الملك في مهمتين


كان خطاب الملك عبدالله الثاني بمؤتمر مبادرة لندن نهاية الأسبوع أقرب ما يكون لمرافعة سياسية واقتصادية أكد فيها حق الأردن على المجتمع الدولي. وساق الأدلة والبراهين التي تدعم هذا الحق.

ظروف إقليمية غير مسبوقة ألقت بظلال كئيبة على خطط الاصلاح الاقتصادي، وعطلت التجارة مع دول الجوار، ومئات الآلاف من اللاجئين السوريين وما فرضوه من ضغوط غير مسبوقة على البنية التحتية والموارد وسوق العمل.

رغم هذه الظروف الصعبة، استجاب الأردن من جديد لتحديات الاصلاح الاقتصادي وشروطه الصعبة، وتبنى سياسات مالية واقتصادية تتواءم مع متطلبات ومعايير المؤسسات النقدية العالمية، التي أكدت من جانبها أن الأردن لبى بالفعل الشروط الكفيلة بمواصلة عملية الاصلاح الاقتصادي، ووفر البيئة الملائمة والآمنة للاستثمار الأجنبي، ما يفرض على المانحين والمستثمرين مد يد العون له، وهذا ما تحقق بالفعل.

ومقابل التزام الأردن باستراتيجية اقتصادية تمتد على مدار خمس سنوات، وتتضمن حزمة الاصلاحات والتعهدات في مجال السياسة المالية، أعلن مانحون كبار عن تقديم حزمة تسهيلات مالية على شكل منح وقروض ميسرة للأردن للمضي قدما بخطط تحسين البنية التحتية ودعم المشاريع التنموية، وخلق فرص عمل جديدة. وكأن هذه التفاهمات بمثابة رسالة ضمانات للمستثمرين الأجانب لتوجيه استثماراتهم في سلسلة مشاريع كبرى عرضتها الحكومة خلال أعمال المؤتمر.

خطاب الملك في المؤتمر كان بمثابة غطاء سياسي لتدشين هذه التفاهمات، فقد منح حديثه الثقة بجدية الالتزام الأردني بعملية الاصلاح، وسعيه الجاد لتأمين بيئة استثمارية محفزة. وفي المقابل أظهر المؤتمر مدى الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي لاستقرار الأردن كركيزة لأمن واستقرار الأقليم.

وبذلت الحكومة البريطانية جهودا كبيرة لحشد ما يزيد على 450 من قادة القطاعات الاقتصادية من 60 دولة ومنظمة دولية على رأسها البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

صحيح أن المؤتمر كان ليوم واحد، لكن الاستعداد لعقد بنجاح تطلب أسابيع طويلة من التحضير والاجتماعات والمناقشات، تابعها جلالة الملك بكشل حثيث ويومي. وما كان للمؤتمر أن ينعقد أصلا لولا التفاهمات التي عقدها الملك مع رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي خلال اجتماعهما في نيويورك بشهر أيلول “سبتمبر” من العام الماضي.

الحكومة التي واكبت العمل عن كثب وانجزت المهمة في لندن، يتوجب عليها بعد العودة لعمان أن تترجم ما تحقق في هذه التظاهرة المؤيدة للأردن لإجراءات عملية تضمن تحقيق المكاسب بما ينعكس بشكل ملموس على حياة الأردنيين في القادم من الأيام.

الملك وبعد أن أنجز المهمة في لندن، سيتوجه بعد أيام لواشنطن لتولي مهمة لا تقل أهمية عن مؤتمر مبادرة لندن، تتمثل بالتواصل مع قيادات الكونغرس الأميركي الذي شهد انتخابات نصفية قبل أسابيع حملت وجوها جديدة لأهم مؤسسة سيادية في الولايات المتحدة الأميركية.

العلاقة الأردنية الوثيقة مع ما يمكن وصفها بمؤسسة الدولة العميقة في أميركا وأعني الكونغرس بمجلسيه، كان لها الفضل على الدوام بحماية المصالح الأردنية من تقلبات السياسة الأميركية. وبحكم الصلات الوثيقة التي تربط الملك بقيادات الكونغرس والمكانة الرفيعة التي يحظى بها جلالته في أوساط المشرعين الأميركيين، ضمن الأردن تحقيق أهدافه الاستراتيجية في العلاقة مع واشنطن بصرف النظر عن هوية الإدارة في البيت الأبيض.

تحركات الملك على الساحة الدولية وفي عواصم القرار العالمي، تشكل في مجملها ضمانات لحماية المصالح الأردنية من أوضاع إقليمية متغيرة، وسياسات دولية مضطربة.

هذه الاستراتيجية في السياسة الخارجية اختبرت عشرات المرات في عهد المغفور له الملك الحسين وفي عهد الملك عبدالله الثاني، واثمرت مكاسب على الدوام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات