شبكات التواصل الاجتماعي، تداعيات مفتوحة


تعرف شبكات التواصل الاجتماعي بأنها مجموعة من المواقع على شبكة الانترنت توفر امكانية التواصل بين الأفراد في بيئة افتراضية تجمعهم على شكل مجموعات اهتمام، أو انتماء. وقد وسعت هذه الشبكات من مفهوم التدوين الالكتروني، وانتقلت به إلى مفهوم التعايش المجتمعي والانساني الكترونياً، ونتيجة لتنامي وتطور هذه المواقع فقد أقبل عليها ما يزيد على ثلثي مستخدمي شبكة الانترنت.

ارتبطت شبكات التواصل الاجتماعي بتعبير الناس عن رأبها بالأحداث والواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مختلف بلدان العالم، حيث تلعب هذه الشبكات مثل(الفيس بوك وتويتر) وغيرها، دورا كبيراً في هذا المجال.

لقد تحول الفضاء المكاني الذي كان مساحة اللقاء بين الأفراد في المجتمعات الصغيرة إلى فضاء كوني لا يقيم اعتبارً للجغرافيا أو الجنس أو العرق أو اللون، فضاء متفلتاً من الرقابة التي تمارسها الأسرة والمجتمع على هذا الفرد، والتي كانت فعالة خلال كل المحطات التاريخية في مسار البشرية.

وهنا برزت رغبات الأفراد الغرائزية، فأصبح للفرد منبره الخاص ومجتمعه الخاص وشخصيته الخاصة على هذه الوسائل، تلك الشخصية التي قد لا يستطيع عيشها في الواقع، وبالتالي شكّل هذا الفضاء الكوني مساحة للهروب من ضغوطات الواقع ورقابة المجتمع ووضع الانسان أمام مشاعر يكتشفها للمرة الأولى، وقد انسحب ذلك تغيراً في مجموع المشاعر الانسانية، وبالتالي شكلاً جديدا من مشاعر الحب والكراهية، وأسلوباً ووسيلة مختلفين للتعبير عن هذه المشاعر.

كما أن ذات المشاعر التي اعتدنا التعبير عنها للآخر وجها لوجه أصبحنا قادرين على التعبير عنها عبر وسائل التواصل، مما أفقد هذه المشاعر الانسانية أقوى مقوماتها ألا وهي "الحميمية". وقد نجد مجموعة من المتحمسين لنشاط ما، أو فكرة ما أو حوار ما على هذه الوسائل، وعند محاولة ترجمة هذا الحماس لتحرك على الأرض لا نجد من كل هؤلاء المتحمسين افتراضياً إلا مشاركين قلائل على أرض الواقع.

وبالغوص أكثر في تحليل تداعيات وسائل التواصل على حياة الأفراد، وعلى شكل وطريقة الحوار بين المجتمعات، نجد أن عصر وسائل التواصل هو نفسه عصر التفكك الأسري، وعصر ظهور الانقسامات العامودية بين الأعراق والأجناس والمذاهب، وظهور الجماعات المتطرفة، والشعور بالوحدة وتشجيع الفردية.

كما أن قدرة الانسان على تحليل هذا الكم الهائل من المعلومات أصبحت محدودة، وبالتالي بدأت معرفة الانسان تتحول من معرفة نوعية إلى معرفة كمية مجتزأة ومشوهة، ولا تملك الأسس العلمية للمعرفة. ولم نعد نميز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة، وغرق العوام في بحر متلاطم من المعلومات، وأصبح عرضة للخرافات والإشاعات المغرضة، وبدأ العلماء بدراسة ظاهرة الادمان على وسائل التواصل، وخاصة التأثير الكبير الذي يحدثه على الأطفال، والتبعية، والإحساس بالفراغ ، والقلق والانكار للواقع، والبحث الدائم عن الهوية، والنرجسية.

إن ترشيد استعمالات وسائل التواصل تعود بالفائدة إذا ما استخدمناها لتثقيف الأفراد والجماعات ولصناعة وعي عام يستطيع أن يقف بوجه هذا المد المعلوماتي؛ فالتحقق من مصادر المعلومات والتدقيق فيها والتوجه للمصادر الآمنة لهذه المعلومات يوفر علينا الجهد والوقت، وحسن تقييم الموقف، كما أن عدم الافراط في استعمال هذه الوسائل يترك لنا فرصة لاكتشاف حقيقة الآخر، والاحساس بالواقع بحواسنا الخمس. ولا بد من الاهتمام بالبحث العلمي لنفهم حقيقة تداعيات هذه الثورة التكنولوجية على مشاعرنا وقيمنا وفهمنا للآخر وحوارنا معه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات