هي خط أحمر بالفعل


قبل يوم واحد فقط من زيارة مبرمجة للملك عبدالله الثاني إلى رومانيا أدلت رئيسة الوزراء هناك بتصريح متهور حول نية حكومتها بنقل سفارة بلادها في إسرائيل إلى القدس المحتلة، خلافا لموقف رئيس الجمهورية الروماني الذي سارع إلى توبيخها علنا.

لكن موقف رئيس الجمهورية على أهميته لم يكن كافيا لإقناع جلالة الملك بإجراء الزيارة في موعدها.

الليلة التي سبقت موعد الزيارة شهدت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين عمان وبوخارست لإنقاذ الزيارة الملكية المنتظرة، خاصة وان الطرفين يعولان عليها لتنشيط التبادل التجاري، وقد توجه إلى رومانيا بالفعل وفد اقتصادي أردني من القطاعين العام والخاص، لتوظيف زخم الزيارة اقتصاديا.

لكن عندما يقول الملك إن القدس خط أحمر بالنسبة له وللأردن، فهو يعني ما يقول، ولهذا تقرر إلغاء الزيارة احتجاجا على موقف رئيسة الوزراء الرومانية، بصرف النظر عما يترتب على هذا القرار من تأثير على المصالح الاقتصادية. القدس بالنسبة للملك خارج الحسابات الاقتصادية، وقد كان وما يزال مستعدا لتحمل أكلاف باهظة، ثمنا لالتزام أردني تاريخي بأولوية القضية الفلسطينية والقدس والحق العربي الفلسطيني، وثوابت الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية.

وفي أكثر من مناسبة قال الملك أن الأردن سيوظف كل أدواته الدبلوماسية والسياسية والقانونية دفاعا عن القدس والمقدسات وقضية الشعب الفلسطيني العادلة. وقد استخدم الأردن هذه الأدوات في عديد المحطات التاريخية، وفي مختلف المحافل الدولية. ففي الأشهر القليلة الماضية عملت الدبلوماسية الأردنية بأقصى طاقتها لاحتواء القرار الأميركي بشأن القدس، وإقناع دول عديدة بألا تحذو حذو واشنطن، ومواجهة سياسة إسرائيل الرامية لتهويد القدس والمقدسات ميدانيا ودبلوماسيا. المساهمة الفعالة في قمة المؤتمر الإسلامي تركيا كانت مثالا قويا على التحرك الملكي لحشد التأييد دعما للقدس.

وفي كل المناسبات كان الملك يوظف ثقله الدبلوماسي وعلاقاته الواسعة مع قادة العالم بوصفها أداة من أدوات القوة الدبلوماسية الناعمة، لكسب التأييد لموقفه المستند لقرارات الشرعية الدولية، لكنه في حالة رومانيا لجأ لما يمكن وصفه بالدبلوماسية الخشنة والصارمة، ردا على موقف استفزازي يتناقض مع القرارات الدولية من قبل رئيسة الوزراء التي تحابي حكومة الاحتلال لحسابات انتخابية ومصالح سياسية ضيقة، على حساب علاقات رومانيا القوية مع الدول العربية وشبكة المصالح الاقتصادية.

خطوة الملك هى الأولى من نوعها التي يقدم عليها زعيم عربي نصرة للقدس والحق الفلسطيني، ويمكن أن تؤسس لسلوك دبلوماسي عربي جديد في التعاطي مع الدول التي تنوي نقل سفاراتها للقدس المحتلة. وفي القمة العربية المقررة بعد أيام في تونس، تستطيع الدول العربية أن تتخذ من موقف الملك منهجا للتعامل والقياس لعلاقاتها مع دول العالم، وتفعيل أدوات الدبلوماسية العربية لتجريد القرار الأميركي حول القدس من شرعيته السياسية، لأنه في الأساس باطل من الناحية القانونية، ولا يترتب عليه أية استحقاقات سياسية تمس بالوضع الحالي لمدينة القدس كونها تقع تحت سلطة احتلال لا يعترف العالم بها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات