرد نظرة تشكل علامة استفهام على ما يدور من سياسات مخزية تجاوزت حدود المنطق، والمعقول، والأدب في التعامل مع أمة كُتب عليها النوم لأكثر من سبعة عقود دون أن تفكر بمصير أصبح فيه الإسلام على المحك، بعد عمليات التصفية الأخيرة، والحقد الدفين على الإسلام والمسلمين.

يتحدث التاريخ عن مملكة ميشع، ومما جاء في أحد النصوص:

... مع بدايات حكم الملك الأردني المؤابي ميشع، كان الاسرائيليون يخوضون حربا مع الممالك الآرامية شمالاً، في هذه الأثناء كان الحس الوطني لدى الأردنيين المؤابيين يشتعل، وكان الرفض لسيطرة الاسرائيليين على بعض المناطق الأردنية يملأُ أفئدتهم، حيث شعر الأردنيون المؤابيون بأن كرامتهم تنتهك عبر هذا الخضوع، لكن عندما مات عمري ملك اسرائيل بدأت نار الثورة تسري في أرض مؤاب الأردنية، مستثمرين مرحلة انتقال الحكم بعد موت ملك اسرائيل، والحروب التي تخوضها مملكة اسرائيل مع الممالك الآرامية.

قاد الملك الأردني المؤابي ميشع عمليات الثورة بنفسه، وتقدّم الصفوف، حيث زحف على المواقع الاسرائيلية من الجنوب باتجاه الشمال، فهزموا جيوش مملكة اسرائيل، وتم لهم تحرير بلادهم من الاحتلال.

الجدير بالذكر أن الملك ميشع قاد حربا على مملكتي اسرائيل ويهوذا معا وانتصر، وهزمهم هزيمة ساحقة أدت الى انتهاء مملكة إسرائيل، وتوسعت حدود المملكة الأردنية لتتجاوز البحر الميت، وطبريا ومناطق شاسعة من فلسطين، أو ما كان يعرف بمملكة إسرائيل ويهوذا.

في العصر الحديث قاد الملك الأردني الحسين بن طلال الجيش لهزيمة إسرائيل في معركة الكرامة عام (1968)، وكانت إسرائيل متفوقة على الجيش الأردني بالعدد والأسلحة الحديثة، لكن العقيدة القتالية المتأصلة في الجندي الأردني، وخوفه على وطنه أدى الى هزيمة الجيش الإسرائيلي شر هزيمة، وعلى ما يبدو أن اليهود لا يأخذون العبرة من تاريخهم الأسود، وأن المواطن الأردني لا يمكن هزيمته ولا بأي شكل من الأشكال.

ما الذي يمنعنا من إيقاف اليهود عند حدهم، وأن يكون لنا موقف موحد من كل القضايا التي تتلاعب فيها إسرائيل، وكأن المنطقة العربية خالية على عروشها...؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات