داعش لم يهزم في سوريا


قال احد الخبراء العسكريين ذات يوم اذا أردت أن تُقلِّص مِن حجم الهَزيمة والفشل ووقف تكرار الخَسائِر وانعدام الأمل فما عَليك إلا أن تُعلِن النَّصر وتَبْدأ في الانسِحاب فَوْرًا دَونَ تَرَدُّد باعتِبار ذلِك أقصَر الطُّرُق لإنهاءِ الحَرب الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية كرر كثيرا إن سلفه باراك أوباما هو من قوى تنظيم داعش لأنه انسحب مبكرا من العراق في 2011 وها هو اليوم يكرر خطأ اوباما وبدون أي مشاورات مع المسؤولين العسكريين أو قادة الاستخبارات والدبلوماسيين وكبار مسؤولي إدارته والشركاء في التحالف الدولي ضد داعش والحلفاء المحليين في قوات سوريا الديمقراطية والإقليميين والدوليين ويعلن في التاسع عشر من الشهر الجاري وعبر صفحته على تويتر الانسحاب الكامل والسريع للقوات الامريكية التي تُقاتل تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا بعد أن ألحقت الهزيمة بالتنظيم وانتصرت في المعركة حسب ادعائه حيث قال حرفيا في تغريدته لقد ألحقنا الهزيمة بالدولة الإسلامية في العراق والشام وكان هذا السبب الوحيد لوجودنا هناك ومن ثم ألحقها بتغريدة ثانية جاء فيها بعد انتصارات تاريخية ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام حانت عودة شبابنا إلى الوطن لكن الحقيقة غير ذلك فما سبب هذه القرار المفاجئ وتوقيته وتداعياته على معركة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في معقله الأخير الصغير شرقي سوريا وهل القوى التي تقاتل التنظيم قادرة على مواجهته إذا انسحبت القوات الأمريكية وفي المقابل ومنذ أيام قليلة فقط أعلن أكثر من مسؤول عسكري أمريكي أن التنظيم لا يزال لديه آلاف المقاتلين الذين يقاومون بشدة وضراوة في البقعة الصغيرة التي لا يزال يُسيطر عليه وان تقديرات عدد مقاتلي التنظيم يبلغ ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل في سوريا والعراق وهي أرقام تتناقض تماما مع تأكيد ترامب إلحاق الولايات المتحدة الهزيمة بالتنظيم إذ لا توجد دلائل واقعية تؤكد القضاء على المقاتلين عبر العمليات العسكرية أو إلقاء القبض عليهم ولا يستبعد أن يعود التنظيم إلى سابق عهده وينظم صفوفه ويشن هجمات خاطفة ويستعيد ما خسره في سوريا بفضل عرباته المفخخة التي يقودها انتحاريون حالما تتوقف الغارات الأمريكية التي تستهدف معاقل التنظيم ولا سيما أنه استفاد كثيرا من دروس المعارك التي خاضها منذ عدة سنوات ضد قوات سوريا الديمقراطية والحكومية السورية والعراقية وعندما ساءت الأحوال الجوية قبل أقل من شهر وغاب طيران التحالف عن ساحة المعركة استغل التنظيم الفرصة على أكمل وجه وشن هجمات خاطفة استطاع من خلالها الوصول إلى مناطق كان قد خرج منها منذ أشهر مثل بلدتي الغرانيج والبحرة وقتل خلال المعارك عشرات المقاتلين وأسر نحو ثلاثين من القوات المعادية
لا يثير إعلان ترامب مخاوف حلفاء بلاده في الحرب على التنظيم مثل قوات سوريا الديمقراطية وبريطانيا وفرنسا وغيرهم فقط بل وصل الأمر بأنصاره في الكونغرس من الحزب الجمهوري للإعراب عن دهشتهم بعد الاطلاع على قرار ترامب عبر تويتر وعلى رأسهم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام الذي يعد من أشد أنصار ترامب إذ قال كل ما جرى في العراق سيحدث في سوريا أيضا إذا لم يعاد النظر بقرار الانسحاب من سوريا ولا أحد يمكنه اقناعي بأن الدولة الاسلامية قد هُزمت
وفي نيسان الماضي اتخذ ترامب قرار بالانسحاب من سوريا لكن حلفاءه ومستشاريه تمكنوا من إقناعه بعدم تحديد جدول زمني لذلك لأن هزيمة تنظيم داعش لم تكتمل بعد وعليه زاد الانخراط الأميركي وجرى توسيع القواعد العسكرية وأرسلت دول غربية مثل فرنسا وإيطاليا قوات خاصة إضافية لتنضم إلى الوحدات الخاصة الأميركية كما زادت في تسليح وتدريب قوات سوريا الديمقراطية الكردية والعربية وشكلت قوات لحماية الحدود إضافة إلى إقناع دول حليفة بزيادة التمويل والمساهمة في سياسة الاستقرار في المناطق المحررة من «داعش» وتدريب 35 - 40 ألف عنصر من القوات المحلية بل إن المسؤولين الأميركيين قدموا ثلاثة أهداف للوجود الأميركي شرق سوريا هي هزيمة داعش ومنع ظهوره مرة اخرى واحتواء إيران ودعم الدبلوماسية الأمريكية لتحقيق حل سياسي في سوريا لكن ترامب أعلن بشكل متسرع أن التنظيم هزم بعد ساعات من إعلان المبعوث الأميركي في التحالف الدولي بريت ماكغورك أن داعش لا يزال قائماً ويشكل تهديدا وقد شن مجددا هجمات ضد حلفاء أميركا ومن المعلوم ان القوات الامريكية في سوريا لا تقاتل بل تقدم الدعم الجوي وتوجه الغارات ضد مواقع التنظيم بالتعاون مع قوات فرنسية وبريطانية على الأرض بينما المقاتلون على أرض المعركة هم عناصر قوات سوريا الديمقراطية

القرار الأمريكي جاء مفاجئاً وبدون مقدمات مما أثار الارتباك في عواصم العالم ومراكز صنع القرار بما فيها واشنطن نفسها بقدر ما أثار اعتراضاتٍ بين حلفاءِ الولايات المتحدة وفتحَ البابَ أمامَ احتمالات تغير خريطة النفوذ في الشمال السوري ومن جديد الهدف الأساسي الذي ذكرته إدارة ترمب مراراً وتكراراً للبقاء في سوريا هو الهزيمة الدائمة لداعش وهذا أمر يتطلب سنوات عديدة لجعله حقيقة مشاهدة كما أن التنظيم أعلن المسؤولية عن هجوم في الرقة قبل 10 دقائق فقط قبل تغريدة ترامب إضافة إلى الإعلان عن قتل التنظيم 700 مقاتل من حلفاء أميركا خلال فترة وجيزة في معارك الجيب الأخير شرق الفرات وبحسب مراقبين فان قرار ترامب جاء بعد اتصاله الأخير مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي كان قد حشد قواته وفصائل سورية للتوغل شرق نهر الفرات حيث سأل اردوغان ترامب عن موعد الانسحاب من سوريا فاستغرب ترامب وجود القوات الأميركية إلى الآن وعليه غرد الرئيس ترمب ثم أبلغ مساعديه بقراره وتم تبليغ قادة وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية بتفكيك نقاط المراقبة على حدود سوريا مع تركيا وتسريع الانسحاب الكردي من منبج ويعتقد أن ذلك جرى ضمن خطوات بناء الثقة بين أنقرة وواشنطن وبرنامج أكبر لتطوير العلاقات بينهما ورأى البعض ان قرار الانسحاب كان اقرب الى الاستسلام ووالهزيمة والفشل حيث سيزيد من أعباء الأمم المتحدة في مواجهة خطر الارهاب وسيسمح بعودة وانتعاش داعش من جديد

كان يتعين على الولايات المتحدة قبل سحب قواتها من سوريا ألا تفقد رؤية الخطر الذي يشكله تنظيم داعش حتى وإن كان بلا أراض وكان عليها أن تأخذ في الاعتبار أيضا في حماية السكان في شمال شرق سوريا واستقرار هذه المنطقة لتجنب أي مآس إنسانية جديدة وأي عودة للإرهابيين وان القرار سيؤثر سلباً على حملة مكافحة الإرهاب وسيعطي للإرهاب وداعميه ومؤيديه زخماً سياسياً وميدانياً وعسكرياً للانتعاش مجدداً والقيام بحملة إرهابية معاكسة في المنطقة وعدم المخاطرة بضياع المكاسب الاستراتيجية التي تحققت ضد داعش منذ عام 2014
ووفقا لقرار الرئيس ترامب فإنه يتعين سحب جميع القوات البرية الأميركية من سوريا في غُضونِ شَهرين أو ثلاثة أشهر على الأكثَر وجلاء موظفي وزارة الخارجية الامريكية خلال 48 ساعة
حيث ينتشر نحو ألفي جندي أميركي حالياً في شمال سوريا وفي خضم ذلك لم تبلغ الدول الغربية الحليفة مسبقاً بقرار ترامب وقد أعلن مسؤولون فرنسيون أن بلادهم ستبقي على قواتها في شمال سوريا في الوقت الراهن لكون متشددي تنظيم داعش الإرهابي لم يتم القضاء عليهم ولم تستأصل شأفتهم وتتعامل فرنسا على وجه التحديد بحساسية مع خطر تنظيم داعش المتطرف بعد عدة هجمات كبيرة على أراضيها في السنوات القليلة الماضية وقد انضم مئات من الفرنسيين إلى التنظيم في سوريا وتعتبر أمريكيا العمود الفقري في التحالف ضد تنظيم الدولة الاسلامية والذي يتكون من أمريكيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وقد أثار القرار أيضا جدلا داخليا حول أسلوب اتخاذ القرار داخل الإدارة الأميركية فالقرار الصادر من ترامب يتعارض مع تصريحات كبار القادة العسكريين ومسؤولي الأمن القومي الأميركي ومع الأهداف الإستراتيجية التي أعلنتها الإدارة لمساعدة القوات الكردية السورية ومكافحة نفوذ كل من إيران وروسيا وجاءت الانتقادات متلاحقة من قادة الكونغرس الأميركي من الحزبين ووجه ائتلاف من أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي خطابا للرئيس ترامب أشاروا فيه إلى أن الانسحاب للقوات الأميركية من سوريا يعزز نفوذ خصوم أميركا وهما إيران وروسيا اللذان استخدما الصراع السوري لتوسيع نفوذهما في المنطقة وان مثل هذا العمل في هذا الوقت هو خطأ وسابق لأوانه ومكلف ولا يهدد فقط أمن الولايات المتحدة بل يشجع أيضا داعش والنظام السوري وإيران وروسيا وان الاستمرار في قرار الانسحاب من سوريا سوف يجمع بقايا داعش ويعزز وجهودها في المنطقة وأكد النائب الجمهوري آدم كينزينجر بأن تصريح ترمب بأن داعش قد هزم هو ببساطة غير صحيح ورغم فقدان تنظيم داعش 99 في المائة من الأراضي التي كان يسيطر عليها إلا أنه لا يزال يشكل تهديدا أمنيا وهناك معارك مستمرة إلى الآن وفق البيانات العسكرية حيث نفذت الطائرات الحربية 378 غارة جوية ضد داعش في العراق وسوريا في الفترة من 9 إلى 15 شهر ديسمبر الحالي ومن جانب آخر يقول محللون ومراقبون بأن مهمة الولايات المتحدة في سوريا انتهت بفشل شبه كامل حيث لا يزال الرئيس بشار الأسد يحكم سوريا وبقوة وثبات ولا تزال الحرب الأهلية السورية مستمرة دون بارقة أمل في حل ينهي الأزمة مع تزايد أعداد القتلى وملايين اللاجئين والمشردين وفي الوقت نفسه ينمو نفوذ كل من إيران وروسيا مقابل تضاؤل النفوذ الأميركي ورغم تراجع سيطرة داعش على بعض الأراضي إلا أنها لا تزال تشكل تهديدا كبيرا في المنطقة ولجميع الاطراف
وأن المعركة التي تخوضها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً ضد تنظيم داعش في آخر منطقة يتحصن داخلها في شرق البلاد لا زالت مستمرة حتى الآن رغم إعلان واشنطن قرارها بسحب قواتها كافة من سوريا وهي تخوض الان معارك عنيفة ضد آخر جيب للتنظيم على الضفاف الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور ومن باب المؤامرة والطعن في الظهر يعتقد الكثيرون بأن توقيت القرار أعلن بعد مشاورات مكثفة مع تركيا وجولتي محادثات بين إردوغان وترامب وأن القرار مرتبط بالتحضيرات التي تقوم بها أنقرة لشن عملية عسكرية في شمال سوريا وبعد تصعيد الرئيس التركي مؤخراً وتيرة تهديداته للمقاتلين الأكراد في سوريا للتخلص منهم بعدما خاضت قواته معارك دموية ضدهم آخرها في منطقة عفرين في شمال البلاد ويرجح محللون أن يكون القرار الأميركي بمثابة ضوء أخضر لتركيا من أجل شن هجوم عسكري يستهدف المقاتلين الأكراد الذين تصنفهم تركيا كإرهابيين وتخشى من إقامتهم حكماً ذاتياً على طول حدودها
أخيرا ها هي أمريكيا التي أقلقتْ العالمَ بتأكيداتها المتتالية على وجوب اقتلاعِ إيران من سوريا وقصقصةِ أجنحتِها وتحجيمِ ̕نصر بوتين̔ فيها وتقييدِ الرئيس الأسد بكلِ القيود والأغلال وحمايةِ الأكراد الحليف الموثوق في الحربِ على داعش وفي لحظة واحدة ومفاجئة فعلتْ نقيضَه تماماً فهل كان ذلك فشل ام خطأ ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات